همام من جديد
كمال رمزي
آخر تحديث:
الأربعاء 29 سبتمبر 2010 - 10:12 ص
بتوقيت القاهرة
سببان فتحا باب العودة، مرة ثالثة، لمسلسل «شيخ العرب همام».. أولهما، ذلك القارئ النابه، صاحب الاسم الجليل «أحمد المصرى»، الذى لا أعرفه، والذى نبهنى إلى المغزى العميق لقيام «سلام» بنخس شقيقه الحاكم إذا أخطأ. وفيما يشبه السؤال الذى يتضمن الإجابة، تلميحا يكاد يكون تصريحا، يقول «هل يحس الحكام الآن بنخس الشعب لهم؟»..
هذا التعليق الأقرب للتنوير يثبت عدة أمور فى آن: ثراء «شيخ العرب همام»، الذى يبدو كالنجم، كلما تعمقت فيه، اكتشفت المزيد من خيوط الذهب.. كما أنه التعليق يبين بجلاء قدرة المتفرج اليقظ على التقاط المعنى الكامن فى شفرة العمل الفنى والإعلان عنها، بوضوح واختزال.. وإذا كان المطلوب، نقديا، من الأعمال التاريخية، أن تكون ذات صلة، على نحو ما، بالحاضر، فإن القارئ الذكى، أحمد «المصرى»، يمد الخيط حتى نهايته، حين يشاهد المسلسل التاريخى وفى ذهنه، وضميره، ما يعتمل فى قلب الواقع.
أما الدافع الثانى فى العودة إلى «همام»، فيتمثل فى تلك الندوة الضافية، التى عقدت بين كل من أسرة المسلسل، وأسرة المحررين الفنيين بجريدة «الشروق»، والتى أعدها الزميل وليد أبوالسعود، ولعل أبرز ما فيها تلك الإجابة السياسية الناضجة التى جاءت على لسان الفخرانى، حين طرح عليه السؤال التالى «هل نحن فى حاجة لشيخ العرب همام؟.. قال الفخرانى، المستوعب تماما لتضاريس شخصية «همام»: لا.. نحن نحتاج لمؤسسات تمتلك مقومات وعدالة شيخ العرب، خاصة أنه لم يكن ديمقراطيا بالمعنى الحالى.
فى ذات الندوة، تطرق الحديث، ربما بلا ضرورة، لمسألة باروكة صابرين، التى قد يهتم بها البعض، ولكن أزعم أن الأجدى هو رصد وتحليل قدرة وأسلوب صابرين فى أداء دور «صالحة»، زوجة «همام»، ذلك أن موهبة «صابرين» أكبر من أى «باروكة»، وحتى إذا ظهرت صلعاء، كما فردوس عبدالحميد فى «السائرون نياما»، فإنها ستثبت جدارة لا شك فيها.. «صابرين»، أستاذة الظلال النفسية، تنتقل بسلاسة ونعومة، من انفعال لآخر، وتستطيع بصدق ومهارة أن تعبر عن أحاسيس متضاربة، فى لحظة واحدة، فها هى تحنو على زوجة «همام» الثانية بأداء رقيق لريهام عبدالغفور تعاملها كابنتها، أو شقيقتها الصغرى، ولكن لم يفتها لحظة ذلك الشعور المؤلم بأنها غريمتها، وضرتها. يظهر هذا المزيج المتناقض فى نظرة عين، أو نبرة صوت، أو لمسة يد.. ويتجلى اتساع وعمق فهمها لشخصية «صالحة» فى موقفين، فعندما يداهم المماليك بيت «همام»، تواجههم بشجاعة وصلابة، وتظل على تماسكها وجلدها، ولا تنهار إلا فى لحظة التنوير الفاجعة، حين يهرب شقيقها «الشيخ إسماعيل» مخيون بنظراته منها حينها، وحينها فقط، تدرك أن أجراس النهاية تدق، فتجهش ببكاء مر وغاضب.. صابرين، مع تصريح الفخرانى، مع تعليق القارئ المصرى بحق، أحمد المصرى، أمور فتحت باب العودة لشيخ العرب.