الحراك والمقاومة اثنان أم واحدان؟

صحافة عربية
صحافة عربية

آخر تحديث: الخميس 28 نوفمبر 2019 - 9:20 م بتوقيت القاهرة

نشر موقع على الطريق مقالا للكاتب نصرى الصايغ واصفا فيه الشأن اللبنانى بعد مرور أربعين يوما من انطلاق شرارة الاحتجاجات.. ونعرض منه ما يلى.

لا وقت لدى لغير الحراك. خذوا أمسى كله. غدى هو الطريق. متعب أن نستعيد الخراب. لبنان الماضى ملوث ولا أمل وهو فى ذروة البشاعة. تأملوه جيدا. ينتسب البلد إلى الذى لا شفاء له. أهله ضحاياه وسادته قتلة الأحلام.

خذوا هذا اللاوطن عنا. تعبنا. قرفنا. مرضنا. لا رجاء فيه ولا أمل. لا وقت لدينا، نحن الطفار الكثار، لغير الحراك. إنما، لدينا كل الوقت القادم، لحتف هذا الماضى إلى العبرة والنسيان.

أربعون يوما حتى الآن. لا يزال الوقت فى بداياته. لبنان الجديد، شعبه الجدى مصر على جمهورية جديدة. غير جائز أن نطلق تسمية لبنان الثالث أو الجمهورية الثالثة على لبنان الآتى، غدا أو بعد غد أو ما بعد بعد غد. الشعب يريد جمهورية جديدة، لا تتصل بمائة عام من اللادولة، بمائة عام من الجرائم الطائفية، أو من طائفية مؤهلة لارتكاب الأفظع من الجرائم. الشعب يريد دولة على صورته. وصورة الشعب ملونة ومتطلعة وحاسمة وقادرة وصابرة حتى النفس الأخير.

أربعون يوما، وقراصنة الدولة مختبئون فى جحورهم كى لا يتعرضون لاحتقار بليغ، من قبل شعب ولد فى الساحات والطرقات. من أعالى الجبال إلى رمال الشواطئ، شمالا وجنوبا… أربعون يوما فى العراء الممتلئ حياة ونبضا وتطلعا وإيمانا، بأن لبنانهم مضاد للبنانيهم بالكامل. الطغمة حائرة. لأول مرة تتحد برغم عداواتها. تتمسك بأسنانها ما تبقى له من سلطة موروثة ومغتصبة. ما يجمعهم معا. عداوات مستحكمة، لاختلاف الولاءات والحصص والمحاور.

لا وقت لدينا لنفكر فيهم أو عنهم. تلقوا الصفعة الأولى، فسقطت الحكومة. شىء كبير انكسر. الشعب مصدر الثقة. هو الأقوى، من دون عصا أو سلاح. الأقوى بنقائه وصدوره وجباهه.. ثم تلقوا الصفعة الثانية: أصابوا أركان الركام الحكومى بالعجز. لا اتفاق على رئيس يرث نفسه بشروطه. عجز عن تحديد موعد لاستشارات منسوخة عن استشارات تشبه تمثيلية لا يحضرها إلا الممثلين. الناس خارج السرداب. هم فى المدى اللبنانى الطلق، فى الهواء الجديد الذى تتذوقه أنفاسهم… الحراك منع المجلس النيابى المدجن من الانعقاد. تذوقت القيادات مرارة عدم إطاعة الأوامر. هناك من ينتصب فى الساحات ويقول لا. لا، هى فعل أمر ونهى، ولها الحق فى المنع… الحراك استعاد روح الديمقراطية. فاز فى استعادة المحامين إلى نقابة تمت بقرابة للناس، وليس لدهاليز الصفقات المضادة للشعب وقضاياه… الحراك، فرض إيقاعه على الجميع، فهو موجود دائما، وفى كل مكان، وله رأى فى كل ما يجرى وما لا يجرى فى البلد.

هذا ليس مديحا فى الحراك، إنه لا يحتاج إلى الإشادة به، لكن حمايته واجبة، من صيادى الأحزاب المكرسة فى السلطة، ومن اتباع يخترعون التهم السياسية البذيئة، لعل أكثرها بذاءة، هى فى إلصاق المؤامرة بالحراك، المؤامرة موجودة فقط، فى رءوس السلطات الدكتاتورية والفاشية والطائفية. الحراك أنقى من عين الديك، ولكنه قد يتعرض لجماعات تندس فى صفوفه، ثبت حتى الآن، أن المندسين قلة، وأن الحراك متعال جدا، وقادر على لفظ الحثالات المدسوسة.. اتهم الحراك بأنه ممول. عيب. الذين يعيشون، من الزعماء والأحزاب السلطوية، على من يرضعهم المال والنفوذ من السفارات، هم فى السلطة. من فى الحراك ممول؟ دلونا عليه. سموه. برهنوا، وإلا فان الاتهام هو شتيمة وحسب.

أربعون يوما. والأيام مفتوحة أمام الحراك. أغرب وأتفه ما يوصف به الحراك، أنه سبب الانهيار والإفلاس. ولو!!! هل أهل الحراك نهبوا الدولة. الأموال المنهوبة موجودة فى حسابات زعامات السلطة وأتباعهم وشركائهم. الحراك مسئول عن النفايات؟ عن انعدام الكهرباء؟ عن زيادة نسبة الإصابة بالسرطان؟ عن التلوث، برا وبحرا وهواء؟ عن الجامعة اللبنانية؟ عن الديون؟ عن الهدر؟ عن التهرب الضريبى؟ عن اغتصاب الأملاك البحرية؟ هل هذا الإفلاس من صنع الحراك؟

بعد أربعين يوما، ستبقى الروزنامة مفتوحة. إنما، لا بد من ابتداع وسائل ضغط قاسية ومؤلمة… لا تعولوا على ما تقوله السلطة من اتهامات بالعمالة والارتباط بالخارج. انظروا إليهم واحدا واحدا. إنهم بانتظار النصائح الأميركية والفرنسية والأوروبية لفك عقدة شكل الحكومة، وليس برنامجها. إنهم يصغون جيدا للخارج. آذانهم معتادة على سماع النصائح ـ الأوامر.

أما بعد… الحرب على المقاومة مزمنة ومجرمة. مصادرها معروفة وأدواتها معلنة، وإقامتها محفوظة داخل السلطة. الحراك يحتضن من هم مع المقاومة قولا وفعلا وانتماء ودفاعا عنها. وهناك من هم ضد المقاومة من زمان. التقاؤهم فى الساحات، هو لحجم الانتهاك السلطوى لحقوق الناس. وليس من حق المقاومة أن تخشى هذا الحراك، ولكن من حقها وواجبها أن تسهر على مؤامرات من هم فى السلطة، أركانا وقيادات وأحزابا… مشكلة المقاومة هناك. حيث هى الآن.

ماذا بعد؟
لا شىء سوى أنه ليس لدينا وقت الآن لغير الحراك.

ماذا أيضا؟
أننا فى مقاومة حاسمة لتحرير لبنان من ممثلى دولته ونظامه وإنسانه. تماما كما كنا فى مقاومة حاسمة لتحرير لبنان من الاحتلال الإسرائيلى.

إذا: الحراك والمقاومة اثنان أم واحدان منفصلان ومختلفان؟
نأمل أن نصير واحدا فقط.

النص الأصلي

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved