لا عزاء للصحفيين

طلعت إسماعيل
طلعت إسماعيل

آخر تحديث: الإثنين 29 يوليه 2019 - 10:10 م بتوقيت القاهرة

الحزن على فراق عزيز شعور نبيل، وللموت جلاله ووقاره اللذين يحرص أهل المتوفى ومحبوه على تمثلهما إكراما للفقيد، وعادة ما تشهد الجنازات ومجالس العزاء فى كل بقاع العالم لحظات ضعف إنسانى، قد يخرج فيها بعض الأهل والخلان عن اتزانهم المعهود، بالبكاء والعويل، وخاصة النساء، باعتبارهن الأشد عاطفة فى مثل هذه المواقف الصعبة التى نراها مع رحيل قريب أو صديق.

وفى لحظة وقوع الفاجعة يسارع، عادة، جيران الميت ومعارفه، وحتى الغرباء أحيانا، إلى التجمع لمواساة أهل المتوفى والتخفيف من شعورهم المقبض فى مصابهم الأليم الذى يجعل اللون الأسود يتملك عيونهم، ويجعل الحياة لا قيمة لها فى نظرهم.

ولأن الحزن يبدأ كبيرا، يحتاج حتى يصغر أن يشعر أهل الفقيد بأن رحيله ليس نهاية المطاف، وأن يلمسوا وجود من يحرص على مشاركتهم جانبا من مصابهم، ومن هم على استعداد للوقوف إلى جوارهم، فتهدأ النفوس المضطربة وتعود إليها بعض السكينة، فالحياة سوف تستمر وتمضى وفق ناموس الخالق عز وجل، بميلاد يعقبه فناء، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

من هنا اخترع الناس مجالس العزاء، وإن اختلفت العادات والتقاليد المرتبطة بها من مكان إلى آخر، بحسب ظروف كل مجتمع، فهناك من يكتفى بعزاء المقابر عقب دفن الميت، وهناك من يقيم السرادقات ليلة أو ثلاثا، وهناك من يكتفى بتقبل العزاء من الرجال فقط، ومن يسمح للسيدات بالمشاركة، والهدف أظهار الاحترام والتقدير للميت، ومحاصرة الحزن الذى يتملك أهله فى أضيق نطاق.

وحتى فترات قريبة لم تكن الصحف ووسائل الإعلام المصرية تقتحم لحظات الخصوصية فى عزاء المشاهير من أهل الفن أو السياسة، وكان الشائع نشر نعى الأسرة أو الجهة التى عمل بها المتوفى، وتغطية الجنازات بصيغ متعارف عليها، غير أن هذه التقاليد أخذت تنهار شيئا فشيئا، وباتت المواقع الإلكترونية، والعديد من الصحف، للأسف، تتبارى فى نقل وقائع عزاء فلان أو فلانة من الشخصيات المعروفة، فيجد المعزون صورهم وقد انتشرت فى هذه الوسيلة أو تلك من دون سابق إنذار.

السؤال ماذا يستفيد القارئ أو المشاهد من متابعة عزاء بعض الشخصيات المشهورة؟ هل سيؤثر هذا الأمر على حياة الناس، أو يغير فى مستقبل أيامهم ؟ وهل نشر صور المعزين وذكر أسمائهم سيحدث فارقا، وهل عدم النشر يعد جورا على حرية الرأى والتعبير؟ الإجابة فى الغالب: لا.. إذن لماذا هذا الحرص على ملاحقة الجنازات واقتحام مجالس العزاء حتى وصل الأمر إلى ازعاج أهل المتوفى واستفزازهم بما يجعلهم يشتبكون مع الصحفيين فى بعض المواقف؟!

أتحدث على خلفية واقعة «طرد» زميلة من مجلس عزاء والدة الفنانة يسرا، وانقسام الجماعة الصحفية بين من يحمل الزميلة مسئولية ما جرى، ومن اعتبر طريقة التعامل معها إهانة للصحفيين والتقليل من شأنهم، لأن الزميلة كانت تؤدى عملا كلفتها به صحيفتها.

وبغض النظر عن ملابسات ما جرى، أضم صوتى إلى عدد من الزملاء الذين طالبوا، عقب تلك الواقعة، بالامتناع عن تغطية مجالس العزاء، والاكتفاء بخبر رحيل الشخصيات المعروفة وتذكير الجمهور بمحطات رئيسية فى مسيرتهم المهنية أو بحقل العمل العام، وأدعو الزملاء رؤساء التحرير إلى تبنى اتفاق أخلاقى بعدم اقتراب الصحفيين وزملائهم المصورين من مجالس العزاء إلا للمشاركة فى تقديم الواجب فقط، إذا كانوا يودون إشباع فضولهم الشخصى بمعرفة من حضر ومن لم يحضر.

كما أدعو الزملاء القائمين على نقابة الصحفيين «نقيبا ومجلسا»، إلى التدخل حرصا على الصورة العامة للصحفى، والتقليل من التصرفات الغريبة، والوافدة حديثا على الصحافة المصرية، بحكم ما تمر به من ضعف يعلم القائمون عليها أسبابه التى جعلت سلم أولوياتنا المهنية يضيق ويختل، وحتى لا نستيقظ يوما على خبر حبس صحفى أو مصور بسبب مشاجرة فى مجلس عزاء.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved