كلام جميل... ونحن بانتظار الفعال

امال قرامى
امال قرامى

آخر تحديث: الإثنين 29 أغسطس 2016 - 9:05 م بتوقيت القاهرة

حكومة «يوسف الشاهد» قيل فى تركيبتها الكثير فهى حكومة هجينة اجتمعت فيها كل المتناقضات: وزراء من حكومة سابقة (سحبت منها الثقة ونعتت بالفشل) يحافظون على مواقعهم لأسباب لا تخفى على أحد (قوة المال، قوة الولاء...) يضاف إلى هؤلاء وزراء من العهد القديم ممن تقلدوا مناصب مهمة فى عهد بن على، فضلا عن حضور بعض من كانوا ينتقدون بشدة التحالف مع النهضة فإذا بهم يجلسون مع وزرائها على نفس الطاولة ليعكسوا توجهات «حكومة وحدة وطنية». وبالرغم من كل الانتقادات التى سبقت توجه «الشاهد» إلى مجلس الشعب مطالبة منه إجراء تعديلات فقد نالت حكومته ثقة النواب بمجلس الشعب بتصويت «مريح» 167 صوتا وهكذا سيتجاور الصديق والعدو، الـ«ظلامى» و«اليسارى الاستئصالى»، الأزلام والثورجيون، الندائيون والنهضاويون، النقابى مع أصحاب رءوس الأموال... ولكن هل ستنال هذه الحكومة ثقة الشعب التونسى؟
***
حكومة «الشاهد» استطاعت بتركيبتها الهجينة أن «تورط» فئات مختلفة وأن تضع الجميع أمام مسئولياتهم. فالشباب الذين قاطعوا الانتخابات وانسحبوا من العمل السياسى وظلوا يحترفون الشكوى والانتقاد و«التنبير» (السخرية) ها هم يمثلون فى مواقع سلطة القرار باعتبار أن الشاهد أصر على «تشبيب» حكومته فهل ستستمر سردية التنديد بسرقة الثورة وهيمنة الشيوخ على مواقع صنع القرار وإقصاء الشباب...؟ والأمر بالمثل بالنسبة إلى انتقادات النساء اللواتى عبرن فى أكثر من مناسبة، عن استيائهن من حكومات تنكرت للكفاءات النسائية وهمشت أدوارهن فإذا بـ«الشاهد» يقطع مع الرؤية التقليدية فى توزير النساء التى كانت تكتفى بمنحهن وزارتى المرأة والسياحة والثقافة فإذا بـ«الشاهد» يضع النساء و«الشواب» أمام اختبار جديد: وزيرات على رأس مؤسسات ظلت لعقود حكرا على الرجال كوزارة المالية ووزارة الطاقة ووزارة الصحة ووزارة الشباب والرياضة، فهل ستستمر سردية انتقاد هيمنة الرجال على السياسة وتهميش النساء وممارسة التمييز على أساس النوع الاجتماعى، وذكورية المشهد السياسى...؟
أما الذين كانوا يدعون إلى تطهير البلاد من الإخوان والأزلام فها هم شركاء فى الحكم مع من اعتبروهم من أشد أعداء الديمقراطية والحداثة فهل سيتواصل الصراخ والتنديد والفضح والشتم والتعيير...؟ ولا يختلف الأمر بالنسبة إلى ممثلى حزب النهضة الذين طالما عبروا عن رفضهم التعامل مع الاستئصاليين والراديكاليين و«أصحاب النمط المجتمعى الحداثى» فها هم اليوم يهنئون بعضهم ويكتبون صفحة جديدة فى تاريخ البلاد تقوم على قبول المصالحة والتوبة والمودة والرحمة والمغفرة... وعفا الله عما سبق.
***
مهندس تشكيلة حكومة «الشاهد» السبسى بالتنسيق مع «الشيخ» تمكن من ترويض بعض المعارضين وتبكيت أغلب الخصوم وعزل من باتوا يعيقون مساره و«يشوشون» عليه فما عاد حزب الاتحاد الحر شريكا فى الحكم يطالب بحقه فى المحاصصة، وهو الحزب المثير للجدل بسبب تدفق الأموال وغياب الشفافية ووجود شبهة فساد فى سياق تحتد فيه المطالبة بمكافحة الفساد.
لم يكتف «الشاهد» بعرض حكومته وبرامجها باستعمال اللهجة التونسية فى محاولة للقطع مع الماضى بل إنه استجاب لتوصيات مستشاريه فى مجال التواصل فوظف لغة الجسد لإبلاغ الرسالة،... وعد بأن يصارح الشعب بأسباب انتكاسة الثورة فأشار إلى التقاعس وإخلال المواطن بواجباته وحمل الطبقة السياسية ما آل إليه الوضع وأبان عن تخبط أصحاب رءوس الأموال ولكن ذاك جزء من الرواية... لقد تجنب «الشاهد» الإشارة الصريحة إلى الفاعلين فى مختلف التكتلات الحزبية والأمنية والقضائية وغيرها الذين آثروا مصالحهم الخاصة على مصلحة الوطن ولكنهم ظلوا محميين متمتعين بقاعدة الغفلات من العقاب ولم يرد «الشاهد» التقليب فى الصفحات القديمة.
***
إن تعمد التعميم، والحديث بنون الجماعة وتحميل المسئولية للجميع بما فيها الدولة بدل التصريح بأسماء المورطين فضلا عن اللجوء إلى لغة الحماسة «يلزمنا ناقفوا لتونس» ليس إلا إستراتيجية لبناء الثقة وانتزاع الاعتراف ولكن هذا كلام جميل... ونحن بانتظار الفعال.

أستاذة بالجامعة التونسية

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved