صراع على كاراكاس

طلعت إسماعيل
طلعت إسماعيل

آخر تحديث: الثلاثاء 29 يناير 2019 - 12:00 ص بتوقيت القاهرة

على البحر الكاريبى والمحيط الأطلسى فى الجزء الشمالى من أمريكا الجنوبية تقع فنزويلا، بحدود برية ممتدة مع البرازيل وكولومبيا وجويانا، بموقع استراتيجى على خطوط الملاحة الجوية والبحرية بين الأمريكتين الشمالية والجنوبية، والأهم أنها فى منطقة ترى فيها الولايات المتحدة مجالا حيويا، وحظيرة خلفية فى هذا الجزء من العالم الذى اختارت بعض حكوماته على مدى سنوات طويلة خطا مغايرا، بل ومناهضا للسياسات الأمريكية.
فنزويلا، وعاصمتها كاراكاس، تقارب مساحتها المليون كيلومتر مربع، وذات تنوع بيئى وثروات متعددة، أهمها النفط، تعد شوكة فى حلق واشنطن، منذ أمد بعيد، وليس اليوم حيث يحتدم الصراع على الحكم بين نيكولاس مادورو الرئيس الذى تشكك المعارضة فى نزاهة انتخابه لولاية ثانية، وشبل المعارضة ورئيس الجمعية الوطنية (البرلمان) خوان جوايدو الذى نصب نفسه الأربعاء الماضى رئيسا مؤقتا للبلاد، عقب زيارته للولايات المتحدة سرا.
الصراع بين مادورو (56 عاما) وفتى المعارضة جوايدو (35)، لا يعكس فقط المشكلات الداخلية التى تعانى منها فنزويلا، وفى مقدمتها تدنى الوضع الاقتصادى وفرار ملايين الفنزويليين إلى الدول المجاورة بعد تفاقم الفاقة ونقص الغذاء والدواء، بل يعبر عن صراع أشد ضراوة، وأكثر عنفا بين القوى الدولية على النفوذ فى العالم، وبالأخص بين الولايات المتحدة وروسيا.
قد تكون المشكلات الاقتصادية، والوضع السياسى البائس فى ظل الاستقطاب الحاد بين معارضة عنيدة، ونظام متهم بالقمع والاستبداد، وراء تفاقم الأزمة الحالية وانقسام فنزويلا على النحو الذى يهدد بحرب أهلية، غير أن لعب الكبار على رقعة الشطرنج التقليدية، ومحاولات تأكيد الوجود وبسط النفوذ، من الأسباب التى لا يمكن إغفالها فيما يجرى.
رشح مادورو نفسه لدورة رئاسية ثانية، وسط غضب شعبى على سياسات خليفة هوجو شافيز اليسارية، فى انتخابات قاطعتها المعارضة، بعد أن وصل الجانبان إلى طريق مسدود، أججته أياد خارجية، أمريكية بلا شك، حيث ترى واشنطن فى نظام كاراكاس تمردا على نظرتها التقليدية فى تطويع الدول لمصالحها، مقابل مد الحكومة الفنزويلية حبال الود مع روسيا وكوبا.
كان منطقيا إذن أن يسارع الرئيس الأمريكى دونالد ترامب إلى الاعتراف برئاسة جوايدو المؤقتة لفنزويلا، وأن يحث حلفاءه الأوروبيين على اتخاذ الخطوة نفسها، حيث ألمح رئيس الوزراء الإسبانى بيدرو سانتشيز إلى كونه على درب الاعتراف برئاسة زعيم المعارضة فى كاراكاس، وسط اتجاه قوى لدول الاتحاد الأوروبى لإعلان تأييدها لرئيس الجمعية الوطنية الفنزويلية الشاب خلال أيام.
أبعد من ذلك، أخذت واشنطن الحلفاء والخصوم إلى مجلس الأمن الدولى الذى شهد مساء السبت الماضى صراعا محتدما بين القوى العظمى على «جثة» فنزويلا، حيث فرضت الولايات المتحدة على المجلس عقد جلسة طارئة شارك فيها وزير الخارجية الأمريكى مايك بومبيو الذى دعا دول العالم لتأييد «الحليف الجديد» جوايدو، واصفا مادورو بأنه جزء من «دولة مافيا غير شرعية».
الاجتماع عكس انقساما حادا بين أعضاء مجلس الأمن، ففى حين أرادت واشنطن عقد الجلسة تحت عنوان «الوضع فى فنزويلا» باعتباره يهدد الأمن والسلم الدوليين، اعترض المندوب الروسى الدائم لدى الأمم المتحدة فاسيلى نيبينزيا، معتبرا أن «التهديد الحقيقى سببه العدوان الأمريكى الفاضح»، متهما واشنطن بأنها «تهندس انقلابا ضد حكومة منتخبة شرعيا» فى كاراكاس، وطلب عقد الجلسة تحت بند «تهديد الأمن والسلم بسبب التدخل الخارجى»، مؤكدا أن مادورو يحظى بتأييد واسع وسط الشعب الفنزويلى.
وزير الخارجية الأمريكى رفض كلام المندوب الروسى، ليستعر السجال بين الطرفين، قبل أن تنتهى الجلسة بفشل واشنطن فى إصدار بيان رئاسى عن مجلس الأمن ينص على «دعم كامل لجوايدو»، وهى الجلسة ذاتها التى تعرى كيف تدار خريطة الصراعات الدولية على حساب الخلافات الداخلية فى بلدان العالم الثالث، التى تدفع شعوبها ثمن تلك الصراعات وبأياد محلية، للأسف، يعتقد كل منها أنه يحسن صنعا.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved