تنوع القراءة

محمد زهران
محمد زهران

آخر تحديث: السبت 29 يناير 2022 - 7:50 م بتوقيت القاهرة

ما زلنا نعيش أجواء الفرح الثقافى السنوى فى مصر المتمثل فى معرض القاهرة الدولى للكتاب ويحضره الألوف، بل الملايين المتعطشين للثقافة والعلم متحدين سطوة فيروس الكورونا الذى يأبى أن يرحل بهدوء وسطوة البرد القارس أيضا، داخل المعرض ستجد من يبحث عن الرواية بجميع أنواعها وآخر يبحث عن التاريخ وثالث عن الفلسفة ورابع عن الكتب التراثية إلخ، لكن إذا تأملت مشتريات أغلب الناس ستجد نوعا واحدا فقط يغلب على قائمة مشتريات كل شخص حسب اهتمامه، وهذه الظاهرة هى التى سنتحدث عنها فى هذا المقال.

محمد كامل حسين قد يكون معروفا للبعض نظرا لروايته العميقة «قرية ظالمة» التى حصلت على جائزة الدولة، لكن ما لا يعرفه الكثيرون أن الدكتور محمد كامل حسين يعتبره الكثيرون الأب الشرعى لطب العظام فى مصر، أستاذ جراحة عظيم وعضو مجمع اللغة العربية فى نفس الوقت، عندما أعلنت الأمم المتحدة عام 1965 عاما للتعاون الدولى دعت سبع شخصيات يمثلون الاتجاهات الفكرية الكبرى لإلقاء محاضرة فى نيويورك، كان الدكتور محمد كامل حسين واحدا منهم، لقد تحدثنا عن هذا العالم الأديب فى مقال سابق منذ عدة سنوات فمن يريد الاستزادة عليه بمراجعة هذا المقال. هذا العالم العظيم نموذج رائع لتنوع المعرفة وكيف تتكامل المعرفة العلمية والأدبية، بل إن له كتابا جميلا بعنوان «وحدة المعرفة».

التخصص الزائد عن الحد الذى يجعل الشخص لا يعلم شيئا خارج تخصصه الدقيق ناهيك عن ثقافة عامة هو من سيئات هذا العصر المبنى حول الشركات متعددة الجنسيات التى لا يهمها سوى الربح حتى وإن تظاهرت بعكس ذلك.

الأدب مهم للعلماء والقراءات العلمية حتى وإن كانت مبسطة مهمة للأدباء والقراءات الفلسفية والتاريخية مهمة للكل.

قراءة الأدب السردى من رواية وقصة إلخ مهمة للعلماء من عدة جوانب، قراءة رواية معناها أن هناك تسلسلا منطقيا للأحداث وتفاعلا بين الأبطال وهذا التسلسل والتفاعل يساعد العلماء عندما يكتبون أبحاثهم العلمية، لأن كتابة البحث العلمى لا تتبع التسلسل الزمنى الذى تم فيه البحث والذى يشتمل على تجارب ناجحة وأخرى فاشلة إلخ، كتابة البحث العلمى لابد له من «رواية» منطقية تقنع القارئ وتفيده.

ثانيا قراءة الأدب عامة ممتعة وقضاء وقت ممتع يساعد على الابتكار بعد ذلك.

ثالثا قراءة الأدب قد تعطى فكرة للباحث أو العالم ليدرسها خاصة لو كنا نتكلم عن أدب الخيال العلمى أو حتى عن قصة بها مشكلة ما يمكن للبحث العلمى أن يجد حلا لها.

القراءة العلمية مهمة للأدباء لأنها تشحذ ملكة التفكير العلمى والنقدى والذى يساعد بجانب عوامل أخرى على الإبداع السردى، وحيث أن العلم يؤثر فى حياة الناس تأثيرا ملحوظا وحياة الناس هى ما يهتم به الأدب فالقراءة عن العلم تفتح آفاق أرحب للإبداع الأدبى.

منذ عدة سنوات تلقيت دعوة كريمة لإلقاء كلمة عن اللغة العربية والعلم فى القرن الواحد والعشرين فى احتفالية جميلة بمناسبة اليوم العالمى للغة العربية وكانت هذه الاحتفالية فى متحف أحمد شوقى (كرمة بن هانئ)، وفى تحضيرى لتلك الكلمة تذكرت سلسلة المقالات التى كتبها عميد الأدب العربى طه حسين والعالم الفذ على مصطفى مشرفة عن أهمية العلم للأدب وأهمية الأدب للعلم، الجميل فى الأمر أن طه حسين تحدث عن أهمية أو فضل العلم على الأدب وتحدث على مصطفى مشرفة عن فضل الأدب على العلم. إذا كلما ارتقيت فى تخصصك كلما أدركت أهمية التخصصات الأخرى.

العلم والتكنولوجيا يعتبرا أداة، استخدام هذه الأداة لنفع الناس يحتاج إلى بصيرة وهذه البصيرة لا تتأتى إلا فى النظر فى أحوال الناس والتفكر فيها وهذا يستلزم قراءات فلسفية ودينية وتاريخية إلخ.

القراءات المتنوعة لا غنى عنها لأى شخص، وهذه أول همسة للكُتاب فى مختلف التخصصات: حاول التحدث مع الناس الغير متخصصين عن طريق كتابات مبسطة وشيقة فى نفس الوقت، الهمسة الأخرى للقراء جميعا ومنهم كاتب هذه السطور: عندما تقرأ فى موضوع ما ضعه فى مكانه فى «الصورة الكبيرة»، مثلا تخصصى هو هندسة وعلوم الكمبيوتر، الكمبيوتر ما هو إلا أداة تستخدم لحل المشكلات، إذا نحتاج معرفة المشكلات التى يواجهها العالم وكيف يمكن للكمبيوتر المساهمة فى حلها، المشكلات التى يواجهها العالم تحتاج قراءات فى مجالات متنوعة من تاريخ وفلسفة وسياسة وعلم اجتماع وعلم نفس وأدب وما إلى ذلك، واستخدام الكمبيوتر لحل مشكلة يستلزم النظر فى الاعتبارات الاقتصادية. هذه هى وحدة المعرفة.

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved