سكان الأسمرات وكمبوندات القاهرة الفاخرة

محمد علاء عبد المنعم
محمد علاء عبد المنعم

آخر تحديث: السبت 29 يناير 2022 - 7:55 م بتوقيت القاهرة

لماذا لا يتم توفير وحدات سكنية لسكان العشوائيات والمناطق غير المؤهلة لتوفير حياة إنسانية كريمة فى الكمبوندات الفاخرة بالتجمعات السكنية الجديدة، مثل منطقة التجمع الخامس فى شرق القاهرة ومدينة الشيخ زايد فى غربها؟ على أن يكون هذا الأمر من خلال منح كوبونات توزعها الحكومة على سكان المناطق غير الآمنة بحيث تسمح لهم باختيار المناطق السكنية المناسبة لهم للانتقال إليها؛ وهو الحل الذى سيوفر حرية الاختيار لهؤلاء الأفراد من جهة، ويتيح الفرصة للقطاع الخاص للبناء والاستفادة من الكوبونات التى تقدمها الحكومة من جهة أخرى باعتبارها ضمانة لوجود طلب على الوحدات التى سيتم بناؤها. ويمكن توزيع هذه الكوبونات على أساس معايير محددة مثل حجم الأسرة واستمرار الأبناء فى التعليم.. إلخ.

قد يبدو هذا المقترح عبثيا بالنسبة للبعض، فالأكيد أن سكان الكمبوندات الفاخرة بالمدن الكبرى لن يرحبوا بفتحها لفئات الدخل المنخفض، وهى الكمبوندات التى أنشئت بالأساس لعزل أصحاب الدخول المرتفعة عن غيرهم من السكان، مع إتاحة الفرصة لتمكينهم من التمتع بنوعية أفضل من الحياة من خلال تهيئة شوارع مرصوفة وخدمات للنظافة والأمن بعيدا عن العشوائية التى صارت راسخة فى مناطق أخرى من المدينة. كما أن السكن فى هذه المناطق قد يمثل تحديا أمام الفئات الأقل دخلا، فهم قد يتمتعون بالخدمات الأرقى فى هذه المناطق، ولكن ستواجههم تحديات البحث عن مدارس مناسبة لأبنائهم ومجاراة جيرانهم فى أنماط الإنفاق التى تتجاوز بكثير قدراتهم المحدودة.

ورغم هذه العقبات، أجد أن هذا الطرح يستحق المزيد من الدراسة، وهو أسلوب متبع فى عديد من الدول، فهدف إتاحة سكن لائق ومناسب للكرامة الإنسانية هدف يستحق الاحترام. وهو ما تحققه مشروعات مهمة ورائدة مثل حياة كريمة والأحياء الجديدة مثل حى الأسمرات. ولكن بعض دول العالم التفتت لفكرة «جغرافية الفقر»، فى إشارة إلى الظروف الاجتماعية والبيئية المسئولة عن الفقر، وأهمية دمج الطبقات الفقيرة مع الطبقات الوسطى؛ بحيث يتوافر للشباب الناشئ فى بيئات فقيرة مُثُل عليا جديدة role models، غير تلك الموجودة فى مجتمعاتهم الأصلية، وتتاح لهم فرص الاختلاط بأفكار وأنماط حياة تسمح بتوسيع نطاق تطلعاتهم، ومن ثم يفتح الدمج الاجتماعى من خلال السكن بابا للترقى الاجتماعى وليس فقط إتاحة فرصة للسكن اللائق، مع الأهمية القصوى لهذا الهدف.

كما أن قدرة المجتمع على التعايش السلمى يرتبط ارتباطا وثيقا بالاندماج والتعايش المشترك بين مختلف فئاته وطبقاته، وليس عزلها فى كمبوندات أشبه بالفقاعات التى تمنع التواصل بين فئات المجتمع. وهو الأمر الذى التفتت إليه الولايات المتحدة عام 1954 بإقرار مبدأ الدمج المدرسى school integration بعد حكم المحكمة العليا الأمريكية التاريخى فى قضية Brown versus Board of Education، حين أقرت المحكمة أن الفصل بين البيض والسود فى المدارس غير دستورى، ويمثل انتهاكا لمبدأ المساواة، حتى وإن توافرت نفس الموارد فى كل من مدارس البيض والسود Separate is not equal.

لا شك أن الدمج المدرسى فى الولايات المتحدة واجه عديدا من العقبات؛ بداية من الحاجة لنقل الأطفال عن طريق الأتوبيسات المدرسية لمسافات طويلة بين مناطق البيض والسود لضمان الاندماج، ووصولا إلى المشاحنات العرقية بين الطلاب المنتمين لجنسيات وأعراق مختلفة. ولكن لا شك أن هذه الخطوة قد ساهمت فى حماية الديمقراطية الأمريكية وضمان درجة من السلام الاجتماعى فى مجتمع شديد التنوع.

ومما يعضد من أهمية الاندماج السكانى التخوف من انتقال أنماط الحياة العشوائية إلى المناطق السكنية الجديدة، وهو ما أشارت إليه عديد من الدراسات التى تناولت موضوعات الهجرة من الريف إلى المدن والسكن الاجتماعى فى عدد من دول العالم. حيث أشار عدد من الدراسات إلى أن تغيير المكان فى حد ذاته، على أهميته، لا يشكل ضمانة لتطوير أنماط جديدة من الحياة والأفكار التى تساهم فى مكافحة الفقر وإنتاج أجيال جديدة مؤمنة بقيم العمل والعقلانية والمشاركة المجتمعية.. إلخ. ومع غياب مثل هذه الأفكار، تنتفى أحد أهم دوافع توفير سكن ملائم للمواطنين والمواطنات، وإن بقى الهدف الرئيسى قائما، وهو المتمثل فى الحفاظ على حياة كريمة وآدمية تتفق مع المعايير الأساسية لحقوق الإنسان.

لقد اتخذت مصر خطوات هامة فى مجال توفير سكن كريم للجميع، ويجب ألا نغفل بدائل السياسات المتاحة وندرس تجارب من سبقونا.

عضو هيئة التدريس بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved