شرخ في العلاقات بين الغرب وإفريقيا

قضايا إفريقية
قضايا إفريقية

آخر تحديث: الثلاثاء 29 مارس 2022 - 8:30 م بتوقيت القاهرة

نشر مجلس العلاقات الخارجية مقالا بتاريخ 22 مارس للكاتب إبينيزير أوبادير تناول فيه التهديدات التى تواجهها الدول الغربية فى علاقاتها مع أفريقيا، فموقف الدول الأفريقية من الحرب فى أوكرانيا يؤكد أن مصالح أفريقيا مع الغرب بدأت تتراجع لحساب قوى أخرى.. نعرض منه ما يلى.
فاجأ تردد العديد من الدول الأفريقية فى إدانة الغزو الروسى لأوكرانيا العديد من الحكومات الغربية والخبراء الدبلوماسيين والمراقبين للعلاقات الدولية الأفريقية.. وعلى الرغم من أن 28 دولة أفريقية صوتت لصالح قرار 2 مارس 2022 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة والذى يطالب روسيا «بالسحب الفورى والكامل وغير المشروط لجميع قواتها العسكرية من أراضى أوكرانيا داخل حدودها المعترف بها دوليا»، إلا أن سبع عشرة دولة أفريقية امتنعت عن التصويت، وصوتت ثمانى دول ضد القرار.
ليس من المستغرب أن إريتريا، التى يتمتع زعيمها أسياس أفورقى بعلاقة قوية مع الرئيس الروسى فلاديمير بوتين، والذى يتبنى موقفا دبلوماسيا مناهضا للغرب منذ فترة طويلة، انضمت إلى بيلاروسيا وكوريا الشمالية وروسيا وسوريا فى التصويت ضد القرار. فى المجموع، صادقت 141 دولة من أصل 194 عضوا فى الأمم المتحدة على القرار.
باستثناء خطاب الممثل الدائم لكينيا لدى الأمم المتحدة، مارتن كيمانى، الذى أكد بقوة على قدسية الحدود الدولية، التزم الدبلوماسيون الأفارقة إلى حد كبير بالصمت، لم يوضح أى دبلوماسى من الـ28 دولة المؤيدة للقرار أسباب هذا التأييد. اكتفت نيجيريا بإدانة سوء معاملة النيجيريين وغيرهم من المواطنين الأفارقة الذين يسعون لمغادرة أوكرانيا، وركزت على وضع ترتيبات لإعادة ما يقدر بنحو 5000 طالب نيجيرى محاصر فى أوكرانيا إلى أوطانهم.
• • •
معظم الحوار يدور من جانب قادة الدول التى عارضت قرار الأمم المتحدة لإدانة روسيا أو امتنعت عن التصويت؛ ومن بين هؤلاء، الرئيس الأوغندى يويرى موسيفينى الذى أشار إلى «المعايير المزدوجة» الغربية بشأن نزاع أوكرانيا وتحدث عن تفضيله الشخصى للدبلوماسية الصينية، التى يزعم أنها تبتعد عن الشئون الداخلية للآخرين، وكان موسيفينى فى الماضى معارضا للتدخل الغربى فى أفريقيا. لم يلتزم نجل موسيفينى ووريثه، الجنرال موهوزى كانيروجابا، بالمعايير الدبلوماسية، حيث غرد قائلا: «غالبية البشر من غير البيض يدعمون موقف روسيا فى أوكرانيا. بوتين محق تماما! عندما كان الاتحاد السوفيتى على وشك نقل أسلحة نووية إلى كوبا عام 1962، كان الغرب مستعدا لتفجير العالم حتى لا يتم نقل الصواريخ، الآن عندما يفعل الناتو الشىء نفسه مع روسيا، يتوقعون من روسيا رد فعل مختلفا».
قدم عدد من المحامين العام الماضى شكوى إلى المحكمة الجنائية الدولية نيابة عن ضحايا حقوق الإنسان فى أوغندا، واكتفى برلمان الاتحاد الأوروبى بالتوصية بفرض عقوبات على الأفراد والمنظمات المسئولة عن انتهاكات حقوق الإنسان فى أوغندا، وورد اسم كاينيروغابا وغيره من كبار القادة العسكريين الأوغنديين فى الشكوى المقدمة للمحكمة الجنائية الدولية.
وقع موسيفينى أخيرا، الذى تولى السلطة لـ36 عاما بعد الإطاحة بتيتو أوكيلو فى عام 1986 وتم إعادة انتخابه لفترة سادسة فى عام 2021، على صفقة استخراج النفط وخطوط الأنابيب بقيمة 10 مليارات دولار مع شركة توتال إنرجى الفرنسية وشركة الصين الوطنية للنفط البحرى.
وفى نفس السياق، انتقد رئيس جنوب إفريقيا سيريل رامافوزا توسع الناتو فى أوكرانيا واستمر فى ترديد الموقف الرسمى الروسى الذى يعتبره «تهديدا وجوديا وطنيا» من الناتو. فى حين أن جنوب إفريقيا لا تعتمد على روسيا اقتصاديا بشكل كبير مقارنة بالدول الأفريقية الأخرى، إلا أن الطبقة السياسية فى جنوب إفريقيا ربما تشعر بأنها مدينة لروسيا بسبب دعم الاتحاد السوفيتى لحزب المؤتمر الوطنى الأفريقى خلال حقبة الفصل العنصرى.
سارعت كل من الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبى إلى التعامل مع قطاع عريض من الدول الأفريقية المعارضة للقرار مع مفاجأتهم من الاستجابة الأفريقية؛ حيث استحوذت الدول الأفريقية على ما يقرب من نصف الدول الخمس والثلاثين التى امتنعت عن التصويت.
• • •
بالنظر إلى الخطر الكبير المتمثل فى موقف الدول الأفريقية من القرار، فإن الطريقة التى يتعامل بها الغرب مع ذلك أمر بالغ الأهمية.
بدا أن مندوبة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة السفيرة ليندا توماس جرينفيلد فى حديثها لوسائل الإعلام تشير إلى أنه لا مجال للحياد بشأن الغزو الروسى لأوكرانيا. قالت جرينفيلد ردا على سؤال حول العدد الكبير المفاجئ من الأفارقة الممتنعين عن التصويت «أعتقد أنه يتعين علينا القيام بعمل إضافى لمساعدة هذه الدول على فهم تأثير الحرب الروسية على أوكرانيا، وأعتقد أن زيادة الانخراط مع هذه الدول قام ببعض من هذا العمل المطلوب. أعتقد أن الكثيرين رأوا أن الامتناع عن التصويت هو أمر محايد، ولكن لا توجد أرضية محايدة هنا. من دون شك. لا يمكنك الوقوف على الهامش ومشاهدة العدوان الذى نراه يحدث فى أوكرانيا».
جرينفيلد محقة بشأن الموقف الأخلاقى من الحرب الأوكرانية؛ من الخطأ غزو أراضى دولة ذات سيادة، والنظام الدولى الذى تتغاضى فيه الدول القوية عن حروب العدوان هو خطر للجميع، ولا سيما الدول الأفريقية الضعيفة نسبيا.
ومع ذلك، فإن اللهجة والصياغة أمران أساسيان؛ بالنظر إلى التصور السائد بأن الدول الغربية القوية، والولايات المتحدة على وجه الخصوص، لا تلتزم دائما بمستوى خطابها الأخلاقى، تصبح طريقة التعبير ضرورية. بدا أن جرينفيلد فى إصرارها على عدم الحياد تقول إن الدول الأفريقية ليست حرة فى اختيار مساراتها الخاصة، والإشارة إلى أنه يتعين على الولايات المتحدة «القيام بعمل إضافى لمساعدة هذه الدول على فهم تأثير الحرب الروسية على أوكرانيا» لا تعتبر فقط غطرسة، بل تعكس صورة أن الدول الأفريقية غير قادرة على الاختيار وتحتاج إلى الإشراف الغربى لكى تعرف ما هو الفعل الصائب. أشارت جرينفيلد إلى الميزة الاقتصادية للعلاقات بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى وأفريقيا قائلة إن «التجارة الثنائية لروسيا مع إفريقيا جنوب الصحراء بلغت نحو 7 مليارات دولار فى عام 2021.. ما يحصلون عليه من حيث التجارة بين الولايات المتحدة وأوروبا يبلغ نحو 44 مليار دولار»، إلا أن هذا يعنى أن استمرار العديد من الدول الأفريقية فى موقفها من حيث الامتناع عن التصويت يشير إلى أن ما ستخسره تلك الدول يتجاوز الحسابات الاقتصادية.
• • •
من المهم أن تهتم الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبى بملامح المشهد الدبلوماسى الجيوسياسى والأفريقى الذى لم يعد من الممكن فيه ضمان رد فعل الدول الأفريقية تجاه الأحداث الدولية. يجب على الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى فى هذه البيئة الديناميكية، سواء فى رعاية التحالفات القديمة أو بناء تحالفات جديدة، أن يبتعدوا عن غطرستهم؛ لأن وجود قوى جديدة على المسرح الدولى يعنى أن الدول الأفريقية لديها الآن خيارات دبلوماسية أكثر من ذى قبل.
يجب على الغرب أن يشعر بالارتياح من حقيقة أنه فى العديد من الدول الممتنعة عن التصويت، يتعاطف غالبية شباب هذه الدول مع الغرب وقيمه؛ استجاب فى نيجيريا ما لا يقل عن 115 شابا على ما يبدو لدعوة الرئيس الأوكرانى فولوديمير زيلينسكى التى حثت الناس فى جميع أنحاء العالم على الانضمام إلى الأوكرانيين فى صد معركة الغزو الروسى، وظهروا فى سفارة أوكرانيا فى أبوجا للتجنيد.
يجب على الغرب ألا يتهاون فى فضح نفاق وانتهازية القادة الأفارقة الذين يستخدمون حجة التدخل الغربى فى الشئون الداخلية للدول الأخرى كوسيلة للبقاء هم وعائلاتهم فى السلطة. تعد هنا التحالفات مع منظمات المجتمع المدنى المحلية والإقليمية وعبر الوطنية والجماعات المؤيدة للديمقراطية والحركات الاجتماعية أساسية.. الخلاف الواضح بين إفريقيا والغرب بشأن الحرب فى أوكرانيا يمكن معالجته، فقط يحتاج الغرب إلى الاعتراف بأن الأوضاع قد تغيرت والعمل لن يتم كالمعتاد.

ترجمة وتحرير: ابتهال أحمد عبدالغنى
النص الأصلى

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved