عن الإتقان السوري والكروتة المصرية

حسام السكرى
حسام السكرى

آخر تحديث: السبت 29 يونيو 2019 - 8:55 م بتوقيت القاهرة

عاصفة الحب والتضامن مع الإخوة السوريين عقب الهجمة الساذجة عليهم مؤخرا أكبر مما يمكن أن أضيف إليه. إلا أن لدي ملاحظات أود تسجيلها.

١- التضامن مع السوريين، تضامن مع إنساني. هو حق وليس منة ولا علاقة له بـ: جودة الشاورمة التي يصنعونها، أو حسن استقبالهم للزبائن، أو إتقانهم للعمل، أو حجم الأموال التي ضخوها والعمالة التي شغلوها.. عيب.

التضامن الإنساني لا ينبغي أن يكون مشروطا بمنفعة، والمتوقع أن تكون كريما مع من يلجأ إليك لا أن تسعى لمصلحة من ورائه.

٢- أتمنى أن أرى تضامنا مشابها مع من يلجأون إلى مصر من الأشقاء السودانين والأفارقة. الواقع وصفحات الحوادث، وتقارير البرامج الجادة، تقول إن تضامننا يتأثر بلون البشرة. وإخواننا السُمر يعانون في شوارعنا من التحرش والتعدي والإهانة والتحريض العنصري والطائفي وكل هذا مسجل ومعروف وتجاوز الحدود حتى وصل إلى القتل.

٣- أثار الكلام عن فضائل السوريين حفيظة البعض ممن رأوا فيه اتهاما لشعبنا المصري المظلوم بالكسل والإهمال رغم أنه يعمل ويجتهد في ظل ظروف غير مواتية ونظام لا يقدم أبسط درجات الدعم. والنقاط التالية هي ملاحظات على هذه النقطة الهامة.

أولا: نحن شعب مهمل في صحته وفي مصادر رزقه. التاجر المصري لا يحسن معاملة زبونه. والعامل المصري لا يتقن عمله. الفهلوة، و"الطلسقة"، و"الكروته"، والتقفيل بأي شكل وبأقصى سرعة، واختراع حجج مبدعة للتهرب من المسؤولية، أو من العمل، تصف بأمانة سلوك الغالبية.

ثانيا: نحن شعب لا يتمتع بالحد الأدنى من "الكرامة المهنية". Professional Pride. وهي الرغبة الذاتية في الإجادة من أجل الشعور بالرضا والفخر بما تقوم به، والإحساس بقيمتك أمام ذاتك قبل الآخرين.

ثالثا: نحن شعب غير نظيف. شوارعنا ومكاتبنا ومدننا وقرانا ومصالحنا ومطاعمنا وفنادقنا ومتاجرنا ومستشفياتنا ودورات المياه العامة لدينا وسلوكنا في العموم يتصف بالقذارة البالغة.

رابعا: هناك خلل مزمن في أولوياتنا. الغالبية لا يرون أن علاج أي من هذه المظاهر ضرورة حرجة، رغم أنهم يشتكون أحيانا منها. هناك قرى بكاملها تخرج عن بكرة أبيها رفضا لبناء كنيسة، أو استجابة لإشاعة عن علاقة بين رجل وامرأة، أو احتجاجا على تسمية مدرسة بإسم قبطي أو فنانة، ولكن أهلها لا يحركون ساكنا لو طفحت المجاري وسدت دروبهم، وانتشرت الحيوانات النافقة في شوارعهم، وارتفعت على النواصي جبال القمامة.

خامسا: أتمنى ألا يقول أحدهم إن هذا الكلام إهانة لمصر والمصريين، أو أنه "تعميم مخل". هذا وصف لخصائص عامة. وكما قبلنا وصف السوريين في عمومهم بأنهم شعب نظيف، يحسن تجاره المعاملة، ويتميز عماله بالإتقان، رغم علمنا بأن بينهم بالتأكيد المهمل والنصاب واللص، ينبغي أن نقبل رصد الصفات العامة للتاجر والعامل والموظف وأغلب من يؤدون عملا من المصريين.

سادسا: لا ينفي هذا وجود نماذج مصرية مضيئة سواء داخل مصر أو خارجها. وجوه مبدعة وخلاقة تعشق الإتقان والإخلاص وتجني ثمرة ذلك حبا وتقديرا ونجاحا. ممارسات هؤلاء للأسف لا تشكل تيارا عاما أو توجها "ثقافيا" يطبع مجتمعنا أوسلوكياتنا.

سابعا: يمكن "تفسير وفهم" كل هذه الظواهر السلبية، وردها لأصول اقتصادية وسياسية. لكن المسؤولية عن الإهمال والارتجال و"الطلسقة" و"الكروتة" تقع أولا وبشكل مباشر على عاتق المهمل و"المكروتاتي".

ثامنا: المسؤولية الأكبر بلا أدنى شك تقع على الهيئات التي تضع معايير العمل والتدريب والتفتيش والمتابعة، وتتحكم في مناهج المدارس، و"التربية" والتعليم، وخطب المساجد. تغيير الثقافة السائدة والسلوك العام ممكن في وجود رؤية شاملة وإرادة سياسية وهو ما نفتقده منذ زمن.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved