خريجو إعلام.. حينما تغيب القراءة والشغف

عماد الدين حسين
عماد الدين حسين

آخر تحديث: الخميس 29 يوليه 2021 - 8:55 م بتوقيت القاهرة

مدير تحرير بإحدى الصحف المصرية، حكى لى بحسرة عن المستوى المتدنى لبعض خريجى أقسام الصحافة والإعلام بالجامعات المصرية، مما ينذر بمستقبل محزن لمهنة الصحافة والإعلام، التى تعانى من مشاكل أخرى كثيرة مثل تراجع عوائد الإعلانات وارتفاع أسعار مستلزمات الطباعة خصوصا الورق وتشابه المحتوى وتراجع هامش الحريات مما جعل الجمهور ينصرف عنها.
الزميل استقبل إحدى خريجات أقسام الإعلام من جامعة إقليمية، هى تخرجت هذا الصيف، وتبحث عن فرصة تدريب بإحدى الصحف تمهيدا لانخراطها فى عالم الصحافة والإعلام.
الزميلة كما يحكى مدير التحرير، ليس لديها أى فكرة عن المهنة، والأخطر أنها لا تقرأ ولا تهتم، رغم أنها أمضت ٤ سنوات فى الدراسة.
قال لى إنه سألها عن أهم ما لفت نظرها من أخبار فى هذا اليوم فلم تجب. سألها سؤالا مباشرا هل لديك فكرة عما يحدث فى تونس فلم تعرف. سألها ما هو أهم حدث رياضى هذه الأيام، فلم تعرف أصلا أن هناك دورة ألعاب أوليمبية تجرى هذه الأيام فى العاصمة اليابانية طوكيو ومصر تشارك فيها بأكبر بعثة أوليمبية فى تاريخها وهى الأكبر عربيا وإفريقيا.
الزميل سألها عن أهم حدث اقتصادى عالمى أو محلى، فلم تجب، وبعد إلحاح، قالت له الأزمة الاقتصادية. فقال لها إن هناك أزمة اقتصادية موجودة فى معظم بلدان العالم طوال الوقت تقريبا وزادت مع تداعيات كورونا.
بعد نقاش طويل قال لها: هل أنت متأكدة أنك تريدين امتهان مهنة الصحافة والإعلام، فقالت نعم. هو قال لها إذا كنت تبحثين عن وظيفة مضمونة فالأفضل، أن تبحثى عنها خارج الصحافة والإعلام. فهذه المهنة صعبة جدا خصوصا هذه الأيام، وتحتاج صبرا وجهدا وتضحيات كثيرة وإنفاقا من الأهل والأسرة حتى يتمكن صاحبها من الإحساس بأنه بدأ تحقيق نفسه.
الزميل كان يشعر بالمرارة، فقلت له ربما تكون مبالغا فى الأمر، فهذه مجرد حالة، وربما غالبية الخريجين ليسوا كذلك، وبعضهم مهتمون ويقرأون ويتابعون.
هو أجابنى بأنه يتمنى أن يكون كلامى صحيحا، لكن المشكلة أن النماذج المشابهة لهذه الفتاة كثيرة وليست مجرد حالة فردية.
أعذر هذا الزميل فعندى إحساس مماثل لا يتعلق بهذه الحالة تحديدا، ولكن بتراجع الاهتمام بالتكوين والتأسيس المهنى والثقافى والإنسانى.
نعم هناك خريجون جدد يجيدون أكثر من لغة أجنبية، ويجيدون التعامل مع وسائط الإعلام الرقمية الحديثة. لكن المأساة أن عددا كبيرا منهم ليس لديه الشغف بهذه المهنة، وهو أمر مهم وحيوى ومطلوب لمن يريد أن يشعر بالتميز.
هذه المهنة تحتاج من صاحبها أن يكون مهتما بالقراءة والبحث فى غالبية المجالات، على أن يتخصص فى مجال واحد يجيده إجادة تامة قدر المستطاع. تحتاج أن يكون الإعلامى مهموما بالقضايا العامة، وأن يقرأ فى الآداب والفنون والعلوم المختلفة وأن يشاهد المسرح والسينما وحفلات الموسيقى والأوبرا إن أمكن خصوصا أن عروض دار الأوبرا المصرية المتميزة لا تتوقف طوال العام، وتقدم العديد من روائع الفكر والأدب والفنون الإنسانية.
المواطن العادى يتوقع أن يجد إجابة لمعظم الأسئلة التى لا يعرفها عند الصحفى أو الإعلامى لكن المفارقة أن بعض المواطنين العاديين الذين يطالعون وسائل الإعلام صاروا أكثر ثقافة ووعيا من بعض الصحفيين.
عدد كبير من شباب الإعلاميين هذه الأيام مهموم بالتكنولوجيا، وهو أمر مهم، لكنه ليس مهموما بالمحتوى الذى تنقله هذه التكنولوجيا، وبالتالى نرى نماذج أقرب إلى الروبوت.
أعلم أن التعميم لا يجوز، وأدرك أن هناك نماذج جيدة موجودة فى أقسام وكليات الإعلام، وآخرها شاهدته يوم الإثنين الماضى فى قسم الإعلام والاتصال بكلية الآداب بجامعة عين شمس فى مناقشة مشروعات التخرج لطلاب وطالبات القسم، وأرجو أن أعود إلى هذا النموذج المتميز قريبا حتى يطمئن زميلى المحبط من النموذج، الذى رأه قبل أيام.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved