محاولة فرعنة الرئيس

عماد الدين حسين
عماد الدين حسين

آخر تحديث: الأربعاء 29 أبريل 2015 - 10:00 ص بتوقيت القاهرة

لأول مرة أشاهد أمام عينى محاولة عملية لفرعنة الحاكم، قرأت كثيرا عن هذا الأمر، لكن لم أكن أتصور أن أشهد ذلك على الطبيعة.

صباح الاثنين الماضى حضرت احتفال عيد العمال فى أكاديمية الشرطة بالتجمع الخامس بدعوة كريمة من رئاسة الجمهورية. كان هناك العديد من الوزراء وكبار المسئولين والشخصيات العامة والإعلاميين، لكن الحضور الأكبر كان بطبيعة الحال للقيادات النقابية العمالية.

رئيس اتحاد نقابات عمال مصر جبالى المراغى قال فى كلمته مخاطبا الرئيس: «انت أنقذت مصر»، الرئيس اضطر أن يقاطع رئيس الاتحاد ليقول له إن المصريين هم الذين أنقذوا بلادهم، وإنه يجب ألا يناديه البعض بالرئيس أو القائد أو الزعيم.
كنا نظن أن الأمر انتهى بكلمة المراغى ورد الرئيس، ثم فوجئ الجميع بوصلات من محاولة تأليه وفرعنة الرئيس من عدد كبير من القيادات النقابية الحاضرة.

فى كل مرة كان أحد القيادات العمالية يمدح الرئيس كان السيسى يطالبه بالتوقف واستخدام فعل «نحن وليس أنا».
بعض الذين فعلوا ذلك كانوا جالسين حولى. حاولت أن أراقب طريقة كلامهم وتعبيرات وجوههم لعلى أفك شفرة قلوبهم، لأعرف هل يتكلمون بصدق أم ينافقون؟!!.

التعبيرات العفوية لبعض المتحدثين كانت تقول فعلا إنهم يحبون السيسى، لكن بعض المتحدثين الآخرين كان واضحا تماما أنهم منافقون ولكن بطريقة فجة غير متقنة، تخيلوا حتى النفاق لم يعد أصحابه يتقنونه!!.

وبغض النظر عن مدى حب أو نفاق بعض المتحدثين، فقد كان واضحا أن تركيبة الطبقة السياسية المصرية لم تتغير فى نظرتها للحاكم. هذه الطبقة ترتكب جرما واضحا فى حق رئيس الجمهورية، لكنها ترتكب أكبر خطيئة فى حق مستقبل البلد.
هؤلاء المنافقون أو الواقعون فعلا فى حب السيسى لا يدركون أن الزمن تغير، وأن ما كان يمكن قبوله فى الماضى، لم يعد ممكنا، وأن صناعة الزعيم الفرد الملهم والقائد الرمز لم يعد قابلا للاستنساخ الآن.

من حسن الحظ أن السيسى كان واضحا وصارما فى قمع من حاولوا «فرعنته»، وكان واعيا جدا لكل ذلك طوال الاحتفال، لكن السؤال الجوهرى هو: إلى متى يستطيع السيسى الصمود أمام هذه الموجات الهادرة من الحب أو حتى من النفاق؟!.
لم يحدث أن ولد حاكم مستبدا، هو يولد إنسانا طبيعيا جدا، لكن الظروف حوله هى التى تجعله حاكما عادلا ديمقراطيا أو تحوله إلى فرعون.

الحاكم أولا وأخيرا، هو إنسان، وموجات النفاق والتأليه قد تؤثر فيه إلا إذا كان لديه قدر كبير من المناعة الطبيعية ضد «الفرعنة».

الذى شغلنى أمس الأول وأنا داخل القاعة الفسيحة بأكاديمية الشرطة هو: هل هذه التيارات والكوادر العمالية، هى التى سوف تساعد رئيس الجمهورية والحكومة فى قيادة البلاد للمرحلة المقبلة؟!.

غالبية هؤلاء ــ ومن طريقة كلامهم وتعبيراتهم وتفكيرهم ــ هم أخطر على الرئيس والبلد من أى أعداء آخرين بل وحتى من الإرهابيين.

هؤلاء يفترض أن يقودوا العمال للتأهيل والتدريب تمهيدا للعمل والإنتاج، وبهذه الطريقة فهم أخطر أيضا على العمل والعمال.

نعرف تماما الظروف التى كانت تتم فيها انتخابات النقابات العمالية، والدور الأمنى فيها قبل ثورة ٢٥ يناير ٢٠١١، ويبدو أن بعض القيادات النقابية لاتزال أسيرة لهذا الماضى.

مرة أخرى قد يكون غالبية من حضروا احتفال يوم الاثنين الماضى يحبون الرئيس، لكن طريقة حبهم وتعبيرهم عن هذا الحب كارثية، وتضر البلاد أكثر مما تفيدها، كما قال السيسى نفسه بأكثر من طريقة وهو يرد على مجاملات قادة العمال.
نريد من السيسى أن يستمر على طريقته، وأن يصر على رفض محاولة فرعنته، وأن يكون متأكدا أن كل كلمة نقد ضده هى أفضل له مليون مرة من كل كلمات المنافقين.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved