هل أوقفت مصر برنامج الاستجوابات السرى؟

محمد المنشاوي
محمد المنشاوي

آخر تحديث: الجمعة 29 مارس 2013 - 8:00 ص بتوقيت القاهرة

وقع الرئيس الأمريكى الأسبق بيل كلينتون يوم 21 يونيو 1995 مرسوما رئاسيا للسماح لوكالة المخابرات الأمريكية CIA أن ترسل مشتبهين بالإرهاب لدول أخرى من ضمنها مصر لاستكمال التحقيقيات اللازمة. وطلبت واشنطن من الحكومة المصرية تطمينات بعدم تعرض المعتقلين للتعذيب أو لأساليب غير إنسانية، وتعهدت مصر بذلك!

 

ويذكر مايكل شيوير Michael Scheuer، وهو ممن عملوا سابقا فى وحدة مكافحة الإرهاب الدولى وأحد مؤسسى برنامج الاستجواب السرى Rendition: «عندما كنا نبحث عن دول من بين العالم الثالث للقيام باستجواب المشتبه فيهم، بحيث نتمكن من تجنب تعقيدات النظام الأمريكى، كانت مصر الخيار الأفضل. مصر أكبر متلق للمساعدات الخارجية من الولايات المتحدة بعد إسرائيل، ومصر حليف استراتيجى للولايات المتحدة. بالإضافة إلى أن أجهزتها الاستخباراتية مشهود لها بالكفاءة والوحشية، إضافة إلى تصميم نظام الحكم المصرى على القضاء على الإسلاميين الراديكاليين، ومئات ممن ألقى القبض عليهم كانوا مصريين».

 

وكانت العلاقة الوطيدة بين الأجهزة الأمنية المصرية والأمريكية قد بدأت فى منتصف التسعينيات، ويفصل شيوير لهذه العلاقات بقوله «فى عام 1995 عرض ممثلو الاستخبارات الأمريكية على نظرائهم المصريين فكرة نقل المشتبه فيهم إلى مصر، ورحب الجانب المصرى بالفكرة.. هدفنا فى ذلك الوقت تمثل فى إلقاء القبض على المشتبه فى كونهم إرهابيين، أما هدف المصريين فتمثل فى إرجاع هؤلاء المشتبه فيهم إلى قبضة الأمن المصرى لاستجوابهم».

 

وتم التنسيق بصورة كبيرة بين الجانبين الأمنيين المصرى والأمريكى، حيث يقدم الجانب الأمريكى أسئلة للمحققين المصريين فى الصباح، ويحصلوا على إجابات المعتقلين عليها فى المساء!! ورفضت أجهزة الأمن المصرية أى تواجد للجانب الأمريكى أثناء عملية التحقيق. ويذكر شيوير «عندما كان يطلب الأمريكيون أن يشاركوا المحققين المصريين فى استجواب المعتقلين بصورة مباشرة، كان الرد المصرى دائما بالنفى، ولم نكن فى نفس غرفة التحقيق أبدا فى نفس الوقت مع الجانب المصرى».

 

•••

 

منذ عدة أسابيع قليلة، كشفت منظمة «مبادرة عدالة المجتمع المفتوح» الأمريكية فى تقرير مهم لها أن حكومات 54 بلدا أجنبيا شاركت فى برنامج الاستجوابات السرية بأساليب مختلفة بما فى ذلك فتح سجون سرية على أراضيها والمساهمة فى القبض على المشتبه بهم ونقلهم واستجوابهم وتعذيبهم وتقديم المعلومات الاستخباراتية وفتح مجالها الجوى للرحلات السرية.

 

وأورد تقرير المنظمة حالات 136 ضحية معروفين تم احتجازهم سرا قائلة إن «المسئولية عن الانتهاكات لا تقع فقط على عاتق الولايات المتحدة ولكن أيضا على عاتق عشرات من الحكومات الأجنبية التى كانت متواطئة معها».

 

وجاءت مصر ضمن الدول التى تواطأت مع الأجهزة الاستخباراتية الأمريكية فى هذه البرامج. وتطالب المنظمة بضرورة إزاحة غطاء السرية الذى أحاط ببرنامج وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية الخاص بتسليم المعتقلين وتعذيبهم فى السجون السوداء. كذلك تطالب المنظمة دولا مثل مصر أن تكشف عن دورها فى هذه العمليات غير الاخلاقية.

 

إلا أن أهم ما كشفت المنظمة عنه الستار هو تأكيد استمرار برامج الاستجوابات السرية فى العديد من دول العالم، وبمشاركة أمريكية، حتى اليوم.

 

•••

 

مشاركة العديد من الدول فى هذه البرامج سيئة السمعة يعد انتهاكا للقوانين المحلية وللقانون الدولى، ويمثل ضربا بعرض الحائط لقواعد مكافحة التعذيب، وهو أمر ليس غير مشروع وغير أخلاقى فقط بل أيضا غير فعال فى الحصول على معلومات موثوقة.

 

وفق التقرير لا يبدو أن إدارة الرئيس باراك أوباما تخلت عن السجون السرية على الأجل القصير، كما أنها ترفض نشر الوثائق المرتبطة بهذا البرنامج، والتى تفصل لما جرى ويجرى، وتفصل لدور وإسهامات الدول المختلفة فيه.

 

وكانت منظمة «هيومن رايتس ووتش» Human Right Watch قد أصدرت تقريرا منفصلا ذكرت فيه «أن الحرب الأمريكية على الإرهاب جعلت من مصر المقصد الرئيسى للمعتقلين الذين ينقلون سرا وبدون أى ضمانات قانونية»، وقدر تقرير للمنظمة أن ما بين 150 و200 معتقل نقلوا من دول أخرى بينها الولايات المتحدة إلى مصر منذ هجمات 11 سبتمبر 2001.

 

أثناء زيارة رئيس الوزراء المصرى الأسبق، الدكتور أحمد نظيف، للولايات المتحدة، أقر يوم الأحد 15 مايو 2005، على شاشة شبكة NBC فى مقابلة مع برنامج «قابل الصحافة» Meet the Press بأن واشنطن نقلت ما يصل إلى 70 من المشتبه بأنهم إرهابيون إلى مصر، ليؤكد التقارير الغربية وتقارير منظمات حقوق الإنسان الدولية حول هذا الموضوع الذى لم يتسنى التأكد من صحته من قبل.

 

•••

 

ليس سرا دأب قوات الأمن والشرطة المصرية على تعذيب المعتقلين السياسيين وإساءة معاملتهم أثناء التحقيقات فى عهد النظام السابق، واستمرار هذه الممارسات الشائنة حتى الآن. لم يكن التعذيب مقصورا على المعارضة السياسية فقط، بل صار وأصبح متفشيا على نطاق كبير خلال السنوات الأخيرة، وانضم لضحاياه عدد كبير من المواطنين العاديين الذين يجدون أنفسهم فى أقسام الشرطة كمشتبه فيهم أو فى إطار تحقيقات جنائية، ومن هنا يفهم سبب قيام مواطنين بإظهار عداء كبير للأجهزة الأمنية المصرية قبل وبعد 25 يناير.

 

علينا أن نعترف باتساع نطاق جريمة التعذيب فى مصر وكونها أصبحت جزءا من ثقافة نظام سياسى اعتمد على الأمن لسنوات طويلة، مما كان له عواقب خطيرة على ثقافة المجتمع، وهو ما يستدعى معه فتح نقاش علنى واسع حول سبل علاج هذا الوباء. ولا ينفصل هذا عن ضرورة إعلان الحكومة المصرية موقفها بوضوح سواء فيما يتعلق باستمرار تعاونها الأمنى مع أجهزة الاستخبارات الأمريكية، وقيامها بالتعذيب نيابة عن الجانب الأمريكى، أو فيما يتعلق باستمرار ممارسة التعذيب داخليا من قبل أجهزة الأمن المصرى فى وقت يعاد فيه تشكيل ثقافتها وعقيدتها المهنية، وسط مطالبة الكثيرين بإعادة هيكلتها أو حتى حلها وتسريح كل العاملين كبداية لعملية إصلاح وإعادة هيكلة جادة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved