ازدياد الهجرة كقضية انتخابية

صحافة عربية
صحافة عربية

آخر تحديث: الإثنين 29 مايو 2023 - 8:25 م بتوقيت القاهرة

نشرت صحيفة الشرق الأوسط اللندنية مقالا للكاتب عادل درويش، يذكر فيه أن قضية الهجرة أصبحت من أهم أولويات الأحزاب المتنافسة على الحكم، خصوصا فى الدول الكبرى، فى ظل تلك الأوضاع الاقتصادية الراهنة المضطربة. لذا ربما ستكون هذه القضية من أهم قضايا المنافسة بين حزب العمال وحزب المحافظين فى بريطانيا لما يشكله تزايد أعداد المهاجرين والمهاجرات من عبء على الحكومة البريطانية... نعرض من المقال ما يلى.
الهجرة وأرقام الوافدين، قضية تشغل معظم البلدان والمجتمعات الحديثة، خصوصا بلدان الدول الكبرى التى تصبح محل جذب للمهاجرين. بلدان الديمقراطيات البرلمانية تصبح قضية الهجرة من أهم أولويات الأحزاب المتنافسة على الحكم، خصوصا عندما تكون هناك ظروف اقتصادية صعبة تمر بها الأمة، وأدت إلى تناقص الخدمات بسبب الزيادة السكانية، وعندها تحتل الهجرة مرتبة متقدمة فى قائمة أولويات الانتخابات، وربما القضية الأولى.
زيادة الهجرة ستكون أهم قضايا المنافسة بين حزبى بريطانيا الكبيرين، المحافظين والعمال، فى الأشهر الثمانية عشرة قبل الانتخابات العامة. فالمكتب القومى للإحصاء نشر أرقام الهجرة إلى المملكة المتحدة لعام 2022 بصافى 606 آلاف ــ أى الفارق بين من غادروا البلاد نهائيا ومن منحوا الإقامة المشروعة. الرقم 606 آلاف زيادة سكانية، والأعلى تاريخيا ــ تحول لعصا تلهب به المعارضة والصحافة ظهر حكومة ريشى سوناك، التى تواجه صعوبات برلمانية فى تمرير مشروع قانون جديد للحد من الهجرة غير المشروعة. الرقم 606 آلاف، الهجرة المشروعة، يمثل ثلاثة أضعاف ما وعد المحافظون بتحديده فى انتخابات 2017 و2019.
زيادة أعداد المهاجرين دائما مصدر قلق، إذ ترفض أغلبية السكان قبول مهاجرين جدد، حتى فى بلدان ما يعرف بالدنيا الجديدة، مثل بلدان أمريكا الشمالية، وأستراليا ونيوزيلندا، التى أسسها المهاجرون من قارات الدنيا القديمة.
الحركات الجماعية جغرافيا من منطقة إلى أخرى، غيرت الخرائط وأدت إلى ظهور أمم واختفاء أخرى؛ وتاريخيا يرجع بعضها لعوامل طرد كحروب أو كوارث طبيعية، لكن أغلبها حركته عوامل جذب.
• • •
فى العصور الحديثة بعد تأسيس الدولة القومية بقوانين تنظم الدخول والخروج عبر المنافذ الحدودية بأوراق رسمية، اختفت ظاهرة الهجرات الجماعية أو عن طريق الغزو، لتصبح هجرة أفراد، مشروعة أو غير مشروعة. بلدان ما يعرف مجازا بالغرب، أو العالم الأول، هى محل الجذب الأول للمهاجرين، وتتعدد موانئها ومطاراتها التى يعبرها أفراد بشكل يومى بأعداد لا تثير الفضول، لكن إضافتهم كمجموع فى الإحصاءات السنوية أمر آخر. وحسب المكتب القومى للإحصاء، وفد مليون ومائتا ألف وافد على بريطانيا، مقابل 557 ألفا غادروها فى 2022؛ بينما منحت تأشيرات الإقامة الدائمة لمليون ونصف المليون، بينهم 630 ألفا التحقوا بالجامعات، وأغلبهم من الصين والهند. هذه المجموعة محل جدل بين إيجابى وسلبى، ففى نهاية العام الدراسى 2021 ــ 2022 فاقت مساهمة التلاميذ الأجانب 61 مليار دولار فى الاقتصاد البريطانى فى شكل المصاريف الدراسية وتكاليف الإقامة فى الجامعة، بجانب الصورة الإيجابية التى يروجونها عن بريطانيا وإقامة علاقات تجارية بعد عودتهم إلى بلادهم. الجانب السلبى أن القوانين الحالية تسمح لهم بإحضار ذويهم إلى بريطانيا، مما أدى إلى زيادة آلاف من المقيمين يحتاجون إلى خدمات ورعاية بلا مساهمة إنتاجية.
أيضا منحت تأشيرات الإقامة الدائمة لـ490 ألفا لما يعرف بأصحاب المهن الخاصة والعمال المهرة والمتخصصين، وبينهم 210 آلاف من الممرضات والمتخصصين فى خدمات دور رعاية المسنين. إيجابيات هذه الشرائح مؤقتة، فهى تسد نقصا حادا فى الأيدى العاملة، خصوصا فى قطاع الصحة والرعاية الاجتماعية (هناك نقص يفوق 50 ألف ممرضة بأرقام كلية التمريض الملكية). القوانين الحالية فيها استثناءات تسهل إجراءات الحصول على فيزا للعاملين فى القطاعين؛ أما الجانب السلبى فهو أن الوافدين، خصوصا من أفريقيا والفلبين وشبه القارة الهندية، يعملون بأجور أقل مما تطالب به الاتحادات المهنية والنقابية، وأيضا تؤدى إلى اعتماد الاستثمارات والمؤسسات على العمالة الأجنبية الرخيصة من المهاجرين، بدلا من تدريب الشباب، فى قطاعات كالميكنة الزراعية، وبعض الصناعات والخدمات كسائقى الشاحنات (غادر الآلاف منهم بعد بريكست وأثناء إغلاق كوفيد).
الرقم الآخر، هو 170 ألفا منحوا الإقامة فى بريطانيا لأسباب إنسانية، وأغلبهم من أوكرانيا، وهونج كونج، وأفغانستان، ومناطق صراع حروب أهلية. أما طالبو اللجوء السياسى أو لأسباب إنسانية فيمثلون 73 ألفا ــ وهؤلاء غير الذين وصلوا بقوارب صغيرة عبر بحر المانش (أكثر من 83 ألفا العام الماضى) ويطلبون اللجوء، ولم يبت فى أمرهم بعد.
• • •
المعارضون لقوانين الحد من الهجرة (وكلهم تقريبا من اليسار والتيارات الليبرالية) يجادلون بأن زيادة السكان تؤدى لتنمية الاقتصاد، لكن ذلك نصف الحقيقة، فالنمو كمى وليس كيفيا. فزيادة القوى العاملة تؤدى لنمو ما يعرف بـ«جى دى بى» أو الناتج القومى العام، لكنه ليس مقياسا حقيقيا للنمو أو التقدم فى ارتفاع مستوى المعيشة، لأنه يختلف عن «جى دى بى بيركابتا»، أو نصيب الفرد من الناتج القومى، وزيادة عدد السكان بالهجرة تؤدى إلى انخفاضه لا ارتفاعه. مثلا الناتج القومى للنرويج فى 2022 كان أقل من خمس رقمه المماثل فى بريطانيا (أكثر من 3 تريليونات)، لكن نصيب الفرد فى النرويج (106 آلاف دولار فى الفترة نفسها) أكثر من ضعف نصيب المواطن البريطانى (أقل من 46 ألف دولار)، فعدد سكان الأولى دون الستة ملايين مقابل أكثر من ثمانية وستة ملايين فى المملكة المتحدة؛ كما أن ما يعرف بالاقتصاد الأسود أو الاقتصاد الخفى، الذى ينتشر دائما فى أوساط المهاجرين، خصوصا غير الشرعيين، يقدر بإثنى عشر ضعفا فى بريطانيا مقارنة بالنرويج.
وبجانب الأمر البديهى بأن زيادة السكان من الهجرة، وليس النمو الطبيعى التدريجى، يضع أعباء متسارعة فى وقت قصير على قطاعات الخدمات كالصحة، والمواصلات، فإن إحدى كبرى الأزمات (وهى أيضا قضية انتخابية) هو عدم توفر المساكن، فحسب أرقام الحكومة، نحو 200 ألف مسكن جديد أنشئت ببريطانيا فى 2022، أى أقل من ثلث عدد الزيادة فى السكان من الهجرة، بلا حساب الزيادة الطبيعية فى السكان.
وإذا كانت أرقام الهجرة تشكل هنا فى بريطانيا صداعا لحكومة المحافظين بزعامة سوناك، فهى أنباء أكثر إزعاجا للمعارضة العمالية بزعامة السير كيير ستارمر، الذى انتهز فرصة نشر أرقام زيادة الهجرة لانتقاد أداء الحكومة، بينما الثابت فى ذهن الناخب البريطانى أن العمال يريدون مزيدا من المهاجرين على حساب مستوى معيشة المواطن البريطانى، والفكرة لدى الناخب تكونت من خبرته مع سبع حكومات عمالية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، ومن مواقف العمال كمعارضين فى البرلمان أثناء التصويت على مشاريع قوانين للحد من تدفق المهاجرين.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved