آن لهذا التخبط أن يتوقف

علي محمد فخرو
علي محمد فخرو

آخر تحديث: الأربعاء 29 مايو 2019 - 10:30 م بتوقيت القاهرة

فى خضم هذا التخبط العشوائى الحالى، الفكرى والسياسى والموقفى، الذى يكتنف الموضوع الفلسطينى نحتاج إلى الرجوع إلى الأصول والجذور التى حكمته عبر العشرات من السنين.

فمنذ لحظة نجاح المؤامرة البريطانية ــ الصهيونية فى إدخال فلسطين وشعبها العربى فى عصر النكبة البشرية والعمرانية، تعاملت الأمة العربية مع تلك النكبة لا كنكبة فلسطينية وإنما كنكبة عربية بامتياز، لقد قررت العديد من الجيوش العربية وتطوع الألوف من شباب الأمة للتصدى لذلك المشروع الاستعمارى الاستيطانى والاشتراك مع الفلسطينيين فى حربهم ضد العصابات الصهيونية.

من هنا، من تلك اللحظة، رفع شعار الصراع العربى ــ الصهيونى ليحل محل شعار النكبة الفلسطينية، وأصبح موضوع فلسطين موضوعا قوميا عروبيا يخص كل العرب.

ولأن الأمة العربية كانت مكونة من دول عديدة بسلطات متباينة، فلذا كان طبيعيا أن تصبح كل القرارات العربية. المتعلقة بالموضوع الفلسطينى وبالصراع العربى ــ الصهيونى موكولة إلى المؤسستين الممثلتين لكل الأمة: الجامعة العربية ومؤسسة قمة الرؤساء العرب.

لقد ترسخ آنذاك مبدأ عرفى أساسى، حكم فى الماضى ويجب أن يحكم فى الحاضر والمستقبل، وهو أن التعامل مع الموضوع الفلسطينى وكل ما يتعلق بالصراع العربى ــ الصهيونى يجب أن يمر من خلال إحدى المؤسستين القوميتين، وأنه، بالتالى، لا يجوز لأية جهة كانت أن تنفرد باتخاذ أى قرار يتعلق بالموضوعين دون الرجوع إما إلى الجامعة العربية أو القمة العربية لأخذ الموافقة على السير فى ذلك القرار المنفرد. وكان ذلك العرف يشمل، ضمنا، حتى السلطات الفلسطينية، ذلك أن الموضوع برمته أصبح شأنا عربيا قوميا لا يجوز التصرف بأى جانب من جوانبه إلا من قبل الأمة كلها. فإذا كان يطلب من الأمة كلها أن تضع كل إمكانياتها المادية والمعنوية لمواجهة الهجمة الاستعمارية الصهيونية، فإن المنطق يقضى بأن تكون قرارات المواجهة بيد المؤسسات التى تمثل إرادتها المشتركة.

منطقيا، إذن، يمكن القول بموضوعية وصدق بأن كل معاهدة أو اتفاق أو تطبيع أو تعاون أو تنسيق تم، أو يتم فى الحاضر، مع العدو الصهيونى جميعها تمثل خروجا على ذلك العرف العربى القومى، وكسرا لشعار «الصراع العربى ــ الصهيونى»، واحتقارا للمؤسستين الممثلتين لإرادة الأمة، وتسهيلا للكيان الصهيونى لكى يجزأ النضال العربى الكبير الموحد ضده ويجعله نضالات صغيرة عاجزة عن الوقوف فى وجهه ووجه حماته ومؤيديه، وبالذات الولايات الأمريكية المتحدة، الداعم الأول والأكبر لذلك المشروع الصهيونى.

مناسبة التذكير بذلك العرف المبدأى الأساسى، الذى كان من المفروض أن يحكم الموضوع الفلسطينى، هو التخبط الذى تمارسه بعض الجهات العربية، الرسمية وغير الرسمية، فى تعاملها مع هذا الموضوع.

هذه الجهات تحصر الموضوع فى خلاف بين الشعب الفلسطينى ومن تسميهم «الإسرائيليين» حول الأرض والحدود والمنافع الاقتصادية. وهى تنسى الشعار الصهيونى «من النيل إلى الفرات» كحق جغرافى لإقامة كيانه، والإصرار الصهيونى على تحقيق أسطورة «الهبَّة الربانية لأرض فلسطين الكبرى إلى شعب الله المختار»، وألوف الخطابات والكتابات التى تقول بحق الصهاينة فى أن يهيمنوا على كل مفاصل الحياة فى الشرق الأوسط برمته، مما يضع الصهيونية فى مواجهة مع أمة العرب كلها وليس مع الشعب الفلسطينى وحده.

ولا تتلاعب تلك الجهات العربية بذلك المبدأ العرفى الأساسى فقط وإنما تخرج أيضا حتى على المبادرة السعودية بشأن الموضوع الفلسطينى، والتى لدينا الكثير من التحفظات حول ما تطرحه، والتى تبنتها قمة عربية منذ عشرات السنين واحتقرها واستهزأ بها العدو الصهيونى حتى يومنا هذا.

على ضوء تلك الخلفية التاريخية فإنه من الضرورى اعتبار أية زيارة للكيان الصهيونى من قبل أية جماعة أو أى فرد، والتنسيق الأمنى الاستخباراتى التابع لأية دولة عربية، والاجتماع بالمسئولين الصهاينة من قبل أية شخصية رسمية أو غير رسمية عربية، والموافقة على أية مقترحات أمريكية، هى صهيونية حتى النخاع، بشأن الموضوع الفلسطينى أو تسهيل تنفيذها، وذلك دون موافقة من الجامعة العربية أو قمة للرؤساء العرب، وعلى الأخص دون تنسيق وقبول من ممثلى الشعب الفلسطينى. اعتبار ذلك كله خروجا على إرادة الأمة العربية المشتركة، واندماجا فى تسهيل نجاح المخطط الصهيونى، ورضوخا لتوجيهات الإدارة الأمريكية المنحازة للكيان الصهيونى.

على الجامعة العربية ومؤسسة القمم العربية أن تتوقفا عن الغمغمة بشأن الانتهاكات التى تمارسها بعض الجهات العربية وأن تضعا قاعدة مفادها بأن كل تصرف من أية جهة عربية يتعلق بالموضوع الفلسطينى وبالصراع العربى ــ الصهيونى، دون موافقة من إحدى تلك المؤسستين القوميتين، لا يلزم الأمة العربية، بل وسيعتبر انتهاكا للعمل العربى القومى المشترك.

آن الأوان أن تحكم هذا الموضوع الوجودى أصوله وجذوره، وليس فروعه ومتاهاته وبلادات هذه الجهة أو تلك.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved