صحافة الجنازات

عماد الدين حسين
عماد الدين حسين

آخر تحديث: السبت 29 يناير 2022 - 9:00 م بتوقيت القاهرة

هل من حق المصورين الجرى والتسابق واللهاث لتصوير نعوش الموتى أثناء الصلاة عليها فى المساجد أو خلال دفنها فى المقابر؟!

سؤال بات مطروحا بشدة فى الفترات الأخيرة بعد أن توحشت الظاهرة بشكل لا يصدق.

الذى ذكرنى بهذا الأمر مرة أخرى هو الصديق العزيز الكاتب الصحفى ياسر رزق يوم الإثنين قبل الماضى وقبل وفاته بأقل من أسبوع.

قابلت ياسر رزق، يوم الإثنين قبل الماضى، للمرة الأخيرة أمام مسجد حسن الشربتلى بالتجمع الخامس وكانت معه زوجته الكاتبة الصحفية أمانى ضرغام.

كانت صلاة الجنازة قد انتهت على جثمان المهندس شادى عبدالمنعم سعيد، وكنت أقف بجوار ياسر ومعنا بعض بعض الزملاء الكتاب والصحفيين والإعلاميين والنواب.

المصورون يحاولون التقاط الصور للدكتور عبدالمنعم ولبقية أسرته، ولكل شخص معروف. فى هذه اللحظة جاء ياسر وصرخ فى وجوههم قائلا:

«أنتم بتعلمونا صحافة جديدة منعرفهاش والا إيه.. حرام عليكم، اتقوا الله».

انصرفوا قليلا بعد صراخ ياسر فى وجوههم، لكنهم بدأوا يمارسون نشاطهم فى ركن آخر.

ما لم يرَه ياسر رزق، أنهم كانوا يقفون فوق منبر المسجد خلال الصلاة على الجنازة.

ما صرنا نعرفه جميعا أن هذه الظاهرة تترسخ يوما بعد يوم، لدرجة يخشى البعض أن يقوم بعض المصورين بالكشف عن وجه الميت لالتقاط الصورة الأخيرة له وبالتالى يحصلون على سبق فريد.

شخصيا أنا ضد هذا السلوك، تقديرى أنه من حق الإعلاميين تغطية كل الأنشطة فى أى مكان بالعالم بشرط أساسى وهو اتباع القواعد المهنية، وفى حالة الجنازات أعتقد أن الطبيعى هو التقاط صور عامة للجنازة ولتشييع الجثمان وليس لاصطياد لحظات ضعف إنسانى.

أكتب اليوم ليس لإدانة الزملاء المصورين ولهم جميعا كل التحية والتقدير، بل لمحاولة الوصول إلى حل عملى.

أعرف أن غالبية المصورين يفعلون ذلك لأن صحفهم وقنواتهم ومواقعهم تطلب منهم ذلك، وبالتالى، فالقضية هى كيف يكون هناك ميثاق شرف أو لوائح لتنظيم عملية تغطية الجنازات وتصويرها احتراما لحرمة الموت أولا ولمشاعر أهل المتوفى وأقاربه ثانيا؟

انتشار المواقع الإلكترونية بكثرة، وغياب معظم القيم والقواعد المهنية عنها، جعلها تؤسس لقيم وقواعد جديدة تخالف كل الأعراف والتقاليد والأخلاق.

أصحاب هذه المواقع والمشرفون عليها وبعضهم ليسوا نقابيين، يطلبون من المصورين أى شىء يجعل مواقعهم فى المقدمة حتى لو كان انتهاك حرمة الموت، وبسبب هؤلاء رأينا العديد من الشخصيات العامة تمنع تغطية المصورين وأحيانا المحررين عموما وقائع الجنازات سواء كانت فى المسجد أو المقابر أو حتى فى سرادقات العزاء، بعد وقوع الكثير من المهازل.

يضاف إلى ذلك رغبة بعض المصورين والمحررين فى «التجويد» أى اختلاس لحظات إنسانية صعبة لأهالى المتوفى، أو مشهد له لا يلائم الموقف أو حديث عابر بين الحاضرين. وكلها مواقف يمكن أن تؤدى إلى كوارث لا حصر لها.

أتمنى أن تبادر نقابة الصحفيين بوضع قواعد ملزمة لتغطية الجنازات، تكون أقرب إلى مواثيق الشرف بحيث يتحقق الهدف الأساسى، وهو أن تحصل الصحف على الأخبار والتغطية، لكن بما لا ينتهك حرمة الموتى، التى هى محل تقدير وتبجيل واحترام واتفاق فى كل المجتمعات والأديان والأعراف.

وعلى الصحف ألا تضغط على محرريها ومصوريها من أجل صورة أو لقطة أو مشهد قد يحقق بعض «الترافيك» لكنه يسىء إلى المتوفى وأهله.

أتوقع أيضا أن تبادر شعبة المصورين بالنقابة، وفيها قامات إنساية ومهنية إلى توعية الزملاء المصورين، خصوصا المبتدئين منهم بالقواعد المهنية والأخلاقية والإنسانية الواجب اتباعها فى تغطية الجنازات.

المفارقة أن ما طالب به ياسر من المصورين صار هو ضحية له بعد أقل من عشرة أيام.

ياسر طلب منهم عدم انتهاك حرمة الموت فى مسجد حسن الشربتلى، لكن عددا من المصورين انتهك حرمة موته أيضا خلال تشييع جنازته من مسجد المشير طنطاوى ظهر يوم الأربعاء الماضى.

رحم الله ياسر رزق وجميع موتانا، ونتمنى أن تتوقف صحافة الجنازات التى نعيشها منذ فترة.

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved