انتخابات لا تشبه الانتخابات

محمد عصمت
محمد عصمت

آخر تحديث: الإثنين 29 يناير 2018 - 10:35 م بتوقيت القاهرة

بتجفيف منابع السياسة فى المجتمع، لم تعد الانتخابات الرئاسية المقبلة معركة برامج يتصارع خلالها الرئيس عبدالفتاح السيسى، فى أجواء ديمقراطية، مع مرشحين من مختلف التيارات على أصوات الناخبين، كما كان ينبغى أن تكون عليه الحال فى نظام سياسى مفترض ــ من الناحية الدستورية ــ إنه جاء من أحشاء ثورة طالبت بالعيش والحرية والعدالة الاجتماعية، وإنه يعبر عنها وعن كل شعاراتها ومطالبها!

الانتخابات الرئاسية تبدو وكأنها تدور فى فضاء سياسى لا يستند إلى أى أرضية شعبية، بعد أن ابتعدت هذه الانتخابات، بالأوضاع والإجراءات غير العادية التى تصاحبها، عن كل القيم الديمقراطية والحقوقية التى تأسس عليها دستور 2014، وأصبحت فى جوهرها عنوانا لصراع غير متوازن القوى بين رؤيتين لمستقبل البلاد، الأولى تتبناها السلطة التى تتخذ قرارات مصيرية خطيرة بدون مشاركة شعبية فى صنعها، وتعتقد أنها ترى ما لا يراه غيرها بحكم موقعها أو حتى بحكم قدراتها الخاصة ، وأن كل ما تطلبه أن يصطف الشعب خلفها أو بجانبها حتى تصبح مصر «أد الدنيا» بعد عدة سنوات، فى إقصاء شامل وكامل للعملية السياسية بتفاعلاتها الحزبية والنقابية والشعبية، أما الرؤية الثانية فتتبناها قوى سياسية مختلفة لكنها تتفق على حد أدنى من المطالب الخاصة بتفعيل ضمانات حقوق وحريات الإنسان، ووقف هيمنة السلطة التنفيذية على أجهزة الدولة، والشفافية فى صنع القرارات، وبناء دولة المؤسسات.

بموازين القوى الراهنة، أصبحت الضمانات الدستورية لإجراء انتخابات رئاسية تعددية فى أجواء تنافسية حرة ونزيهة مجرد حلم من الأحلام، بل إن هذه الانتخابات بالطريقة التى تم بها ابتعاد أو إبعاد المنافسين الأقوياء عنها أصبحت معادية لروح الدستور فضلا عن نصوصه، فى حين أثارت محاولات البعض البحث عن مرشح جاد «يخسرها» أمام السيسى انتقادات لاذعة، أساءت كثيرا للسمعة الديمقراطية لهذه الانتخابات.

قد ينجح مهندسو هذه الانتخابات فى الوصول بها إلى النتيجة التى يخططون لها ويضمنون فوزا مريحا للرئيس السيسى بولاية ثانية، ولكنهم فيما يبدون يتجاهلون أخطارا جسيمة تتراقص أشباحها على قارعة الطريق، أهمها أن شعبية الرئيس السيسى لم تعد كما كانت فى بدايات ولايته الأولى، وأن ملايين المصريين الذين يعانون من أزمات معيشية متفاقمة ينتظرون منه حلولا لأوضاعهم المذرية لن يستطيع تقديمها على الأقل خلال أول سنتين من ولايته الثانية، طبقا لما قاله هو شخصيا فى كلمته فى نهاية مؤتمره الانتخابى «حكاية وطن» منذ عدة أيام!

فى نفس الوقت، فإن الاستمرار المتوقع فى غلق المناخ العام وتأميم السياسة مع الاعتقاد العام بأن انتخابات الرئاسة لم تجر وفق قواعد أى قواعد ديمقراطية حقيقية، سيفتح أبوابا من العنف الاجتماعى والسياسى والتطرف الدينى لا أحد يعرف مداه ولا نتائجه ولا حتى كيفية رد السلطة عليه، وهو ما يهدد بتآكل شرعية النظام إذا ما خرجت الأمور عن السيطرة.

كان من المفترض أن يصاحب إجراء هذه الانتخابات مناقشات شعبية واسعة حول توجهات الرئيس الاقتصادية والسياسية ومحاسبته بل ونقده عليها، وايضا حول برنامجه الانتخابى المقبل لحل أزماتنا، واستعراض برامج المرشحين الاخرين ورؤاهم لحل مشاكلنا، لكن كل هذا لم يحدث، واصبحنا أمام انتخابات معلبة منزوعة الدسم أو بمعنى أصح منزوعة السياسة.
قضايانا الكبرى غابت عن هذه الانتخابات، أهم ما فيها هو البحث عن مرشح «يخسر» أمام الرئيس، وليس البحث عن مرشح يناظر الرئيس ويوجه له انتقادات حادة لكى يحصل على أصوات الناخبين ليحل محله فى الاتحادية، كما هو مفترض فى أى انتخابات!

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved