السلام الزائف فى صفقة القرن

محمد عصمت
محمد عصمت

آخر تحديث: الإثنين 29 أبريل 2019 - 10:10 م بتوقيت القاهرة

جريمة نصب واحتيال مكتملة الأركان يرتكبها الرئيس الأمريكى دونالد ترامب تحت لافتة «صفقة القرن» لسلب آخر ما تبقى من الحقوق العربية المشروعة فى فلسطين، وتقديمها كهدية مجانية لإسرائيل!

منذ أكثر من سنتين وإدارة ترامب تعلن عن قرب طرح هذه الصفقة لتحقيق ما أسمته السلام الدائم والشامل فى المنطقة والذى عجزت كل الإدارات الأمريكية السابقة عن تحقيقه، ثم تفاجأنا بدون أى أسباب مقنعة بتأجيل إعلانها، لكنها فى نفس الوقت كانت تنفذ بنودها ــ بخطوات محسوبة ومدروسة ــ على أرض الواقع، كانت بدايتها بالاعتراف بالقدس عاصمة موحدة لإسرائيل ونقل سفارتها إليها، ثم التأييد المطلق لقانون الدولة اليهودية القومية، والذى يسقط أى حقوق للفلسطينيين يحفظها لهم القانون الدولى والشرعية الدولية أو استحقاقات المفاوضات السابقة، ثم تأييد ضم إسرائيل للجولان المحتل.

كل الخطوات السابقة أو بالأحرى الجرائم السابقة التى ارتكبتها إدارة ترامب لم تترك للمفاوض العربى أى حقوق يطالب بها، فالقدس راحت للصهاينة، وإسرائيل صارت دولة لليهود فقط لا مجال لحقوق الفلسطينيين فيها كأقلية عرقية كما كان الوضع من قبل، والجولان أصبحت يهودية، والضفة الغربية ستنزع منها الكتل الاستيطانية وما يتبقى منها سيكون مجرد كيان فلسطينى إما يدخل فى اتحاد كونفدرالى مع الأردن وإما يبقى فى أحسن الأحوال منطقة حكم ذاتى للفلسطينيين يخضع للرقابة الإسرائيلية فى كل حركاته وسكناته، أما غزة فسوف تنتظر وعودا بتوظيف سكانها فى مشاريع ضخمة تقام هنا أو هناك، فى نفس الوقت الذى تلتزم فيه كل الدول العربية بتطبيع علاقاتها مع الصهاينة!

كل ما يتبقى أمام المفاوض الفلسطينى مع مليارات الدولارات التى تقدمها الصفقة للفلسطينيين وبعض دول المنطقة هو رفع السعر الذى يحصل عليه العرب مقابل بيع وطنهم، ودماء شهدائهم، ووصايا دينهم بتحرير المسجد الأقصى، وكل حقوقهم التاريخية والشرعية فى فلسطين، علاوة على مستقبل ابنائهم، مع قبول هيمنة إسرائيل على المنطقة بكاملها!

الصفقة المشئومة سحبت من العرب أى حق فى مناقشة قضايا الوضع النهائى للقدس، وحقوق العودة لـ8 ملايين فلسطينى يعيشون فى الشتات، وحتى حل الدولتين على الرغم مساوئه لم يعد خيارا مطروحا، بل وطالبتهم أيضا بمكافأة إسرائيل بتطبيع العلاقات الدبلوماسية معها وعدم الاكتفاء بالعلاقات التى دخلت مرحلة الزيارات العلنية لكبار المسئولين الإسرائيليين لهذه الدولة العربية أو تلك!

ترامب أعطى لإسرائيل كل ما كانت تحلم بأقل من نصفه من قبل، بدون أن تقدم فى المقابل أى قدر من التنازلات، ليمهد لها الطريق لإقامة إسرائيل الكبرى فى وقت لاحق، ستصبح فيه الآمر الناهى فى المنطقة، ستتدخل فى أدق شئون العرب بداية من نمط التعليم والثقافة، إلى قمع المعارضين وإسكات أى انتفاضات شعبية ضد هذه الأوضاع، مرورا بالسيطرة الكاملة على مفاتيح الاقتصاد والمال وأسواق الغاز والبترول، نهاية بشن الحروب على إيران، بل وقد يتطور الأمر بحيث تتدخل لتقسيم دول عربية كانت تمثل تهديدا لها، أو أخرى ترى أنها سوف تصبح تهديدا لها فى المستقبل.

صفقة ترامب وصلت من وجهة نظره إلى محطتها الأخيرة، لم يعد أمام العرب سوى أن «يبصموا» عليها، دون أن يضع فى اعتباره أن هناك شعوبا عربية لن تقبل هذه الإملاءات، وأن فرض سيادة إسرائيل على المنطقة سيفجر موجات من الغضب الطافح فى الصدور، وأن دوامات من الفوضى تهدد الإقليم مع استمرار الاستبداد وضياع الحقوق وإغلاق كل الأبواب أمام أى تغييرات ديمقراطية سلمية.

احتيال ترامب لن يحقق السلام أبدا، لكنه سيضعنا كعرب ومعنا إسرائيل فوق فوهة بركان تغلى تحت سطحه الهادئ مشاريع حروب طائفية وعرقية طاحنة، قد تتسع رقعتها لتشمل حربا عالمية يخطط لها اليمين الدينى المتطرف فى أمريكا.. وربما يكون هذا هو الهدف الحقيقى الذى يسعى إليه ترامب بكل ما يمتلك من تهور وتعصب وحماقة وضيق أفق !.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved