إعلام منزوع الدسم
سامح فوزي
آخر تحديث:
الثلاثاء 29 مارس 2016 - 9:50 م
بتوقيت القاهرة
الدسم الذى يقدمه الإعلام هو «المعلومات»، والتى تعنى فى جانب كبير منها «الأرقام» وما يثار حولها من نقاش سواء فى تحقيق أو مقال أو مقابلة صحفية أو حديث إعلامى، المهم أن تكون هناك معلومات، وإلا تحول الأمر إلى سرديات، وأقوال مرسلة، وتعميمات لا أكثر.
منذ أيام عقد المركز المصرى لبحوث الرأى العام «بصيرة» ورشة عمل لعدد من الصحفيين، خاصة الذين يعملون فى مواقع الكترونية. النقاش مع المشاركين كان ثريا، ولاسيما أنهم يسعون بالفعل لتطوير العمل الإعلامى. وتوفر استطلاعات الرأى عادة مساحة مغايرة للاهتمام من جانب الإعلاميين.
• الإعلام هو الذى ينقل استطلاع الرأى للجمهور، كما أن الإعلام يجرى بنفسه استطلاعات رأى عبر المواقع الإلكترونية، قد تكون غير معبرة بدقة عن عينة متماسكة من الجمهور، لكنها تشكل فى النهاية مؤشرات يمكن الإفادة منها، والبناء عليها.
• فى المجتمع الذى يتعثر فيه البحث الاجتماعى عن رصد التحولات المتسارعة، تقدم استطلاعات الرأى مادة شيقة لمتابعة الأحداث الجارية، والتحولات الاجتماعية، ورصد قضايا عابرة لكنها مهمة.
• تلعب استطلاعات الرأى فى الدول المتقدمة دورا مهما فى الإعلام، فهى تقدم الأرقام التى يجرى حولها نقاش، حول الطعام، والملابس، والسفر والتنزه، وعادات الأكل، والمشاعر الشخصية، والعلاقات الاجتماعية، والرضاء تجاه السياسات الحكومية، وتحديد حجم التأييد الشعبى للأحزاب والمرشحين فى الانتخابات، وغيرها.
• الاهتمام بالرقم، أيا كان مصدره دراسة احصائية أو استطلاع للرأى، الحكومة أو مراكز الأبحاث الخاصة، سيظل له دلالته فى تكوين ذهنية الناس تجاه الثقافة الرقمية، وعدم تكرار الكلام على عواهنه، أو التحرك العشوائى بدوافع عاطفية، ولكن التفكير المنظم الذى يدرك الحقائق، ويتعامل بلغة الأرقام.
• الإعلام المطلوب منه أن يقدم الرقم، ويدير حوله نقاش، هو ذاته المطلوب منه أن يكشف وعورة وتعرجات منحنيات الأرقام، فلا يوجد حتى بين الدوائر الحكومية ذاتها أرقام متفق عليها بشأن بعض الظواهر منها حجم الفقر، يضاف إلى ذلك أن الجهات الخاصة والأجنبية لديها تقديرات متباينة. ليس وظيفة الإعلام حسم قضية علمية جدلية، ولكن على الأقل تسليط الضوء على اضطراب الأرقام، وهو ما ينعكس حتما فى عدم وضوح السياسات العامة، وتقلبها.
• الإعلام، الذى ندعوه دوما للاهتمام باستطلاعات الرأى، هو ذاته الذى نطالبه بأن يكون يقظا، منتبها، نقديا، وليس ناقلا بلا وعى. بعض استطلاعات الرأى مدفوعة الثمن، وبعضها يخدم أهدافا غير ظاهرة، وبعضها يسعى إلى خلق انطباع غير حقيقى لدى الجمهور، المطلوب أن نعرف من أين أتى استطلاع الرأى، اتجاهاته، الأسس التى يستند إليها.
يُحسب لمركز «بصيرة» أنه أدخل ثقافة استطلاعات الرأى العام فى الخبرة المصرية، ولا يزال أمامه شوط طويل، حتى يصبح للرقم دلالته عند المجتمع المصرى، ويصبح الإعلام واعيا بأهميته، قادرا على تتبع تقلباته، وإثارة النقاش، والحوار حوله. الإشكالية التى دائما تعترضنا أن غياب الوعى بأهمية الرقم، يجعل هناك فوضى، استسهالا، وأحيانا استباحة فى استخدامها، الكل يقول أرقاما، ولا أحد يعرف أو يتحرى أو يناقش.