نعمة السكان

مواقع عالمية
مواقع عالمية

آخر تحديث: الأربعاء 29 مارس 2023 - 8:45 م بتوقيت القاهرة

نشر موقع Project Syndicate مقالا حول المفهوم الخاطئ الشائع بأن النمو السكانى يمثل تهديدا رئيسيا للتنمية المستدامة. يقدم المقال نظرة متفائلة بأن عدد سكان العالم قد يبلغ ذروته، ومع ذلك سيظل استهلاك أغنى 10٪ فى العالم هو ما يشكل أكبر عقبة أمام ازدهار الإنسان.. نعرض من المقال ما يلى.
إن من الطرق السهلة لبدء جدل طويل ومحتدم هو أن تشير إلى سكان العالم. لقد اشتهر توماس مالتوس، اقتصادى إنجليزى، بإشعال جدل محتدم فى القرن التاسع عشر وذلك عندما حذّر أنه إذا لم تتم صياغة سياسات للتحكم فى عدد المواليد، فإن النمو السكانى المتسارع سوف يفوق التحسينات فى الزراعة ويسبب موجات متكررة من المجاعات والأوبئة. سوف يؤجل عوائد التصنيع.
لقد كانت هذه الحجج محتدمة فى الستينيات من القرن الماضى وذلك عندما صب العالم الألمانى بول إرليش وزوجته آن، الزيت على النار من خلال كتابهما الأكثر مبيعا «القنبلة السكانية». لقد كانت مخاوفهما منطقية، بالنظر إلى البيانات، وبحلول عام 1975، تضاعف عدد سكان العالم إلى أربعة مليارات نسمة ــ فى أقل من 50 عاما. لقد تضاعف عدد سكان العالم مرة أخرى ليصل إلى ثمانية مليارات نسمة فى نوفمبر الماضى. وهذا يطرح سؤالا جديدا: هل سيتضاعف عدد السكان مرة أخرى ليصل إلى 16 مليار نسمة؟
الجواب هو بالتأكيد لا، ففى واقع الأمر لن يقترب عدد سكان العالم على الإطلاق من هذا المستوى بسبب النقلة النوعية فى التركيبة السكانية على مدى الخمسين عاما الماضية. لقد وصل معدل النمو السكانى لذروته فى الستينيات من القرن الماضى وظل ينخفض بشكل مستمر منذ ذلك الحين. تختار النساء فى جميع أنحاء العالم إنجاب عدد أقل من الأطفال، ومتوسط معدل الخصوبة العالمى الآن هو أعلى بقليل من طفلين لكل امرأة.
بالطبع، لا يعكس هذا الرقم وجود تباينات جغرافية كبيرة، فعدد الأطفال لكل امرأة أقل من اثنين فى أماكن مثل ألمانيا واليابان، ولكنه أعلى بكثير فى معظم البلدان منخفضة الدخل، وخاصة الدول الهشة. ومع ذلك، تقدر الأمم المتحدة أن عدد سكان العالم قد يبلغ الذروة ليصل إلى 10ــ11 مليار نسمة هذا القرن، قبل أن يبدأ فى الانخفاض ببطء. إن من المؤكد أن هناك أعدادا كبيرة من البشر الذين يجب إطعامهم ولكن هذا العدد لا يقترب على الإطلاق من رقم 16 مليار نسمة.
بالإضافة إلى ذلك خلص التحليل الخاص فى تقرير جديد بعنوان «الناس والكوكب: سيناريوهات السكان المستدامة للقرن الحادى والعشرين ومستويات المعيشة الممكنة ضمن حدود الكوكب»، والذى تم إعداده لصالح مؤسسة التحديات العالمية فى ستوكهولم، إلى أن عدد سكان العالم يمكن أن يبلغ ذروته عند مستوى أقل بكثير ــ نحو تسعة مليارات نسمة ــ بحلول منتصف القرن. وإذا استثمر العالم أكثر فى التنمية الاقتصادية والتعليم والصحة، فقد ينخفض عدد سكان العالم إلى المستويات التى تمكّن كل فرد على وجه الأرض أن يحصل بموجبها وبشكل مستدام على الطاقة النظيفة والمأوى والغذاء والماء مما يعنى نزع فتيل القنبلة وهذا يتيح للجميع أن يعيشوا حياة جيدة ضمن حدود الكوكب، وهذا يجب أن يكون سببا يدعونا للاحتفال.
تأتى توقعات التحليل من نموذج ديناميكى للنظام الجديد Earth4All والذى يسمح لنا باستكشاف سيناريوهين للاقتصاد والسكان فى هذا القرن. فى السيناريو الأول يستمر الاقتصاد العالمى فى مسار مشابه للمسار المتبع خلال الخمسين عاما الماضية حيث سوف تتحرر العديد من البلدان الأكثر فقرا فى نهاية المطاف من براثن الفقر المدقع ويبلغ عدد سكان العالم ذروته عند 8.8 مليار نسمة فى منتصف القرن قبل أن ينخفض إلى 7.3 مليار فى عام 2100.
فى السيناريو الثانى والذى نسميه «القفزة العملاقة»، يصل عدد سكان العالم إلى 8.5 مليار بحلول عام 2040 تقريبا وينخفض إلى ستة مليارات فقط بحلول نهاية القرن. وسيتطلب ذلك استثمارات غير مسبوقة فى مجالات التخفيف من الفقر ورأس المال البشرى إلى جانب تحولات غير عادية فى السياسات بشأن الأمن الغذائى وأمن الطاقة وعدم المساواة والمساواة بين الجنسين وحسب هذا المستقبل المحتمل سيتم القضاء على الفقر المدقع فى غضون جيل واحد (بحلول عام 2060)، مع تأثير ملحوظ على الاتجاهات السكانية العالمية.
• • •
غالبا ما تواجه التوقعات الديموغرافية السائدة صعوبات فى ربط النمو السكانى بالتنمية الاقتصادية. ومع ذلك فإننا نعلم أن التنمية الاقتصادية السريعة فى البلدان المنخفضة الدخل لها تأثير كبير على معدلات الخصوبة. تنخفض معدلات الخصوبة مع حصول الفتيات على التعليم، ومع زيادة تمكين النساء اقتصاديا من خلال الحصول على عمل مدفوع الأجر ومع وجود رعاية صحية أفضل وأساليب تنظيم الأسرة. عندما تم دمج هذه العوامل فى التحليل المذكور أعلاه، تباطأ النمو السكانى بشكل كبير.
لكن النتائج التى تم التوصل إليها مشروطة إلى حد كبير، فمن أجل تحقيق القفزة العظيمة، يجب على الحكومات فى البلدان منخفضة الدخل أن تلتزم بشكل كامل بمتابعة التنمية الاقتصادية القائمة على الاستثمارات الكبيرة فى التعليم بدلا من النمو الاقتصادى الذى يحركه فقط استخراج الموارد الطبيعية.
بالإضافة إلى ذلك وفى حين أن نزع فتيل القنبلة السكانية قد يكون ضروريا لتقليل مخاطر الانهيار الحضارى فى المستقبل، إلا أنه ليس كافيا. فالعلاقة بين السكان وحدود الكوكب ــ على عكس الأسطورة الشائعة ــ فإن حجم السكان ليس هو السبب الرئيسى لخرق البشرية لهذه الحدود (ينعكس فى مشاكل مثل تغير المناخ)، بل إن المحرك الرئيسى لذلك هو استهلاك أغنى 10٪ يتسبب فى تأثيرات مادية كبيرة جدا.
إن المشكلة الكبيرة التى تواجه البشرية تتمثل فى ترف الكربون واستهلاك المحيط الحيوى وليس السكان. إن الأماكن التى يرتفع فيها عدد السكان بشكل أسرع لها تأثيرات بيئية محدودة للغاية لكل شخص مقارنة بالدول التى وصل عدد سكانها للذروة منذ عدة عقود. لو تم توزيع الموارد بشكل أكثر عدلا، لتمتع سكان العالم اليوم بظروف معيشية تتجاوز الحد الأدنى من المستوى المعيشى حسب الأمم المتحدة، وبدون الحاجة إلى تغييرات كبيرة فى اتجاهات التنمية.
يقدّم التقرير للناس والكوكب نظرة متفائلة عن سكان العالم. تتحدى نتائجه المفهوم الخاطئ الشائع بأن النمو السكانى هو السبب الرئيسى لتجاوز حدود الكوكب ففى واقع الأمر فإن الناس الأكثر ثراء على مستوى العالم هم من يقودوننا نحو الهاوية.
لا يزال بإمكاننا من خلال التغيير الاقتصادى الممنهج توفير حياة جيدة للجميع ضمن حدود الكوكب. نأمل أن يؤدى هذا التقرير إلى تشجيع صناع السياسات على إعادة دراسة تأثير أنماط الاستهلاك وإعطاء الأولوية للتوزيع العادل على النمو الاقتصادى وهذا سيعود بالفائدة على ذلك النمو.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved