هل تستعد إسرائيل لتكرار تجربة حرب الـ67؟

مواقع عربية
مواقع عربية

آخر تحديث: الخميس 29 أغسطس 2019 - 10:35 ص بتوقيت القاهرة

نشر موقع درج مقالا للكاتب «حازم الأمين» وجاء فيه:
هناك أكثر من عشرة أسباب للاعتقاد بأن «حزب الله» لا يريد حربا مع إسرائيل فى هذا الوقت. أهمها أن لا موجب أهليا لهذه الحرب، فالحزب على الصعيد الأهلى والسياسى متصدر لبنانيا وسوريا وعراقيا، ويمنيا أيضا. خصومه المذهبيون والأهليون تلاحقهم الهزائم من كل حدب وصوب. فما هو موجب الحرب إذا، ذاك أن الأخيرة لربما رست على معادلة مختلفة، يضطر بموجبها الحزب إلى أن يشارك آخرين؟ لكن الأسباب لا تقتصر على ذلك، فالجبهة هذه المرة أوسع، وقوة الحزب ستتشتت بين لبنان وسوريا، كما أن الركيزة الأهلية والمذهبية لهذه الحرب أضيق من قبل، ناهيك عن أن الذراع السياسية للحرب، والتى لطالما مثلتها الحكومة اللبنانية أضعف من أسلافها، وأقل قدرة على المفاوضة وعلى تثبيت معادلات ما بعد الحرب.
هذه عينة من أسباب الاقتناع بأن «حزب الله» لا يريد حربا فى لبنان، يضاف إليها خطاب يوم الأحد للأمين العام للحزب حسن نصر الله، وكان واضحا فيه حرصه على تحديد شكل الرد، بأن قال إن «الطائرات المسيرة سيتم إسقاطها». هذا الخطاب الذى انقسم حوله اللبنانيون بين من اعتبر أن نصر الله أعلن الحرب متجاوزا الدولة اللبنانية (خصوم الحزب)، وبين من هلل للغة الخطاب الانتصارية، ولمخاطبته بنيامين نتنياهو طالبا منه أن يقف على رجلٍ واحدة منتظرا الرد. لكن بين المنزعجين والمتطيرين من كلام نصر الله وبين المحتفلين به، تقيم حقائق مختلفة يعرفها زعيم الحزب، ولا يبدو أن خصومه اللبنانيين يعرفونها، وتتمثل فى أن حسابات الحرب هذه المرة أوسع من حسابات الحروب السابقة، وتحتاج إلى أفق يتعدى تلك الانفعالات الضيقة لما تبقى من متقاعدى «14 آذار».
وكم يبدو غريبا ذهول لبنانيين من انكفاء الدولة والحكومة عن مشهد الاضطراب الكبير على الجبهة مع إسرائيل. هذا الذهول أوحى بأن «حزب الله» ولد بالأمس وانقض فى يومٍ واحد على الدولة وعلى أهلها. بعض المذهولين كان جزءا من أسباب الهزيمة التى ألحقها الحزب بكل القوى الأهلية، وبعضهم شريك صغير للحزب فى الدولة والحكومة والبرلمان. الذهول هو نوع من نكران يمارسه اللبنانيون وقواهم السياسية والمذهبية ويستعينون به لكى يشيحوا بوجوههم عن حقيقة أنهم يعيشون فى دولة «حزب الله»، وعن مسئوليتهم حيال هذه الحقيقة.
حسابات الحرب خارج هذا المشهد تماما، والأسباب التى تدفع إلى الاعتقاد بأن الحزب لا يريد حربا لا تكفى للاطمئنان، ذاك أن المؤشرات تقول إن إسرائيل تريد حربا. فبدل أن يستجيب نتنياهو لنصيحة نصر الله بأن يقف على قدمٍ واحدة منتظرا رد الحزب، مد قدما ثالثة وأغار بعد خطاب الأمين العام على قواعد عسكرية لحلفائه فى البقاع. وهنا يمكن أن يقول المرء إن الأسباب التى تدفع للاعتقاد بأن نصر الله لا يريد حربا، هى نفسها ما يدفع إلى الاعتقاد بأن نتنياهو يريدها، إنما تُضاف إليها الأسباب الإسرائيلية. فتل أبيب تراقب كل الجبهات التى تنتشر فيها الأذرع الإيرانية فى الإقليم، وهى باشرت عمليات استهداف واسعة فى سوريا والعراق ولبنان وغزة. ونتنياهو مستعد للذهاب إلى الخليج وإلى اليمن لتوسيع هذه الجبهات، والجديد على هذا الصعيد أن الغارات صارت معلنة ومرفقة ببيانات وأحيانا بفيديوهات، الهدف منها إعلام رأيٍ عام عالمى بأن طهران تؤسس قواعد لحرب محتملة مع تل أبيب، وأن الأخيرة تخوض حربا استباقية.
تعدد الجبهات اليوم يذكر بحرب عام 1967، عندما فتحت إسرائيل ثلاث جبهات دفعة واحدة فى الأردن وسوريا ومصر، وحيال ذلك يبدو كلام السياسيين اللبنانيين المتحفظين على كلام نصر الله صادرا من واد صغير وضيق، لا تتعدى حدوده خط التوتر بين موارنة جبيل وآل المقداد فى بلدة لاسا.
كلام كثير يثار عن أن نتنياهو يعبئ الرأى العام الإسرائيلى على أبواب الانتخابات. إذا كان هذا التحليل صحيحا، فالأرجح أننا سننجو من الحرب، وستكون حدود المواجهة محكومة بالحسابات الانتخابية. لكن ما تشهده المنطقة يؤشر إلى ما هو أخطر من ذلك، فهامش المناورة الانتخابى يبقى محدودا فى إسرائيل، وحسابات المؤسسة العسكرية والأمنية هى ما يُحسب له حساب. وإذا كانت هذه المؤسسة مقتنعة بضرورة شن حربٍ استباقية، فإن سقف المواجهة سيكون مرتفعا. وفى الأجواء ما يوحى بأن المؤسسة العسكرية الإسرائيلية غير مطمئنة لما يحصل فى الجنوبين اللبنانى والسورى، ولما يحصل أيضا فى العراق. والأهم أن لديها فرصة اليوم، فإيران منشغلة بالعقوبات وبحروب أهلية فى اليمن وسوريا. وثمة تحالف دولى تسعى إليه واشنطن لضبط حركتها فى الخليج. ومرة أخرى تلوح حرب عام 1967، كنموذج لما تفكر به إسرائيل.
قد لا تخدم خطوة الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون دعوة وزير الخارجية الإيرانى محمد جواد ظريف إلى قمة الدول الصناعية نيات إسرائيل، لكن سرعة تلبية ظريف الدعوة تؤشر إلى أن طهران تجيد الانكفاء فى اللحظة الأخيرة. «حزب الله» جزء من هذه التقية السياسية، وبيده اليوم حرمان إسرائيل من فرصة الحرب. لكن ذلك سيكون مؤلما. فالغارات لن تتوقف، وكظم غيظ الخسائر لعبة أجادها الحزب منذ عبوره الحدود لـ«الجهاد» فى سوريا.
النص الأصلى:
https://bit.ly/2ziCdn8

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved