الحصانة كنز لا يفنى

أشرف البربرى
أشرف البربرى

آخر تحديث: الخميس 29 نوفمبر 2018 - 2:18 م بتوقيت القاهرة

اضطر الدكتور على عبدالعال أستاذ القانون الدستورى فى جامعة عين شمس ورئيس مجلس النواب إلى محاولة تفسير رفض مجلس النواب المتكرر وللمرة «العشرمية»، على حد سخرية عالم التواصل الاجتماعى، طلب النائب العام رفع الحصانة عن أحد نوابه للتحقيق معه بتهمة إهدار المال العام فقال «المشكلة ليست فى عدد الطلبات، وإنما لم يأت طلب مستوفى الشروط لا الشكلية ولا الشروط الموضوعية، ولا علاقة لى ولا للمجلس بأى نزاعات تتم بين أى عضو وآخرين».
مع كل التقدير لكلام رئيس مجلس النواب لكن قضية النائب الذى سجل «رقما قياسيا عالميا» فى عدد طلبات النائب العام رفع الحصانة عنه من أجل الوصول إلى الحقيقة فى عشرات البلاغات المقدمة ضده باتهامات تتراوح بين السب والقذف وحتى إهدار المال العام، تحتم إعادة النظر فى فكرة حصانة النواب وضرورة ترشيدها حتى لا تتحول إلى «حماية» للنائب فى مواجهة المواطنين وحتى لا تغل يد القضاء عن إقامة العدل بين أبناء الشعب سواء كانوا نوابا أو أفرادا عاديين.
كما أن عدد طلبات رفع الحصانة عن نائب واحد مشكلة وليس كما يقول الدكتور عبدالعال ليست مشكلة، فتكرار طلبات رفع الحصانة عن نائب ما، وتكرار رفض البرلمان على هذه الطلبات يبعث رسالة سلبية إلى الرأى العام وعموم المواطنين ويعطى انطباعا حتى لو لم يكن صحيحا بأن حصانة النواب عقبة فى طريق تحقيق العدالة القضائية المنشودة.
المفترض أن تكون حصانة النائب فى مواجهة السلطة التنفيذية حتى يتمكن من مراقبتها ومحاسبتها إذا لزم الأمر، وأن ترتبط فقط بممارسته لعمله النيابى ولا تمتد لتشمل مجالات عمله الأخرى المتعددة خاصة وأن نظامنا السياسى للأسف الشديد يسمح للنائب بممارسة أكثر من دور، حتى لو كان بينها تضارب مصالح، فالنائب الذى يراقب أعمال وزير الشباب والرياضة مثلا هو نفسه رئيس لناد رياضى يخضع لولاية الوزير، والنائب الذى يراقب أعمال وزير الصناعة ويحاسبه هو نفسه صاحب مصانع يفترض أنها تخضع لرقابة الوزير وهكذا، ثم تأتى الحصانة والتوسع فى تطبيقها على النحو الذى نراه الآن لتثير قلق البعض من احتمالات إساءة استغلالها لمنح النواب حماية فى مواجهة آحاد الناس فى نزاعات ينظرها القضاء ولا تتعلق بأى شكل من الأشكال بممارسة النائب لعمله النيابى وإنما ترتبط بممارسة أعمال أخرى فى مجال البيزنس أو النشاط المهنى وغير ذلك.
المفارقة أن سبب رفض طلبات رفع الحصانة فى أغلب الحالات مهما اختلف النائب المطلوب رفع الحصانة عنه لا يخرج عن عبارة «البلاغ كيدى»، وهو ما ينطوى على طعن فى أعمال النيابة العامة التى نظرت البلاغ أو القضية ووجدت فيها ما يستوجب طلب رفع الحصانة وما ينفى كيديتها وإلا لكانت النيابة قد حفظت البلاغ من الأصل كما يخولها القانون ذلك. والمفترض أن يكون القضاء والتحقيق الكامل هو الوسيلة الوحيدة لتحديد كيدية البلاغات والاتهامات من عدمها وليست مناقشات لجنة نيابية تخضع بكل التأكيد لحسابات سياسية ومعادلات حزبية وليست معصوبة العينين كما هو الحال فى القضاء الشامخ.
ولما كان الأصل والواجب هو الحرص على ألا تشوب سمعة أى نائب شائبة وأن الثقة فى القضاء الشامخ والعادل مطلقة، فلماذا لا يكون الأصل أيضا هو السماح للنيابة بالتحقيق مع أى نائب يواجه اتهاما خاصة إذا كان الطرف الآخر فى القضية من آحاد المواطنين وليس إحدى جهات السلطة التنفيذية، حتى نضمن المساواة بين كل أفراد الشعب أمام القضاء؟ وأيهما أفضل لمجلس النواب وصورته أمام الشعب، رفض طلبات رفع الحصانة عن نوابه المطلوبين للتحقيق، أما رفعها والسماح للقضاء باستكمال التحقيق لينتهى إما بإثبات براءة النائب ومن ورائه المجلس كله أو بإدانته فتسقط عضويته ويتخلص البرلمان من عبء نائب مدان؟
أشرف البربرى

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved