التعامل مع الفشل

محمد زهران
محمد زهران

آخر تحديث: السبت 29 يوليه 2017 - 9:30 م بتوقيت القاهرة

 

عندما تتصفح الصفحة الشخصية على الإنترنت لأي باحث أو لأية مجموعة بحثية لن تجد إلا علامات النجاح (أبحاث منشورة و طلبة حصلت على درجات علمية رفيعة وتمويل لأبحاث ... إلخ) بل أن أي بحث علمي لا يحتوي إلا علامات النجاح، في علوم الكمبيوتر مثلاً تجد البحث عبارة عن فكرة ثم تصميم تجارب لإثبات صحة الفكرة أو التصميم ثم عرض نتائج التجارب والتي تثبت نجاح الفكرة وكل خطوات البحث منطقية حيث كل خطوة تتبع منطقياً الخطوة التي قبلها حتي تصل إلى النتيجة المرجوة ... كل ذلك لا يعبر عن الحقيقية!!

 

كل خطوة من خطوات البحث العلمي بل والتقدم التكنولوجي مليئة بالخطوات الفاشلة من أول إختيار فكرة البحث وحتي تصميم التجارب، فقد تكون تبدوا الفكرة جيدة ولكن التجارب تثبت فشلها أو تكون التجارب نفسها بها خلل فتثبت صحة فكرة خاطئة أو فشل فكرة صحيحة  .. وهكذا!

 

كم بحثاً رُفض مقابل كل بحث قُبل في المؤتمرات والمجلات العلمية؟ كم طلباً لتمويل الأبحاث قوبل بالرفض؟ كم بحثاً تم تمويله ثم فشل؟ الإجابة عن كل هذه الأسئلة تظل حبيسة الأدراج (أو الأفكار) ولا ترى النور أبداً ... هل فكرت في السبب لذلك؟

 

دعنا نعترف بشئ: كلنا نرغب في أن نبدوا علماء كبار وناجحين حتى لا تهتز ثقة الطلبة والزملاء ولجان الترقيات وجهات تمويل الأبحاث فينا ... أليس كذلك؟

يجب أن نعترف أيضاً أننا في عالم مادي والواقعية مهمة (وإلا ما كانت هناك علاقات عامة وتسويق ...) فكيف نتصرف؟

 

ماذا سيحدث لو لم نفعل شيئاً وتركنا كل شيء على عواهنه؟ سيحدث شيئان: لن تتعلم من الفشل ولن يتعلم الآخرون من فشلك!

قيل الكثير والكثير عن التعامل مع الفشل فلن نكرر ذلك ولكن أي باحث أو طالب علم يجب أن يكون عنده استراتيجية للتعلم من الفشل حتي يستفيد منه في المستقبل وهذه الاستراتيجية نفسها تجعل الآخرين يتعلمون من فشله، مثلاً لماذا لم تنجح هذه الفكرة؟ هل هناك عوامل قد تجعل هذه الفكرة ناجحة؟ ماهي مؤشرات نجاح فكرة معينة؟ ماهي التجارب التي يجب عملها حتي نقيش مؤشرات النجاح؟ لماذا كانت نتائج التجربة مخيبة للآمال؟ هل هذه النتائج المخيبة تعطينا أفكار لتجارب أخرى؟ أو يمكن أن تكون هذه النتائج عوامل نجاح لفكرة أخرى؟ ... والكثير من الأسئلة التي إن فكر فيها الباحث لتعلم منها الكثير.

 

هناك بعض الإرهاصات في بعض المجالات العلمية لنشر هذه النتائج أو الأفكار "الفاشلة" لأنها تجارب يجب أن يستفيد منها المجتمع العلمي بل ولن أكون مبالغاً إذا قلت أن الدول يمكن أن تستفيد من هذه الطريقة في التفكير فمثلاً الدول تستفيد من تجارب ناجحة لدول أخرى فهل فكرت أن تستفيد من فشل تجارب دول أخرى وأسباب فشلها حتى لا تكررها؟

 

أن المهم جداً أن يكون في كل مجال علمي مجلة أو موقع للتجارب والأفكار التي لم تنجح وأسباب عدم نجاحها بل من المهم أن تكون هناك عن تجارب للأمم لم تنجح حتى يستفيد منها المجتمع الدولي وتستفيد منها تلك الدول نفسها التي لها بعض التجارب غير الناجحة (مثلما نشرت علماء من مدينة مومباى الهندية تجربة غير ناجحة في الرعاية الطبية للأطفال وأسباب عدم نجاحها عندهم رغم نجاحها في أماكن أخرى ... يوجد شرح لتلك التجربة هنا).

 

يوجد مقال مفيد في مجلة Harvard Business Review  العريقة (عدد أبريل 2011) بعنوان

" Strategies for Learning from Failure" أو (استراتيجيات للتعامل مع الفشل) وأهمية هذا المقال أنه يدرس تلك الاستراتيجيات في مجال الشركات العملاقة وهذه الشركات بالتأكيد تعاني من تجارب كثيرة فاشلة ولكنها يجب أن تتعلم منها حتى تقدم للعالم منتجات أو خدمات أفضل ومن ثم تكسب سوقاً وإذا حاولت التقليل من التجارب الفاشلة عن طريق التقليل من عدد التجارب (أو "اللعب في المضمون" كما يقال في اللفظ العامي) فلن تبتكر جديداً وستخسر في لعبة السوق    ... الباحثون والعلماء والدول يحتاجون نفس الاستراتيجية ولكل مؤشرات نجاحه، من العوامل التي يناقشها المقال المذكور أعلاه هو صنع ثقافة التشجيع على الإبتكار والفشل وعدم الخجل من ذلك فلكي تبتكر الجديد يجب أن تعرف أنك ستجابه الفشل عدة مرات وهذا ليس عيباً.

 

في مثال شجاع للتعامل مع الفشل نشر البروفسير جوهانس هوشوفر (Johannes Haushofer) أستاذ علم النفس من جامعة برينستون CV  الفشل حيث ذكر جميع المنح التي فشل في الحصول عليها والأبحاث التي رفضت من المجلات ... وذلك تشجيعاً للناس على التعلم والتعامل مع الفشل وعدم الخجل منه.

 

أعتقد أنه يجب أن نعلم أطفالنا ثقافة التجربة والفشل والتعلم من التجربة.

 

 

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved