الإسلام بين الإلحاد والغضب والإصلاح!

أحمد عبدربه
أحمد عبدربه

آخر تحديث: السبت 29 أبريل 2017 - 10:20 م بتوقيت القاهرة

واحدة من الأمور التى يتم التعامل معها بسطحية شديدة مخلوطة ببعض التكبر الذى ينم عن جهل شديد بحقيقة الأمور، هو موضوع الإلحاد. يكاد لا يمر شهر إلا وهناك خبر ما متعلق بأحد التيارات الإسلامية (أفراد أو جماعات أو أحزاب) متحدثين عن الإلحاد و«مقاومته» كأنه مرض أو «محاربته» وكأنه عدو، دون الالتفات إلى أبسط الحقائق المتعلقة بالموضوع ألا وهو أن الإلحاد هو فى النهاية إشكالية متعلقة بموضوع الإيمان نفسه وهو أحد أوجه التعبير عن تطور الدين (أى دين) ككائن اجتماعى له ضحايا، والملحدون هم ببساطة ضحايا الدين ككائن اجتماعى فى تطوره المعاصر، وينطبق هذا الكلام على الإسلام والمسيحية واليهودية وغيرهم من الأديان!
الخطاب التقليدى المتعلق بالإلحاد فى العالم الإسلامى ينطلق من فرضية خاطئة مفادها أن الملحد هو «عدو لله»، بعبارة أخرى يتم التعامل مع الملحد وكأنه شخص أراد أن يتحدى الله، أى إنه يعلم أن الله موجود ويقرر بكامل إرادته تحدى هذا الوجود! والحقيقة أن هذا التعامل خاطئ تماما والفرضية المنطلق منها لا تمت للواقع من قريب أو بعيد، فالملحد لا يريد تحدى الله، بل هو يتحدى المتحدثين باسم الله! هؤلاء الذين يدعون احتكار الحديث باسم الله ومن ثم إنفاذ إرادته غير عابئين بأى قيم متعلقة بالعدل أو الرحمة أو الحرية وغيرها من القيم المرتبطة بالإسلام خصوصا والأديان عموما!
الملحدون فى معظمهم إذن كفروا برجال الله وقد تسببت تصرفات الآخرين فى وصول الملحد إلى إيمان عكسى وهو أن الله غير موجود! قطعا هناك أسباب أخرى للإلحاد ومنها منطق التفكير وطريقة الاستدلال على الحقائق الدينية والخلط بين الأدوات العلمية والطرق الفطرية أو الحدسية غير العلمية بشكل عام للتوصل لفكرة وجود الإله وهو خلط مثير للدهشة لأنه يتم ارتكابه من قبل المتدينين وغير المتدينين على السواء للتوصل إلى الإيمان بوجود الله (ما يسمى بالإعجاز العلمى)، أو لإثبات عدم وجوده!

***

فى المنطقة العربية تحديدا فإنه عادة لا ينام الإنسان مؤمنا ويستيقظ ملحدا ولكن بين النقطتين تكون مرحلة معقدة من الأسئلة والخواطر والأحداث التى عادة ما تشكل مرحلة ضاغطة وحساسة وغاضبة تنتهى أخيرا بالقرار المعاكس للإيمان، ألا وهو الإلحاد. ومن ثم من يريد تفهم الملحدين وأوضاعهم عليه أن ينزل من برجه العاجى المحاط بجدران مغلفة بالافتراضات الدينية الخاطئة بخصوص تلك الظاهرة وأول مرحلة لهذا التفهم هو التعرف على الغاضبين من الدين وظروفهم وأوضاعهم وتلك المرحلة الصعبة التى يمرون بها قبل الحكم عليهم أو محاربتهم!
فى تقديرى وبحسب معرفتى الشخصية ببعض الأشخاص الملحدين فى العالم العربى تحديدا حيث الغالبية العظمى منهم ولدوا لأسر مسلمة، فإن العنوان الكبير لسبب الغضب ومن ثم الإلحاد هو غياب العدل! المفاهيم المطلقة مثل العدل أو الرحمة أو الحرية أو المساواة هى مفاهيم مرتبطة ارتباطا وثيقا بكل الأديان بلا استثناء، وفكرة وجود الله بغض النظر عن طبيعته هى فكرة الإيمان بالعدل المطلق والرحمة المطلقة، والإسلام تحديدا يعلى كثيرا من قيم العدل والرحمة والإحسان، فإذا ما استقر فى ذهنك أن العدل لا يتحقق وأن إحدى أهم أدوات غياب العدل هو الدين وممثلوه على الأرض، فإن هذا عادة ما يتسبب فى اهتزاز الكثير من تلك القيم المطلقة فى ذهنك ويجعل عجلة الأسئلة تدور حول حقيقة الأديان والإله!
فى الحالة العربية تحديدا فإن الكثير من الأزمات والصراعات السياسية قد أدت إلى حالة غضب عارمة من غياب قيم العدل والحق والحرية بمشاركة وتأييد من رجال الدين وعلمائه، وهو ما تسبب فى حالة غضب مستمرة ومتزايدة عن تلك الأزمات والصراعات، ثم وبعد تراقص رجال الدين على مسرح السياسة بعد اندلاع الثورات العربية بين الانتقاد ثم التأييد ثم العودة إلى النكوص مرة أخرى جعل هذه القيم المطلقة عن العدل والحرية المفترض ارتباطها بالدين تهتز أمام الناس وخاصة فئة الشباب منهم الذين تعلقوا بتلك المنظومة المطلقة من القيم ثم انهار كل شىء بمباركة سلاطين السياسة والدين معا!
هنا نكون أمام صورة أكثر وضوحا للموقف الإلحادى ــ بشكل عام، فهو ليس بالضرورة تحديا لله ولكنه تحدٍ للنظام السائد المنتصر الذى عادة ــ على الأقل فى المنطقة العربية ــ ما يكون تحالفا دينيا سياسيا حديديا غير خاضع لأى معايير قيمية عادلة مما يساهم وبقوة فى ارتفاع وتيرة مشاعر الغضب من ممثلى الله على الأرض وصولا لمرحلة الإلحاد!

***

إذن يحتاج المتحدثون باسم الله أن يتخلوا عن ذلك التنطع فى وصف ظاهرة الإلحاد والتعامل معها من منطق فوقى سطحى وأن يجيبوا على أسئلة الغاضبين وأن يساعدوهم على الخروج من أسباب غضبهم وهم فى ذلك مطالبون بثلاثة أفعال رئيسية:
أولا: التعاطى مع الغضب المؤدى للإلحاد باعتباره مشاعر طبيعية يشعر بها ضحايا الدين تجاه أوضاع غير عادلة ولا رحيمة (سياسيا واقتصاديا واجتماعيا) ومن ثم يلزم أمامها نقاش واقعى لحال الدين ودوره المجتمعى باعتباره الجانى لا الضحية.
ثانيا: التعاطى مع الغضب من الدين باعتباره نتيجة طبيعية لعجز المتحدثين باسم الله الإجابة على الأسئلة العقلية المادية المتعلقة بالأديان، وهؤلاء الآخرون ليس أمامهم سوى خيارين، إما ادعاء الاعجاز العلمى وصلاحية الدين لإنتاج أدوات مادية جدلية لتحليل الظواهر الطبيعية والانسانية وتفسيرها بل والتوقع بمستقبل تطورها وسلوكها ومن ثم تحمل نتائج التجارب العلمية ومنطقها إذا ما تعارض مع التحليلات الدينية لنفس الظواهر، أو التسليم بأن الدين قائم على سرديات تاريخية وتفسيرات غير علمية مرتبطة بالإيمان بالرسل والكتب المقدسة دون أى ادعاءات علمية، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر!
ثالثا: إعادة شاملة وأكثر جدية لتقييم مصادر المعرفة الشرعية وإعادة البحث فيها لإنتاج معرفة شرعية مغايرة لتلك التى سادت خلال القرون الماضية، واستخدام أدوات مغايرة أو منقحة للاستدلال والبحث فى تفسير القرآن الكريم وإعادة تقييم شاملة للأدوات المستخدمة فى علم الحديث والتفسير والفقه مع إضافة أدوات منهاجية علمية مختلفة للعلم الشرعى من شأنها إعادة تقييم كل المعارف الشرعية القائمة لإنتاج أخرى جديدة ملائمة للعصر وللتطور العقلى والمعرفى فيه!
قطعا كل ذلك لن يتم إلا فى إطار حركة تصحيحية شاملة للعلم الشرعى، وهى مهمة تكاملية بين المثقفين وقادة الرأى والفكر وبين رجال الدين وعلمائه، تكون مسئولية السلطة السياسية فيها هى بالأساس توفير البيئة الآمنة للنقاش والتفاعل وتغيير ما يتطلب من قوانين وتشريعات لحماية المنخرطين فى هذه المشاريع الإصلاحية! يتطلب هذا أيضا أن تتخلى المؤسسات التى تمثل الدين (الأزهر ودار الإفتاء ومعاهد العلم الشرعى وغيرها) مع الموضوع باعتبارها شريكا لا وصيا أو محتكرا لأن ذلك من شأنه إفشال أى آمال إصلاحية، فالحديث عن الإصلاح أو تغيير الخطاب باعتباره أمرا فنيا حكرا على المؤسسات الدينية هو أول أعطاب عملية الإصلاح الدينى برمتها، وكما نرى فإن كل ذلك لن يكون منفصلا بأى حال من الأحوال عن عملية إصلاح سياسى أشمل من شأنه أن يساعد كل تلك التغيرات السالف ذكرها على الحدوث!

***

الحديث عن الإصلاح السياسى باعتباره مرتبطا ارتباطا وثيقا بالإصلاح الدينى ليس مجرد كلام نظرى أو حتى موقف سياسى كما يعتقد البعض، أعلم أن الكلام عن إصلاح الدين ومؤسساته هو أمر مغرٍ هذه الأيام لأنه أقل تكلفة سياسية واجتماعية من الكلام عن إصلاح السياسة، كما أنه فى بعض الأحيان يكون «تريند» جاذب لبعض الشخصيات العامة والسياسية ودوائر المثقفين، لكن الحقيقة أنه ما لم تنصلح السياسة وطريقة اتخاذ القرار فى أى مجتمع فإن الكلام عن إصلاح الدين فيه سيكون من قبيل تضييع الوقت فيما لا يفيد، تسجل مواقف هنا أو هناك لكن بلا أى نتيجة ملموسة!
رغم تعقد الموضوع وتشعب محاوره، إلا أنه ما لم تسعَ المؤسسات الدينية وممثلوها إلى تفهم دوافع ومشاعر الغاضبين من الدين ومن تطبيقاته المجتمعية والسياسية فإن الإسلام سيظل يخسر الكثير من أتباعه ومن لم يتمكن من الجهر خوفا، سيكمل طريقه سرا، فهل أدرك كل ذلك علماؤنا الأجلاء؟

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved