الدبلوماسية والحرب فى سد النهضة

طلعت إسماعيل
طلعت إسماعيل

آخر تحديث: الإثنين 29 يونيو 2020 - 8:10 م بتوقيت القاهرة

طوال الأسبوع الماضى، وقبل ساعات من عقد القمة الإفريقية المصغرة، لرؤساء الدول الأعضاء بهيئة مكتب رئاسة الاتحاد الإفريقى، لمناقشة أزمة سد النهضة مساء الجمعة الأخيرة، نشطت بعض الأقلام، وغردت أصوات متناثرة على مواقع التواصل الاجتماعى بنفس تصعيدى، وارتدى البعض بزة مموهة لجنرالات وخبراء فى الحروب، وراحوا يدفعون باتجاه خوض غمار المعركة مع إثيوبيا «الآن.. الآن وليس غدا»، وكأن الحرب مطلوبة فى ذاتها.
لا خلاف على أن سد النهضة سيكون له تداعيات قاسية على المجتمع المصرى، إذا لم نصل لاتفاق يحفظ حقوقنا المائية، ويمنع أى ضرر عن دورة حياتنا كون مياه النيل بمثابة الدم الذى يسرى فى العروق ودونه الموت، غير أن الوصول إلى نقطة اللا عودة، والقفز على الجهود الدبلوماسية التى تبذل من أجل حل عادل يضع الأضرار فى حدها الأدنى، سيكون خطوة فى غير محلها حاليا.
نعم استغلت إثيوبيا الوقت، ونجحت فى اقتناص فرصة انشغال مصر بأمور داخلية ضاغطة، وخصوصا عقب ثورة 25 يناير والأحداث التى تلت 30 يونيو 2013، فى تثبيت حقائق على الأرض، وناورت فى العديد من المحطات التفاوضية بعد ذلك، لكنها السياسة التى تمنح الأطراف جميعها حق اللعب بكل الأوراق لتحقيق الأهداف، فهل نلوم أديس أبابا؟
فى المقابل سارعت مصر إلى التأكيد على حقوقها عبر العديد من المحطات أيضا، واستخدمت القاهرة أوراقا متنوعة لدفع إثيوبيا إلى التوقيع على اتفاق ملزم يعترف صراحة بعدم المساس بحقوق مصر المائية، ورأينا جولات تفاوضية منهكة على المستويين الفنى والسياسى، تنقلت بين الخرطوم والقاهرة وأديس أبابا، وصولا إلى العاصمة الأمريكية واشنطن، ثم مجلس الأمن الدولى فى نيويورك، قبل دخول الاتحاد الإفريقى على خط الأزمة.
استخدمت القاهرة لغة دبلوماسية منضبطة، وتحلت بسياسة النفس الطويل فى غالبية الفترات، ولوحت بأوراق خشنة فى بعض الأوقات، وخرجت تصريحات عن الخارجية المصرية تتفهم الدوافع التنموية لبناء سد النهضة، شريطة ألا تكون بأى حال من الأحوال على حساب مصر وحصتها فى مياه نهر النيل التى تضمنها اتفاقات دولية لا يمكن التنصل منها.
وفى خضم عمليات الكر والفر الدبلوماسية، لجأت إثيوبيا إلى أساليب المراوغة، وصدر عن بعض مسئوليها تصريحات ذات طابع عدائى واضح، كانت تقابل بردود أكثر حكمة وعقلانية من الجانب المصرى، ربما اعتبرها البعض لا تصلح مع صلف وغرور الطرف الآخر، غير أن كل ذلك كان ولا يزال ضمن أوراق اللعب فى ملف شائك يتطلب اليقظة والحذر فى كل حين.
طبعا صانع السياسة فى أى بلد يجب أن يضع نصب عينه كل السيناريوهات، فى التعامل مع الأزمات والتحديات المطروحة، وأن يعلم جيدا التكلفة المادية والمعنوية لكل سيناريو قد يلجأ إليه، وأن يتجنب، قدر الإمكان، الوصول إلى السيناريو الأسوأ صاحب التكلفة الأعلى، فكلما حققت أهدافك بأقل ثمن مطروح تجلت مهارتك، وحسنت سياستك.
وفى ملف سد النهضة تبقى الحرب هى السيناريو الأسوأ الذى لا نود الوصول إليه إلا مجبرين، ولن ترهبنا بعض الأصوات التى فى قلوبها مرض، وتملأ الدنيا صخبا حاليا من أجل اشتعال النيران، فهؤلاء سيكونوا أول من يصرخ بسؤال: «لماذا نحارب؟»، وسيذكروننا بكل المعارك الدبلوماسية التى خاضها العالم لحل المشكلات المستعصية!!
الحرب ليست نزهة، واللجوء إلى استخدام القوة المسلحة فى تسوية النزاعات ليس قرارا تحدده السوشيال ميديا، ولا أقلام ظاهر كلماتها الحرص على مصلحة الوطن، وباطنها السم الزعاف لبلد تحاصره التحديات والمخاطر من أربع جهات.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved