المحكمة الدستورية أخطأت

فهمي هويدي
فهمي هويدي

آخر تحديث: الإثنين 29 مارس 2010 - 9:03 ص بتوقيت القاهرة

 ما كان للمحكمة الدستورية العليا فى مصر أن تنظر فى طلب وزير العدل بحث موضوع تعيين المرأة قاضية، وما كان لها أن تتدخل فى الشئون الداخلية لمجلس الدولة، الأمر الذى يعد سابقة خطيرة من شأنها أن تقوض النظام القضائى.

هذا الكلام ليس من عندى ولكنه ورد فى رسالة تلقيتها من الدكتور ثروت بدوى، أستاذ أساتذة القانون الدستورى بجامعة القاهرة، تعليقا على المقال الذى نشرته حول الموضوع يوم الثلاثاء الماضى (27/3) تحت عنوان «دفعنا الثمن من استقلال القضاء».

هذا هو نص الرسالة:
«لى ثلاث ملاحظات على موضوع المقال هى:
أولا: إذ المحكمة الدستورية ما كان يجوز لها النظر فى طلب وزير العدل الخاص بتفسير النص على ضرورة أن يكون المعين بمجلس الدولة مصريا (وهل هذا يسرى على الرجل والمرأة) وكان قرار المحكمة سليما حين قررت عدم قبول الطلب، لأن النص لم يثر خلافا فى التطبيق، باعتبار أن المساواة بين الجنسين مقررة من حيث المبدأ، ولكن المحكمة أخطأت حين اعتبرت أن خلافا وقع بين المجلس الخاص للشئون الإدارية بمجلس الدولة وبين الجمعية العمومية للمجلس، لأن ما ثار من خلاف ــ على فرض وقوعه، وهو ما لم يقع ــ كان مقصورا على ملاءمة تعيين المرأة وليس على حق المرأة فى التعيين، ذلك أن أحكام مجلس الدولة استقرت منذ الحكم الصادر فى عام 1952 فى القضية التى رفعتها الدكتورة عائشة راتب على أن قصر الوظائف فى مجلس الدولة أو النيابة أو القضاء على الرجال دون النساء وزنا لملاءمات التعيين فى تلك الوظائف، تراعى فيه الإدارة بمقتضى سلطتها التقديرية شتى الاعتبارات، من أحوال الوظيفة وملابساتها وظروف البيئة وأوضاع العرف والتقاليد، دون فى ذلك لا حط من قيمة المرأة، ولا نيل من كرامتها أو انتقاص من مستواها الإدارى أو الثقافى، وهى ذات العبارات التى استقرت فى أحكام مجلس الدولة، وقتها الحكم الذى أصدره الدكتور عبدالرزاق السنهورى فى عام 1953، والأحكام التى دأبت على إصدارها المحكمة الإدارية العليا.

هكذا فالشواهد المختلطة تدل على أنه لم يكن هناك خلاف حول تفسير نص القانون، وإنما اقتصر الخلاف داخل المجلس الخاص وداخل الجمعية العمومية على تقدير الملاءمة. فجاءت أغلبية أعضاء المجلس على عدم ملاءمة تعيين المرأة فى الظروف الراهنة: وهو ما حدث بالنسبة للجمعية العمومية للمجلس.

ما نقدم يوحى بأن قضاة المحكمة الدستورية العليا قد فاتهم التمييز بين عنصر الملاءمة وعنصر القانون، كما أنه قد فاتهم أيضا الفارق الضخم بين الخلاف فى التقدير داخل الجبهة المختصة وهو أمر طبيعى فى جميع القرارات بل إنه يحدث فى أحكام القضاء، والخلاف بين جهتين مختلفتين.

وفضلا عن ذلك كله يجب ألا ننس أن المجلس الخاص للشئون الإدارية والجمعية العمومية فى مجلس الدولة هما معا جهازان مترابطان داخل مجلس الدولة، ومن ثم فإن اختلافهما فى تقدير الملاءمة لا يجيز التدخل فيه من جهة خارجية أيا كانت تلك الجهة، وإلا انفرط عقد المجلس.

ثانيا: إن تدخل المحكمة الدستورية فى شئون مجلس الدولة الداخلية يشكل سابقة خطيرة قد تؤدى إلى انهيار نظامنا القضائى بأكمله حينما تفكر الحكومة فى طلب تفسير القانون الذى قد تختلف فى تفسيره المحكمة الإدارية العليا مع محكمة القضاء الإدارى أو القانون الذى قد تختلف فى تفسيره محكمة النقض مع محكمة الاستئناف. وقد يتراءى للحكومة أن تلجأ إلى المحكمة الدستورية فى كل مرة يصدر فيها حكم لغير صالحها وعلى خلاف حكم آخر صدر من محكمة أقل درجة!


ثالثا: أعتقد أن قرار المحكمة الدستورية لم يكن محل اتفاق بين أعضاء المحكمة وأن بعض الأعضاء كانوا يميلون إلى عدم قبول طلب الحكومة بالنسبة للمادتين وليس بالنسبة لمادة واحدة ودليلى على ذلك تأجيل إصدار القرار عدة مرات.

انتهت رسالة الدكتور ثروت بدوى..

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved