التنمية لا تهدى ولا تستحدث من العدم

وائل زكى
وائل زكى

آخر تحديث: الخميس 29 يوليه 2021 - 9:00 م بتوقيت القاهرة

لم نسمع وصفا لطفل يكبر أن الطفل يزيد وإنما نقول الطفل ينمو، فنمو الطفل يعنى زيادة فى الوزن والحجم بشكل طبيعى وبناء على إمكانات لدى الطفل معلومة فى كل مرحلة عمرية وإجراءات اعتيادية نجريها مع أى طفل لكى يكبر سليما قويا معافى. وعندما يقول الطبيب إن هناك زيادة فى وزن الطفل هذا يعنى وجود وزن غير اعتيادى أو غير قياسى وندرك فورا أن هذه الزيادة فوق معتاد النمو وقد تكون مَرَضية. فهناك فرق بين النمو والزيادة؛ وقد يعرّف النمو على أنه زيادة ولكنها طبقا لمعدلات قياسية معتادة، فإذا كان عدد سكان بلد ما يزيد كل سنة بنسبة حوالى 1% ثم جاءت سنة زادت النسبة إلى 2% هذا يؤشر مباشرة لوجود حدث ما تسبب فى تلك الزيادة خارج معدل النمو، ومن ثم هو خارج إمكاناته، لتجد مثلا أن السبب هجرة أو استقدام عمالة بأسرهم أو غيرها من الأمور التى تسببت فى زيادة السكان وليس فى نمو السكان.
التنمية هى تفعيل لعمليات النمو بغرض رفع معدلاته، فإذا كان المعدل الطبيعى أو الاعتيادى لنمو عدد السكان 1% مثلا، فقد ترفعه التنمية إلى 2% إن كان هذا هو المراد، ولكن ما الفرق إذا بين التنمية والزيادة؟ التنمية أخذت بمقومات النمو وحسنتها وعملت على تقويتها حتى زادت معدلاته وارتفعت، أما الزيادة فقد لا تكون مرتبطة بمقومات النمو كما لو كانت جزءا غريبا أدخَلتَه على جسم الإنسان قد يقبله أو يرفضه أو عددا مضافا تكمل به إحصائيات ما. وقد تكون التنمية خفضا فى معدلات النمو كأن نجد أن خفض عدد السكان بتقليل معدل النمو يساعد فى تحقيق الأهداف الموضوعة للتنمية، وفى هذه الحالة عادة تعمل التنمية بشكل متكامل بين عدد من القطاعات فى تنسيق لتحقيق خطة أشمل. النمو غالبا طبيعى تلقائى أما التنمية بمفهوم عملى هى قرار بالتدخل فى معدلات النمو إيجابا أو سلبا فى قطاع أو عدة قطاعات لتحقيق اتزان بينها بغرض تحسين معايير الحياة ورفع مستوى المعيشة.
•••
النمو الأفقى هو نمو فى العدد؛ كأن عدد السكان كان مليونا صار مليونا ومائتى ألف، أو المساحة الزراعية مليون فدان وصارت مليونين. أما النمو الرأسى فهو مؤشر فى الكيْف؛ فمثلا عدد المتعلمين من السكان كان ألفا فأصبح ألفين، أو خفض عدد وفيات الرضع أو أن إنتاجية الفدان صارت أعلى. والنمو الرأسى الكيفى يحتاج لسنوات من الخبرة المتراكمة، ولا يصل للمعدل المرغوب غالبا بشكل تلقائى، وإنما يحتاج إلى تنمية. فيتدخل المختصون لرفع إنتاجية الفدان الزراعى مثلا فيطبقون تكنولوجيات مستحدثة ويرشدون الفلاحين للطرق الحديثة والأساليب التكنولوجية. ورغم أن هناك عادة نموا أفقيا أى فى العدد فإن الأكثر شيوعا والأدق فيما يجرى من خطط تطبيقية أن نقول تنمية أفقية وتنمية رأسية، فقرار زيادة الرقعة الزراعية هو تنمية أفقية فى قطاع الزراعة وقرار زيادة إنتاجية الفدان هو تنمية رأسية، قرار زيادة أو نقص عدد السكان تنمية أفقية، وقرار تحسين كفاءة الإنسان وزيادة إنتاجيته وإعداده إعدادا يفيد الوطن هو تنمية رأسية.
ولكى نزيد من الرقعة الزراعية يمكن أن نقول إننا زدنا مساحة الرقعة الزراعية باستصلاح الأراضى من أربعة ملايين فدان إلى خمسة أو ستة ملايين مثلا، فى حين لم نحسب ما نفقده من الأرض الزراعية بسبب التصحر والامتداد العمرانى. وهنا فإن معنى التنمية ليس زيادة الرقعة الزراعية كمهمة منفردة تظهر فى الإحصاء وإنما التنمية هنا تعنى مجمل ما تم بالزيادة والنقصان وأثره، فقد نكسب مليون فدان بالاستصلاح ونخسر أكثر منهم بالتصحر والامتداد العمرانى، فيكون المجمل هو خسارة على الرغم من زيادة الرقعة الزراعية إحصائيا. وعلى ذلك تجد أن التنمية الأفقية فى قطاع الزراعة مثلا تحتاج التدخل ليس فقط فى الاستصلاح وإنما فى الحد من التصحر بوسائل تثبيت التربة الصحراوية وتقوية الأرض الزراعية الهامشية على حدود الصحارى والحد من الامتداد العمرانى بما فى ذلك من تدخل فى سبل رصد الامتداد وضبط عمليات النمو العمرانى واتجاهاته. إذا فالتنمية لكى تتحقق فى قطاع تداخلت بالضرورة فى قطاعات أخرى لتغير فى معدلاتها ومعاييرها لصالح وضع متوازن أشمل يحقق أهداف التنمية.
•••
قد تجد شخصا يهتم بجسمه ويأكل جيدا ويمارس الرياضة ويتمتع بشكل عضلى متناسق وقوى البنية، وشخص آخر يرغب فى أن يبدو بنفس المظهر ولكن ليس لديه الإمكانات أو الرغبة فى العمل على تكوينه العضلى بالنمو الصحيح بالتغذية وممارسة الرياضة فيلجأ إلى حقن عضلاته لتبدو بالمظهر القوى ونفخ وتضخيم أجزاء، أيهما يتمتع بالصحة وقوة البنيان؟ قد يخدعك الثانى بمظهره ولكنه خواء وعرضة للأمراض؟ أيهما تستديم قوته مَنْ عَمِل على تطوير إمكاناته الطبيعية ونموها نموا صحيحا أم من أتى بوسائل ألصقها بالمظهر؟ التنمية كذلك إن أردت أن تكون قوية مستدامة يجب أن تعمل على الإمكانات المتوافرة لتطورها وتنميها فتصير لديك نتائج تنموية مستديمة، فالتنمية لا تستحدث من عدم، بل لابد من استنادها لمقومات طبيعية تنشأ عليها أواصر التنمية، وما دون ذلك فهو لصق لمظاهر تطور ما تلبث أن تتلاشى لعدم استنادها على قواعد وأسس طبيعية قادرة على استدامتها، إذا هل لو أنشأنا مدرسة فى حى يحتاجها أليس ذلك تنمية؟
سد الحاجات الأساسية هو استكمال لمقومات وإمكانات النمو السليم، والتعليم من الحاجات الأساسية التى إن تستكمل فى حى من الأحياء فذلك يسهم فى بناء أسس تنموية صحيحة يمكن أن يرتكز عليها بناء التنمية ومشروعاتها. قد ينظر لبناء المدرسة على أنه تنمية أفقية فى قطاع التعليم، فهذا شأن قطاع التعليم ونجاحاته تعود على مجمل التنمية القطاعية وطنيا، أما على مستوى الحى من الأحياء فلن تمسه التنمية الأفقية إلا عندما تستكمل خدماته، ويظل يحتاج إلى تنمية رأسية فى النوع والكيْف إلى أن يتمكن من إحداث تطويرات من شأنها أن تحدث التنمية المخطط لها. فالذى يأخذ قرار التنمية عليه أن يؤسس لقواعدها ويخطط لبنائها بما يحقق أهدافه منها، إذا هل من الممكن أن ندخل تطويرات على أى مجتمع محلى فى أحد الأحياء لننشط مقوماته وندعم إمكاناته لننهض بأسباب التنمية؟ نعم فى الحدود التى يقرها المختص كما الطبيب إذا زاد جرعة العلاج أتى بعكس ما يرغب وقد يضر بدلا من أن ينفع، كذلك التدخل لا يكون طفريا بمعنى أن يتناسب التطور مع معدلات النمو الطبيعية فى القطاعات المختلفة لكى يكتسب المجتمع أسباب التنمية وينطلق بها مستدامة، أما إحداث مشروعات طفرية هى كمن أهدى هدية لمن لا يقدر قيمتها فيتصرف فيها رخيصة أو يهملها. فالتنمية لا تهدى ولكنها تعطى بقدَر على أسس وإمكانات واقعية، التنمية لا تستحدث من عدم.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved