الأمن والتوافق ومواجهة الفساد

عماد الدين حسين
عماد الدين حسين

آخر تحديث: الإثنين 29 مايو 2017 - 10:35 م بتوقيت القاهرة

من الواضح والجلى لكل ذى بصيرة أن الإرهاب الذى نواجهه فى مصر، لن ينتهى بين يوم وليلة، وبالتالى علينا التفكير فى أفضل الطرق للتعامل مع هذا الإرهاب، فإذا كنا غير قادرين على هزيمته فورا، فلنبحث عن تقليل آثاره.
نعم هناك أسباب داخلية حقيقية للإرهاب فى مصر تتحمل الحكومة بعضا منها، لكن هناك أيضا أسبابا خارجية متنوعة وقوى فى الإقليم والعالم لا تريد للمنطقة أن تهدأ وتستقر، والنتيجة أنه حتى وإذا قضينا على كل الأسباب الداخلية المسببة والمنتجة للإرهاب، فهو لن يتوقف.
هناك تنظيمات متطرفة تدعى أنها افضل إسلاما منا، ولديها تخيلات طوباوية للمجتمع، لم ولن تتحقق، وهى لن تهدأ إلا بتحقيق حلمها المستحيل أو هزيمتها الكاملة.
هذه التنظيمات لا تكترث لوجود تعددية وديمقراطية وحريات وحقوق إنسان أو حتى تنمية شاملة. هى أصلا تحارب هذه الأفكار وتراها كفرا بواحا، وهناك قوى خارجية تستغل هذه التنظيمات المتطرفة لتفكيك المنطقة وإغراقها فى الصراعات المستمرة بحيث تظل إسرائيل هى الأقوى على الدوام.
بما أن داعش والنصرة وأنصار الشريعة وغيرها المئات من التنظيمات المتطرفة لن تتوقف، وبما أن هناك داعمين لهم حتى يتواصل استنزاف المنطقة، فلا مفر سوى البحث عن التفكير فى كيفية مواجهة هذا الخطر.
تعتقد الحكومة أن المواجهة الأمنية هى الوسيلة الأولى والرئيسية والفعالة. نعم هناك ضرورة للمواجهة الأمنية فى الاشتباك مع الإرهابيين والقضاء عليهم فى إطار القانون، لكن كيف سنتعامل مع جيوش الشباب الصغيرة التى لم تنضم حتى الآن لهذه التنظيمات، لكنها مهيأة لذلك؟!
فلتقم الأجهزة الأمنية بمواجهة الإرهابيين بالسلاح بلا هوادة، لكن ماذا ستفعل بقية أجهزة ومؤسسات الدولة. جربنا الهراوة الأمنية مع المتطرفين والإرهابيين من عام ١٩٩٥ إلى ١٩٩٨. لكن الأمر توقف حينما جرت المراجعات الشرعية أو الفقهية، وفتحنا نافذة لمن يريد التراجع والتوبة والتوقف. لا ندعو إلى المصالحة مع الإرهابيين أو احتضانهم ولكن إلى تقليل عددهم قدر المستطاع بكل السبل المتاحة.
لكى نضمن النجاح فى تسريع كسب المعركة ضد الإرهابيين، فعلى الحكومة أن تؤمن، بضرورة سرعة البحث عن تحالف ٣٠ يونيو المفقود. لا أقصد أن يجتمع الرئيس السيسى بأسماء محددة غدا أو بعد أسبوع، بل أن يجلس مع ممثلى القوى السياسية والمجتمعية الفعليين. ومرة أخرى لا أقصد أيضا رؤساء الأحزاب تحديدا، بل كل قادة المجتمع القادرين على التأثير فيه، سواء كان مدونا على الفيس بوك أو زعيما لحزب أو تيار.
الجلوس والاجتماع ليس بغرض التقاط الصور، بل الحديث والبحث والاستماع إلى أفكار ربما تقود إلى حلول مختلفة، وفى اسوأ الأحوال سوف يخرج هؤلاء وهم يعتقدون أن الدولة تقدرهم وتستمع إليهم، وبالتالى، سوف نضمن أوسع قدر ممكن من التوافق، والاصطفاف خلف الدولة فى معركتها الصعبة.
مثل هذه الاجتماعات لا ينبغى أن تقتصر على المؤيدين، بل على أكبر قدر من القيادات السياسية والمجتمعية، حتى لو كانت معارضة، طالما أنها لا تؤمن بالعنف ولا تحرض عليه أو تدعو له تلميحا أو تصريحا.
لن يخسر الرئيس أو الحكومة أو الأجهزة الأمنية شيئا إذا اجتمعوا مع كل ممثلى قوى المجتمع الحية والمؤثرة، بل سوف يكبسون الكثير.
الحرب على الفساد خصوصا كبار الحيتان ستساهم فى هزيمة الإرهاب، لأن هناك علاقة وثيقة وتحالفا عضويا بين الإرهاب والفساد، والاثنان يتغذيان على بعضهما البعض. كل ضربة توجه لفاسد كبير وتعيد حقوق الدولة المنهوبة تعنى أن عشرات ومئات وربما آلاف المواطنين، سوف يصدقون ويؤمنون أن الدولة جادة فعلا فى محاربة الفساد، وبالتالى سوف يصطفون خلفها فى كل المعارك وليس فقط فى معركة الإرهاب.
المؤكد أن الدولة سوف تنتصر فى نهاية المطاف على الإرهابيين، لكن الفارق فقط هو فى الوقت.. إذا قادت الحكومة الحرب بالطريقة الصحيحة، فسوف يكون المكسب سريعا، والعكس يعنى أن المجتمع سوف يضطر للنزيف لسنوات طويلة.

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved