العنف المسلح في الولايات المتحدة

دوريات أجنبية
دوريات أجنبية

آخر تحديث: الأحد 29 يناير 2023 - 8:45 م بتوقيت القاهرة

نشرت مجلة The New Yorker مقالا للكاتب جون كاسيدى، استنكر فيه رد الفعل السلبى على كل حادث ناتج عن عنف السلاح فى الولايات المتحدة الأمريكية، سواء من جانب مجلس النواب الذى يسيطر عليه الآن الحزب الجمهورى، أو من جانب المحكمة العليا ذات الأغلبية المحافظة والتى تعتبر حيازة الأسلحة النارية حقا دستوريا للدفاع عن النفس... نعرض من المقال ما يلى:
مع انتهاء شهر يناير، وقع بالفعل 39 حادث إطلاق نار جماعى هذا الشهر فقط بالولايات المتحدة الأمريكية، وذلك وفقًا لأرشيف العنف المسلحGun Violence Archive، وهى مؤسسة بحثية غير هادفة للربح. نتج عن ستة من هذه الأحداث مقتل أربعة أشخاص أو أكثر، ويصبغ الأرشيف مصطلح (إطلاق نار جماعى) على أى حادث يتم فيه إطلاق النار على أربعة أشخاص أو أكثر، ولا يشمل ذلك مطلق النار. وقعت عمليات إطلاق النار فى سبع عشرة ولاية مختلفة، وفى مقاطعة كولومبيا. لكن تظل المذبحة التى وقعت فى استوديو للرقص «ستار بولروم دانس» فى مونتيرى بارك بكاليفورنيا قبل عشرة أيام تقريبا، والتى تقول الشرطة إن رجلا أسيويًا يبلغ من العمر 72 عامًا قد نفذها، هى الأكثر دموية حتى الآن.
تُظهر إحصائيات مثل تلك الموجودة فى الأرشيف أن إطلاق النار الجماعى يأتى فى أشكال متعددة، بما فى ذلك العنف المنزلى، وعنف العصابات، والهجمات العشوائية من قبل الأفراد المضطربين، والهجمات على زملاء العمل، والإرهاب المحلى والذى يعرّفه مكتب التحقيقات الفيدرالى بأنه «أعمال إجرامية عنيفة يرتكبها أفراد و/أو مجموعات لتحقيق أهداف أيديولوجية أخرى تنبع من التأثيرات المحلية، مثل تلك ذات الطبيعة السياسية أو الدينية أو الاجتماعية أو العرقية أو البيئية». مرتكبو وضحايا عنف السلاح يتعدون اعتبارات العمر والعرق والخلفية الاجتماعية. ومحاولة إيجاد دافع مشترك أو تفسير نفسى ضمنى لمثل هذه الظاهرة هى مهمة محكوم عليها بالفشل. ولكن كما أشار أندرو مكابى، النائب السابق لمدير مكتب التحقيقات الفيدرالى: هناك شىء واحد يربط بين العديد من عمليات إطلاق النار الجماعية الأكثر فتكًا وهو استخدام الأسلحة الفتاكة للغاية، مثل الأسلحة شبه الآلية. هذا هو القاسم المشترك الذى يميز الولايات المتحدة عن معظم البلدان المتقدمة الأخرى، حيث يندر بها إطلاق النار الجماعى.
فى مواجهة هذه الحقيقة التى لا يمكن إنكارها، فإن رد الفعل على كل مذبحة جديدة يكون محبطا، كالتجاهل والتعتيم من جماعات الضغط (اللوبى) كشركات الأسلحة؛ والشعور باليأس من جانب الأغلبية. فى أعقاب إطلاق النار الأخير، طرح الحزب الجمهورى بالفعل حجة مفادها أن ولايات مثل كاليفورنيا وإلينوى لديها قوانين صارمة لمراقبة الأسلحة ومع ذلك لم يتوقف العنف. لكن هذه الحجة تتجاهل بشكل واضح حقيقة أن العديد من الأسلحة المستخدمة لإصابة أو قتل الناس فى أماكن مثل كاليفورنيا وإلينوى تم استيرادها بشكل غير قانونى من ولايات ذات قوانين مخففة للأسلحة النارية.
إلا أنه، ووفقًا لتقارير، فإن حادث إطلاق النار فى ستار بولروم دانس استُخدم فيه سلاح كان قد تم شراؤه بطريقة قانونية فى كاليفورنيا. وكما ذكرت صحيفة واشنطن بوست، فإن الأدلة تشير إلى أن قوانين حيازة الأسلحة فى كاليفورنيا، والتى تم تمرير بعضها فى التسعينيات، ساعدت فى الواقع فى الحد من عنف السلاح، إذ من بين الولايات الخمسين، تحتل كاليفورنيا المرتبة السابعة فى معدلات الوفيات الناجمة عن استخدام الأسلحة النارية.
• • •
بلاشك، فى ظل غياب قوانين حازمة لمواجهة العنف المسلح وشراء الأسلحة، سيكون هناك احتمال ضئيل لمنع وقوع المزيد من الوفيات. فى يونيو الماضى، بعد وقت قصير من قيام طالب يبلغ من العمر ثمانية عشر عامًا بقتل تسعة عشر طفلا صغيرا فى مدرسة ابتدائية فى أوفالدى بولاية تكساس، أقر الكونجرس ــ لأول مرة منذ ثلاثة عقود ــ تشريع الأسلحة النارية، والذى وسّع عمليات فحص هوية وخلفية من يشترى الأسلحة خاصة من هم تحت سن الواحد والعشرين، كما يقدم التشريع تمويلا فيدراليا للولايات التى تطبق قوانين «العلم الأحمر»، بموجب هذه القوانين يتم السماح للقضاة بنزع الأسلحة النارية من الأشخاص الذين يشكلون تهديدًا خطيرًا للآخرين.
صحيح هذه الإصلاحات جيدة، لكنها لم تكن كافية لمعالجة حجم المشكلة، وكان معظم الشعب الأمريكى يعى ذلك، إذ فى استطلاع للرأى أجراه مركز بيو للأبحاث، قال 78% ممن شملهم الاستطلاع إن القانون الجديد لن يفعل شيئًا يذكر للحد من عنف السلاح.
• • •
مع سيطرة الحزب الجمهورى الآن على مجلس النواب، ليس هناك أى فرصة لتمرير أى تشريع للسيطرة على شراء الأسلحة. بل على المستوى المحلى، قد تصبح قوانين الأسلحة أكثر تراخيًا بعد قرار المحكمة العليا، العام الماضى، بإلغاء قانون فى ولاية نيويورك يقيد حق حمل السلاح. وفى رأى مثير للجدل ولا أساس له للأغلبية المحافظة بالمحكمة، جادل القاضى كلارنس توماس بأن التعديل الثانى خلق حقًا واسعًا لحمل السلاح النارى فى الأماكن العامة للدفاع عن النفس. منذ قرار المحكمة العليا، أصدر عدد من القضاة فى المحاكم الأدنى أحكامًا تمنع أو تلغى قوانين الأسلحة المحلية. ووفقًا لتقرير، فإن القضاة فى هذه القضايا قالوا إنه من غير الدستورى حظر الأسلحة التى ليس لها أرقام تسلسلية، أو منع المتهمين بجناية من شراء الأسلحة، أو حظر الأسلحة من المطارات أو حتى المعسكرات الصيفية.
فى كل الأحوال، أحد الدروس المهمة فى عمليات إطلاق النار الجماعية بالولايات المتحدة الأمريكية هو أن كل حادث هو حادث فردى، يتضمن ظروفًا مختلفة، ودوافع مختلفة، وضحايا مختلفين، فضلا عن الخسائر التى لا يمكن تصورها والتى عانى منها عائلات الضحايا. لكن يجب ألا تغيب حقيقة بعينها وهى أن كل هذه المآسى تحدث فى ثقافة سهلت بيع الأسلحة الفتاكة من أجل الربح، مما يجعل من السهل نسبيًا على الأشخاص ذوى النوايا القاتلة الحصول عليها. فما لم تتغير هذه الأوضاع، سيستمر سقوط الأرواح.

ترجمة وتحرير: ياسمين عبداللطيف زرد
النص الأصلى: http://bitly.ws/ztT

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved