عندما تغيّر العالم

صحافة عربية
صحافة عربية

آخر تحديث: الأحد 29 مارس 2020 - 9:55 م بتوقيت القاهرة

نشرت جريدة الاتحاد الإماراتية مقالا للكاتب محمد عارف.. جاء فيه ما يلى.
إذا كنت فى عمر السبعين فما فوق، وتعيش فى بلد غربى متقدم كبريطانيا، فاقرأ على نفسك السلام، لأن اليمين المحافظ الذى يحكم البلد كرّس جهوده سنوات طويلة لتفكيك نظام الخدمة الصحية العامة. ويُقرّ الآن رئيس الحكومة البريطانية بوريس جونسن بعدم توافر وسائل صحية تحمى المسنين، ولا حتى إرشادات سوى «ابقَ فى البيت». كرّر هذه العبارة ثلاث مرات فى خطابه الاثنين الماضى، حيث شدّد على حجر المسنين فى منازلهم، ومنع أى تجمهر فى مكان عام. واعترف جونسن بانعدام الوسائل الكافية لخدمة السكان، لكنه وعد بدفع 80% من مرتبات العاملين فى القطاع الخاص، ويصعب تصور ذلك. وحتى لو كانت لندن تملك الأموال الكافية، فإنها تفتقر لآليات التدقيق والمحاسبة، وهى من مقومات الأنظمة الاشتراكية.
ولا إرشادات عملية تقدمها لندن للسكان، سوى غسل اليدين بالماء والصابون مرات عدة فى اليوم. ومثل واشنطن، تقتفى لندن استراتيجية الصين فى تسطيح ذروة الوباء التى تطيل أمده، إلاّ أنها تقضى عليه، وتقلل عدد الضحايا. وقبل شهرين كانت الصين التى اندلع فيها الوباء، موضوع سخرية أمريكية، ولا يزال «بومبيو» وزير خارجية واشنطن، يطلق على الفيروس اسم مدينة «ووهان»، فيما تحظى الصين بالإعجاب العالمى، وتتطلع إليها البلدان المنكوبة، طلبا للعون والخبرة، وقد سارعت بإرسال خبراء والمساعدات الصحية إلى إيطاليا، وكذلك فعلت روسيا وكوبا، إذ أرسلت موسكو تسع طائرات شحن «إليوشن» إلى إيطاليا محملة بالتجهيزات الطبية، ومنظومات تعقيم وسائل النقل والأماكن العامة، ومئة طبيب عسكرى وأخصائى فى علم الأوبئة، يملكون خبرة التعامل مع الطاعون الإفريقى والجمرة الخبيثة، فيما تواصل واشنطن، حتى فى هذا الظرف الحرج، حربها التجارية ضد روسيا، وضد الصين خصوصا.
ومبالغة الإعلام الأمريكى فى تصوير نظام الاستخبارات الصينية صحيحة، لكنها قاصرة. ندرك ذلك عندما نقرأ مقالة «روتشير شارما»، الخبير الأمريكى فى استراتيجيات الاستثمارات العالمية. تضعنا المقالة الشيقة، وعنوانها «كيف أنقذت التكنولوجيا اقتصاد الصين»، فى حومة الثورة التكنولوجية وسط مدينة شانغهاى، حيث يُفحص جواز السفر أتوماتيكيا، وتُسجل العناوين التى يقصدها المسافر بلغة حامل الجواز، ويتقاضى الأجور رقميا، ويتعرف الفندق الذى يقصده على وجهه، ويفتح له الأبواب دون استخدام مفاتيح، ويهيئ له روبوتٌ مشروباته المفضلة، ووجبة الطعام، وغيرها من خدمات الغرف، وتأخذه طيارة دون طيار إلى مدينة «شينشينغ».
وإعلان الرئيس ترامب ولايتى واشنطن ونيويورك موقعى كارثة عامة، وتأييده طلب محافظ كاليفورنيا اعتبارهما منطقتى وباء، تعنى أن جائحة فيروس كورونا أصابت المحركات الرئيسية للاقتصاد، شرق وغرب الولايات المتحدة. وفيما أعلنت واشنطن تخفيف الحجر المفروض على البلاد مع أعياد الفصح المقبلة، نشرت الصحف العالمية صورة ضباط الشرطة فى مدينة ووهان، يؤدون التحية للعاملين الطبيين وهم يغادرون المدينة، ويهز القلب اصطفاف العسكريين، وممرضة منحنية الرأس تمشى الهوينا وبيدها راية صينية صغيرة.
والآن، نعرف أن فيروس كورونا واحد من 6828 فيروسا مُسمى، ويوجد مئات الآلاف من أنواع الفيروسات المعروفة غير المسماة، وتريليونات يُنتظر اكتشافها. وإذا صحّت توقعات الأكاديميين الصينيين بتجاوز عدد إصابات الفيروس فى الولايات المتحدة، الشهر المقبل، عددهم فى الصين، فعلى واشنطن أن تأخذ بأقصى الجد دعوات حكماء الصين والعرب، بتغليب التضامن الإنسانى على الدواعى الجيوسياسية، وأن تلتزم بقول الجنرال الصينى «صون تزو» مؤلف «كتاب الحرب»، قبل أكثر من ألفى عام: «هناك طرق لا ينبغى أن تُطرق، وجيوش لا ينبغى أن تُهاجم، ومدن لا ينبغى أن تُحاصَرَ، ومواقع لا ينبغى التنازع عليها، وأوامر عليا لا ينبغى أن تُطاع».

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved