طلائع جمال مبارك

فهمي هويدي
فهمي هويدي

آخر تحديث: السبت 29 أغسطس 2009 - 5:25 م بتوقيت القاهرة

مادامت هذه مصر مبارك، فلا غرابة فى أن يخرج علينا أناس يسمون أنفسهم طلائع جمال مبارك. بالتالى فلم تعد مصر للمصريين كما كانت فى العهد «البائد»، لكن هذه ليست الملاحظة الوحيدة، لأننا لن نعدم مواطنا بريئا تستوقفه حكاية الطلائع هذه، فلا يفهم لماذا كانت مقصورة على الابن جمال دون غيره من الأسرة، بما يدفعه إلى التساؤل عن حظوظ بقية أفراد الأسرة. وهل لكل واحد منهم طلائعه أم لا ؟. حيث يبدو أنه ليس من العدل أن يستأثر فرد واحد فى الأسرة بكل الطلائع فى البلد.

وبعد الذى قاله الرئيس للتليفزيون الأمريكى عن أن ابنه لم يفاتحه فى موضوع الترشح للرئاسة، الأمر الذى يعنى أنه لم يقرأ حتى الصحف المصرية التى تلوك القصة منذ سنتين، فيخشى أن يكون الأمر قد تكرر فى حكاية طلائع الابن هذه، التى هى أهون بكثير من مسألة الرئاسة. وليس هذا هو التساؤل الوحيد، لأننا لا نعرف ما إذا كانت هذه الطلائع تنظيما سريا افتضح أمره بالصورة المنشورة. ولا نعرف ما إذا كان جمال مبارك على علم به أم لا. وهل هذه الطلائع مختلفة عن جمعية «المستقبل» التى يرعاها الابن، وتتلقى دعما ماليا خارجيا معتبرا، وهل هى تضم معجبين متطوعين أم كوادر مدربة، أم جماعة من الأرزقية، أم أنهم من عناصر أمن الدولة التى يبدو أن لها باعها فى عملية التوريث؟.

للأمانة، فإنه بالرغم من كثرة الأسئلة المثارة حول طلائع جمال مبارك فى عصر الرئيس مبارك، فإن شخصنة المسألة ليست جديدة تماما فى الخبرة العربية. ذلك أن تاريخنا عرف نسبة الجماعات والأنظمة إلى أسماء أشخاص. فقد كانت هذه الدولة الأموية والعباسية، والقرنوية والبويهية والتيمورية والمرينية... إلخ. واستمر هذا التقليد إلى أن ظهرت فى زمننا المعاصر المملكة العربية السعودية نسبة إلى آل سعود والمملكة الأردنية الهاشمية نسبة إلى بنى هاشم. كذلك فإن فى تاريخنا مذاهب وطرقا صوفية وجماعات سياسية، ارتبطت كلها بأسماء أشخاص.

ما جر هذا الحديث أننا رأينا صورة نشرتها «المصرى اليوم» يوم الجمعة 28/8، لظهر شاب يرتدى قميصا أو فانلة كتبت عليها الكلمات التالية: حب ــ إخلاص ــ وفاء/ طلائع جمال مبارك. وفهمنا من الكلام المنشور أن الطليعى المحروس طبع على صدر القميص صورة للرئيس مبارك وهو يحتضن حفيده الراحل. وتبين أن المذكور كان ضمن مجموعة وزعت عليها القمصان ذاتها، حشدها عضو سابق لمجلس الشعب، وجاء بهم إلى قرية النجاح بمحافظة البحيرة، لاستقبال الابن والترحيب به، باسم أهالى إحدى الدوائر الانتخابية.

الطريف أن مجموعة طلائع مبارك التى استقدمها عضو مجلس الشعب السابق لم يسمح لأفرادها بالدخول إلى اللقاء الذى عقده صاحبنا فى القرية التى قيل إنها من أفقر قرى مصر، وقد زارها أمين لجنة السياسات ضمن جولاته التى يتفقد فيها مشروعات إصلاح وتطوير تلك القرى. أو هكذا قالت الصحف القومية على الأقل.

قال الراوى إن جمال مبارك عقد فى القرية الفقيرة مؤتمرا كان الوجود الأمنى الكثيف من أبرز معالمه، وحضرته أيضا قيادات محافظة البحيرة وأعضاء مجلس الشعب والمجالس المحلية وأمناء الوحدات المحلية. ولم يسمح لغير هؤلاء بالدخول، حيث وقف رجال الأمن على بابه، ومعهم قوائم بأسماء المدعوين للاجتماع للتدقيق فى هوية الداخلين. كانت النتيجة أن جمال مبارك والوزراء الخمسة الذين رافقوه جاءوا إلى القرية الأكثر فقرا ولم يلتقوا أحدا من أهلها. إن شئت فقل إن قرية النجاح كانت فقط مسرحا لذلك اللقاء، وأن الأهالى الأفقر كانوا مجرد كومبارس فى الخلفية المتخيلة وليست المنظورة.

والأمر كذلك، فإن زيارة الأهالى الأكثر فقرا كانت افتراضية ولم تكن حقيقية، وأن ما تم كان حلقة فى المسلسل المعروض علينا الذى يهدف إلى تسويق جمال مبارك، وتحسين صورته باعتباره نصيرا للفقراء. وكان صاحبنا الذى شكل التنظيم السرى الذى حمل اسم «طلائع جمال مبارك»، من بين الذين أدركوا هذه المسألة، فحاول أن يسهم فى عملية التسويق بالقدر الذى أسعفه به خياله. وفى زحام المسلسلات المعروضة علينا فى شهر رمضان، فإن ما حدث فى قرية النجاح يرشح مسألة زيارة القرى الأكثر فقرا. لكى تكون واحدة من أكثر المسلسلات فشلا فى الموسم. لكن عرضها يستمر رغم أنف الجمهور، شأنها فى ذلك شأن غيرها من المسلسلات التى يعرضها التليفزيون. 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved