«لم أكن لأخلع سربالا»

امال قرامى
امال قرامى

آخر تحديث: الثلاثاء 29 أكتوبر 2013 - 8:05 م بتوقيت القاهرة

المتابعة لما يجرى داخل المجلس التأسيسى يجد نفسه أمام خيارين كلاهما مر: إما أن يشاهد ويسمع ويعاين فيكون فى الغالب شاهدا على رداءة الأداء وما تحدثه «النقاشات» من أثر فى النفس يتراوح بين السخرية والقرف والازدراء فيقرر تبعا لذلك مقاطعة النقل التلفزى وتحويل وجهته من متابعة الشأن الداخلى إلى الاهتمام بأخبار العالم أو الاستمتاع بأغنية أو فيلم... أو أن يتابع أطوار الحكاية عله يفهم ما يجرى داخل قبة المجلس ويستنتج الدروس.

غادر أغلب نواب المعارضة المجلس وتمردوا على قوانينه، واعتصموا بساحة «باردو» منددين بما يجرى فى البلاد، خاصة بعد انتشار الإرهاب، واغتيال زميلهم محمد البراهمى، وحلول أزمة سياسية.

وفى المقابل أصرت الجماعة المدافعة عن منطق الأغلبية والشرعية «الانتخابية»، والناطقة نيابة عن «الشعب»، والمفتخرة بانجازاتها التاريخية، والمدافعة عن امتيازاتها التمسك بمقاعدها، ومواصلة العمل وكأن شيئا لم يكن وبراءة الأطفال فى العيون.

وهو موقف مفهوم فمن ذاق طعم السلطة يعز عليه التفريط فيها، ولذا بدت جماعة الأغلبية فى هيئة جديدة بعد خروج نواب المعارضة. فهى مزهوة بخروجها من حالة التهميش والتعتيم والتنكير... إلى حالة التعريف والبروز والشهرة وبناء الصورة، ولا يهم إن تولى إعلام «العار» القيام بذلك أوالإعلام المهادن والموالى» فالنتيجة واحدة وهى حدوث الانتشاء بفعل تضخم الذات.

•••

ومهما تعددت الانتقادات بشأن النواب، وكثر التهجم عليهم، والتشكيك فى خبرتهم وكفاءتهم، والتنديد بسلوكهم وأخلاقياتهم، ورفع شعار «ارحل» بوجوههم فإن هؤلاء ماضون فى الدفاع عن الحكومة الشرعية، وقداسة المجلس وديمومته، وحرمة النواب، متجاهلين ما تفرضه اللحظة المفصلية من شجاعة، وجرأة، وقدرة على تحمل المسئولية، ومساءلة الذات ومحاسبتها ورؤية الذات فى المرآة.

ومهما ارتفع عدد الشهداء، واستشرى الإرهاب، وتظاهر جرحى الثورة، وهددوا بانتحار جماعى بعدما اكتشفوا أن الإقدام على «إخاطة الفم» لم يحرك سواكن «نواب الشعب»... فإن موقف هؤلاء ظل هو نفسه: التشكيك والاتهام والتبرير وفق نظرية المؤامرة. فجرحى الثورة «يقدمون أنفسهم على أنهم جرحى الثورة» ليبتزوا الشعب، وهم خاضعون لأحزاب «تحركهم».. مل أغلب التونسيين هذه الحجج المتهافتة ولكن معظم النواب ما ملوا بل إن الأيام زادتهم تمكنا فاحترفوا التبرير والتأويل.

•••

تتأمل مشهد النواب الذين تجاهلوا خلو المقاعد من زملاء لهم قاسموهم المحنة، تجد ابتسامة عريضة مرسومة على المحيا، وتباشير السكينة تلوح هنا وهناك. فما أحلى مناقشة مواد من الدستور فى حضرة الأحبة والخلان والأتباع والموالين، وما أحلى الاستمتاع بسلطة من بها الله على عباده المصطفين فجعلهم خير معبرين عن إرادته ولذلك كان شعارهم شعار عثمان بن عفان «لم أكن لأخلع سربالا سربلنى الله».

وبالفعل تستمتع الجماعة بهذا الإحساس الجديد الذى يغمرها: أن تشعر بأنك فى عالم خاص يرمز إلى الملجأ والملاذ والعزوة والقوة.. لم لا وأنت ضمن جماعتك العضوية تشيد معها مشروعا ورديا، وتحلق برفقتها فى عالم الأحلام «فتغنى وجناحك يرد عليك» متعاليا على المشاكل التى يفتعلها الخصوم السياسيون، ومن والاهم من أيتام بن على، وأزلام النظام، وحثالة الفرنكفونيين والعلمانيين وغيرهم من أعداء «خير حكومة على الأرض».

وينتابك شعور ممتع وأنت تسمع نغمك المفضل وقصيدة فى غرض الفخر أو المدح وتصوغ أسطورتك الخاصة، وتنتج سرديتك الجديدة، وتستبدل خطاب الضحية بخطاب الجلاد، وتنتقل من الهامش إلى المركز... كل ذلك بعيدا عن الضجيج والنشاز وكل ما يعكر صفو الوحدة والأخوة والتجانس.

•••

سيفاوض النواب الذين اختاروا أن يكونوا خارج السرب، وأن يمارسوا الضغط ولكنهم فى النهاية، سيعودون إلى قبة المجلس مرددين «ما أحلى الرجوع إليه» ولكن سرعان ما سينطلقون فى تعكير صفو الخلان، وإفساد الخلوة، وستعلو الأصوات هاتفة «اللى شايف نفسه» لا يرى ولا يسمع ولا يتدبر.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved