وديعة كيسنجر لإنهاء الحرب الروسية ــ الأوكرانية
خالد أبو بكر
آخر تحديث:
الثلاثاء 29 أغسطس 2023 - 7:15 م
بتوقيت القاهرة
على مدى يومين فى أواخر أبريل الماضى، أمضت مجلة الإيكونوميست البريطانية أكثر من ثمانى ساعات فى حوار مطول مع هنرى كيسنجر، المفكر الاستراتيجى ووزير الخارجية الأمريكى الأسبق، قبيل أيام من احتفاله بعيد ميلاده المائة، وكان لهذه المقابلة أصداء واسعة لجهة ما تحدث به فى شأن ما سماه «الإنهاء الصحيح» للحرب الروسية ــ الأوكرانية، أو تجنب «الإنهاء الخاطئ» لها بعبارته هو، والذى طرح فيه ضم أوكرانيا على الفور إلى حلف شمال الأطلسى (ناتو)، فى مقابل تنازلها عن شبه جزيرة القرم لروسيا.
واعتبر كيسنجر أن ضمّ أوكرانيا إلى «الناتو» «سيكون من أجل أوروبا وروسيا معا (...) لقد قمنا (الغرب) الآن بتسليح أوكرانيا إلى النقطة التى ستصبح فيها الدولة الأفضل تسليحا والقيادة الأقل خبرة من الناحية الاستراتيجية فى أوروبا.. لذلك، ومن أجل سلامة أوروبا، من الأفضل أن تكون أوكرانيا فى حلف شمال الأطلسى، حيث لا يمكنها اتخاذ قرارات فردية تتعلق بمطالباتها الإقليمية، وإذا تحدثت مع بوتين، فسأقول له إنه أيضا سيكون فى وضع أكثر أمانا مع أوكرانيا العضو فى الناتو».
جرى استقبال طرح كيسنجر بالرفض الأوكرانى، وعدم الاهتمام الروسى وصمت الأطلسيين الذين كانوا يحشدون السلاح لكييف كى تندفع فى تنفيذ هجومها المضاد مع بداية الربيع، وانتشرت التصريحات والتحليلات التى تؤكد استحالة ضم أوكرانيا لـ«الناتو» باعتبار أنها ستأتيه محملة بمشاكلها مع موسكو، والتى سوف تتجدد فى أى لحظة، وعندها يجد الحلف نفسه أمام مواجهة نووية مع روسيا.
مؤخرا ومع تواتر الأنباء عن فشل الهجوم المضاد الأوكرانى أمام الدفاعات الروسية الصلبة، والتى راحت تضرب بلا قلب العمق الأوكرانى كلما اقترب الأوكرانيون من اختراق أى من خطوط الدفاع على أى محور من محاور القتال، أعيد تسريب خطة كيسنجر، وصار الحديث عن معادلة «الأرض مقابل السلام» الشهيرة لدينا فى العالم العربى على كل لسان خصوصا فى أوروبا؛ فقبل نحو أسبوعين قال ستيان يينسين مدير مكتب الأمين العام لحلف شمال الاطلسى إنه لا يستبعد قبول عضوية أوكرانيا فى الحلف فى حال قدمت تنازلات عن أراضٍ لها إلى روسيا، وذلك كجزء من صفقة لإنهاء الحرب.
يبدو مضمون تصريح يينسين متوافقا مع الواقع الموجود الآن على الأرض بموجب قيام روسيا بضم مناطق أوكرانية مثل شبه جزيرة القرم فى سنة 2014، ولوجانسك ودونيتسك وزابوروجيا وخيرسون العام الماضى.. خصوصا أنه صار من شبه المؤكد أنه يصعب على أوكرانيا بقواتها البرية الحالية، أن تستعيد هذه المواقع دون دعم أطلسى بتشكيلات برية وهو المستحيل بعينه؛ لأن ذلك سيعنى حربا عالمية مباشرة ومن دون أى استعارات أو كنايات بلغة البلاغة العربية.
بعد 18 شهرا على الهجوم الروسى على أوكرانيا صار الجميع منهكا.. أوروبا منهكة.. أمريكا منهكة.. وروسيا منهكة.. ومخازن السلاح شارفت على النفاد.. والبشر فى مناطق كثيرة من العالم يدفعون قسطا من فواتير هذه الحرب.. والجميع يتوق لحل.. لذلك يجرى تسليط أضواء خافتة على «وديعة كيسنجر» من خلال مسئول أطلسى صغير.. ورغم الكثير من العوامل الموضوعية التى تجعل من تحقيق هذا الحل أمرا صعبا.. إلا أنه يبدو كالدواء المر للجسم العليل الذى على الجميع تجرعه؛ فروسيا ستبلعه بقولها: حصلت على الأرض التى أريد.. وأوكرانيا ستقول حصلت على حماية الناتو إلى الأبد.. والتى يمكن إذابة المرارة فى حلقها بعضوية أخرى سريعة فى الاتحاد الأوروبى دون الكثير من تعقيدات القبول بما فيها «معايير كوبنهاجن» التى يقضى المرشحون للعضوية سنوات لاستيفائها.. فمن دون ذلك لا نهاية قريبة للحرب.. فلا روسيا بإمكانها إجبار الجيش الأوكرانى على الاستسلام فى ظل الدعم الغربى له إلا باستخدام السلاح النووى وهو أمر محظور لاعتبارات توازن الردع بينها وبين «الناتو».. ولا أوكرانيا فى مقدورها تحرير الأراضى التى سيطرت عليها روسيا وطرد الجيش الروسى إلى داخل حدوده.