نشيد الأمل

داليا شمس
داليا شمس

آخر تحديث: السبت 29 يونيو 2019 - 9:00 م بتوقيت القاهرة

العنوان هو لفيلم أم كلثوم، "نشيد الأمل" من إخراج أحمد بدرخان، قصة إدمون تويما، وسيناريو وحوار أحمد رامي، الذي كتب أيضا كلمات أغنيات هذا الفيلم التي نعرفها جميعا وقام بتلحينها رياض السنباطي ومحمد القصبجي، وعلى رأسها واحدة من أحب الأغنيات إلى نفسي، وهي "افرح يا قلبي". ارتبطت هذه الأخيرة بقصة بطلة الفيلم، آمال، التي تغيرت حياتها جذريا بعد أن قابلت الطبيب عاصم لينسيها ما عانت خلال زيجتها الأولى من رجل خشن الطباع، طلقها وتركها وحيدة مع ابنتهما بمنتهى القسوة. حان لقلبها أن يفرح بملاقاة الطبيب، عاصم، الذي عالج ابنتها واكتشف موهبتها الفذة وساعدها على العمل بالغناء لتصير مطربة مشهورة. تحول حياتها يبرر الأشكال المختلفة التي ظهرت بها أم كلثوم على الأفيش، من خلال تركيب مجموعة من الصور لها بالأبيض والأسود تبين تطور الشخصية، من سيدة منزل لاحول لها ولا قوة إلى نجمة لامعة تلبس أفخر الثياب.

عرض الفيلم لأول مرة سنة 1937 أي بعد عام من توقيع معاهدة 36 الشهيرة بين مصر وبريطانيا ومدتها عشرون عاما، والتي قضت بسحب الأخيرة لقواتها من مصر عدا القوات الضرورية لحماية قناة السويس، وقضت أيضا ببقاء جنودها في السودان دون شرط وفي الإسكندرية لثماني سنوات من تاريخ بدء المعاهدة. واضطرت انجلترا لدخول المفاوضات بعد ضغط، عندما قامت الثورات قبلها وتألفت جبهة وطنية لإعادة دستور 23، بدلا من دستور 30 الذي كان يعطي للملك جميع السلطات مثل الاعتراض على أي قانون يقره البرلمان والحد من محاسبته للوزراء، إلى ما غير ذلك.

***
تاريخ عمل الفيلم يبرر وجود أغنية شهيرة ضمن أغانيه وهي "يا شباب النيل.. يا عماد الجيل" التي عرفت بنشيد الجامعة، فعندما يجتمع أحمد رامي والسنباطي وأم كلثوم، لن يكون الفيلم مجرد قصة تشبه سندريلا، فهناك دوما أمل بتغيير الحياة عموما للأفضل وحلم مصر بالمجد والعزة، وكانت الأغنية التي تقول: "هذه مصر تناديكم فلبوا دعوة الداعي إلى القصد النبيل، شيدوا المجد على العلم وهبوا، ثم سيروا كل جمع سبيل"، إلى آخره. وكأن أم كلثوم ولدت لتهب لنا الأمل، تلك التي جاءت من ريف مصر لتصبح "الست".

كان الفيلم في مرحلة ما قبل المنديل والنظارة السوداء، أما بعدها بسنوات عام 1946، فقد شدت من كلمات بيرم التونسي وألحان زكريا أحمد: "الأمل لولاه عليا كنت في حبك ضحية، بالأمل أسهر ليالي في الخيال وابني علالي، وأجعلك فيها نديمي". سيدة قوية حبها يبعث على الأمل، وليست من هؤلاء الذين ينتظرون الخروج على المعاش لتحقيق رغباتهم المؤجلة وأحيانا لا يجرؤن على ذلك فتظل مؤجلة للأبد.

***
كلما مر الوقت لا يكون من السهل تحويل الحلم إلى واقع. تمر أحيانا السنوات ونكتشف أن معظم ما نعيشه لا يرضينا، فيهب بعضنا لقلب حياته رأسا على عقب ويكون لديه الشجاعة على ذلك، في حين يكتفي آخرون بشراء ورق "اللوتاريا"، كما في الأفلام القديمة، أو شهادات المليون! الحواديت التي تشبهها الأفلام القديمة مثل "نشيد الأمل" لأم كلثوم تحمل في طياتها هذه القدرة على التغيير رغم بساطتها المتناهية، سيدة تبدل حبا بحب، رجل يكتشف أنه ليس بائسا لكنه غير سعيد... يحدث فجأة في حياتهم ما يجعلها مختلفة. يتبعون حدسهم وتنقلب الأحداث، فيتحول الطبيب إلى كاتب، والفتاة المجهولة إلى مغنية مشهورة، والموظف إلى صاحب عمل لم يكن يؤمن به أحد. هناك طقوس للإشارات والتحولات، كما يقول الكاتب السوري سعدلله ونوس في رائعته المسرحية، علينا أن نفتح مسامنا لالتقاطها وقراءتها، علينا أن نفهم أن التغيير ليس خطرا داهما، بل سنة الحياة.

قبل أيام كادت الشجرة الضخمة التي يطل عليها البيت أن تموت، بعد أن سكب الجيران - المتضررون من وجودها - في طينتها ما أفقدها حيويتها ونضارتها. بين يوم وليلة تحولت الأوراق الخضراء اليانعة إلى اللون البني المائل للحمار وكأن الخريف هب عليها وحدها دون سابق إنذار. لا نعرف لأي نوع تنتمي، لكن جذورها ضاربة في الأرض، وجدت هنا منذ وجود المكان. بعد فترة قصيرة من الذبول، قاومت واستردت عافيتها بعد أن فقدنا الأمل في عودتها للحياة مجددا. اخضرت أوراقها وكأنها نشيد الأمل الدائم، يبعث الحياة من الموت.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved