فى انتظار جان مونيه العربى

فهمي هويدي
فهمي هويدي

آخر تحديث: الأحد 29 مارس 2009 - 6:17 م بتوقيت القاهرة

 إحدى مشكلات العمل العربى المشترك أنه يفتقد رجلا مثل جان مونيه، وفى غياب نموذج هذا الرجل، فإن كل عمل عربى ــ حتى إذا كان على مستوى القمة، التى تعقد اليوم فى الدوحة ــ سيظل يدور فى حلقة مفرغة لن يغادر نقطة الصفر، هذا الكلام ليس رأىى وحدى، لكن سبقنى إليه وزير الخارجية الألمانى اسابق يوشكا فيشر، الذى كتب مقالا فى العام الماضى تحت عنوان «الحاجة إلى جان مونيه عربى».

وقال فيه إن ظهور مثل هذا الرجل فى العالم العربى أصبح ضرورة لأنهم لا يزالون بحاجة إلى رمز يتفانى فى الدفاع عن توحدهم ولا ينشغل إلا بتحقيق ذلك الحلم، الذى لم يعد مستحيلا بعد نجاح تجربة الاتحاد الأوروبى، وهو ما اعتبر الوزير الألمانى السابق أن ظروف تحقيقه أفضل منها فى القارة الأوروبية، بحكم التجانس اللغوى والثقافى فى العالم العربى، الذى افتقرت إليه أوروبا.

صاحب الفضل فى تعريفى بجان مونيه هو الباحث اللبنانى الأستاذ رغيد الصلح، الذى كتب عنه مقالا فى صحيفة «الحياة» اللندنية نشر فى 30/10 من العام الماضى (2008) بمناسبة احتفال أوروبا بعيد الميلاد المائة والعشرين للرجل، الذى يوصف بأنه «أب الاتحاد الأوروبى» و«مواطن الشرف الأوروبى الأوحد»، ولأننى أحد الذين يتعلقون بحلم الوحدة العربية فقد احتفيت بالمقال واحتفظت به فى أوراقى، لسبب لم أحدده فى حينه، ربما لأننا أصبحنا بحاجة إلى شهادات تؤيد حقنا فى أن نقيم اتحادا عربيا يجمع شتات هذه الأمة، التى يزداد تمزقها حينا بعد حين.

لقد استولى «الحلم الأوروبى» على عقل وقلب جان مونيه منذ التحق بالحياة العامة وحتى يوم وفاته، ولأنه ظل يدافع عن ذلك الحلم طوال الوقت، ولأنه تجاوز فى أنشطته ونظرته حدود بلده الأصلى فرنسا، فقد أسند إليه عقب الحرب العالمية الأولى منصب نائب الأمين العام لعصبة الأمم وعمره لم يزد على 31 عاما، وخلال الحرب العالمية الثانية انضم إلى الجنرال ديجول وتحول إلى شخص رئىسى فى مقاومة الاحتلال النازى، ونقل عنه فى عام 1943 قوله: «إن أوروبا لن تعرف السلام ولن تذق طعم الرخاء إذا لم تسلك طريق الاتحاد فيما بينها»، وهذا الرأى لم يكن مجرد شعار أطلقه واحتفظ به، ولكنه أصبح برنامج العمل اليومى لجان مونيه ومحور حياته، حتى قال عنه أحد رؤساء الحكومة الهولندية، جيل زيتلسترا «لم أعرف رجلا مثل مونيه فى إصراره على التركيز فى حياته على هدف واحد، أما هو فقد قال عن نفسه: كل ما أنجزته فى كل مفصل من مفاصل العمر، كان نتيجة خيار واحد وواحد فقط، وهذا التركيز حمانى من بعثرة جهودى وإضاعتها».

هذا التركيز حين اقترن بإرادة قوية وقدرة استثنائية على الإقناع، فإن ذلك مكنه من إخراج السوق الأوروبية المشتركة إلى النور، رغم المعارضة القوية من بعض الدول، وفى مقدمتها بريطانيا، التى انسحب مندوبها من اجتماعات التحضير لها ذات مرة، وقال ساخرا: «سوف أعود بعد سنوات إلى مثل هذه الاجتماعات، وسأجدكم تواصلون إثارة ذات القضايا التى تتحدثون فيها الآن».

لقد نجح مونيه فى صنع الأساس لبناء الاتحاد الأوروبى، وتغلب على العقبات الجمة، التى وضعت فى طريقه، وكان منها اتهامه بالتعاون مع النازيين، وكان يردد دائما أن «الشعوب لا تقبل على التغيير إلا عندما يتحول إلى حاجة، وهى لا تعرف إلى تلك إلا عندما ترزح تحت وطأة الأزمات»، المدهش أن هذه العبارة نقلها عن حاكم عربى قال إنه التقاه ذات مرة وحدثه عن تجربته فى الحكم، لا نعرف من هو ذلك الحاكم، لكننا نعرف جيدا أننا غارقون فى الأزمة، وأننا أشد ما نكون حاجة إلى جان مونيه عربى ينذر حياته للعمل من أجل تحقيق الحلم العربى المؤجل والمجهض، وللأسف فيبدو أن انتظارنا سيطول إلى أجل لا يعلمه إلا الله.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved