فن القصة

محمد زهران
محمد زهران

آخر تحديث: السبت 29 سبتمبر 2018 - 10:55 م بتوقيت القاهرة

 تعود كاتب هذه السطور أن يتكلم في الأمور العلمية والأكاديمية وتاريخ العلوم وسير علمائنا، إذا فعنوان هذا المقال المكون من كلمتين قد يكون صادماً أو مفاجئاً، ما علاقة القصة بالأمور العلمية والأكاديمية؟

يجب أن نتفق أننا كبشر نحب القصص لأنها مسلية في المقام الأول وتعتبر نوع من الترفيه بجانب طبعاً فوائد أخرى تبعاً لعمق الرواية أو القصة وبراعة الكاتب وثقافته، فهل يمكننا الاستفادة من القصة في الحياة العلمية والأكاديمية؟ هذا ما نحاول أن نناقشه في هذا المقال.

الإجابة تختلف تبعاً للشخص المعني بالحياة العلمية؟

 بالنسبة للصحافة العلمية فإن الصحفي العلمي يخاطب عامة الناس في الغالب الأعظم ولابد أن يشدهم للمعلومة أو الخبر العلمي ولا يوجد أفضل من وضع هذه المعلومة أو الخبر في قالب روائي، في الكثير من صحافتنا العلمية في مصر (على قلتها) أجد أغلب الأخبار مكتوبة بصيغة إخبارية جافة وغالباً مترجمة من خبر أجنبي، هذا لا يشد القارئ إلى القراءة عن العلوم، عندما نقول خبر مثل "تمكنت شركة كذا من تصنيع أقوى كمبيوتر في العالم" فهذا يعتبر أسلوب تقريري جاف، الأفضل كثيراً أن يحاول كاتب الخبر أو المقال البحث عن الفريق الذي إشترك في تصنيع هذا الكمبيوتر والبحث وراء حلم كل منهم عندما بدأ هذا المشروع أو المصاعب التي واجهتهم، إذا لم يتمكن كاتب المقال من الوصول إلى هذه المعلومات فمن الممكن أن يحكي عن التصارع بين الدول على إمتلاك أجهزة كمبيوتر فائقة السرعة ويحكي عن أحداث كان إمتلاك هذا الجهاز سبباً  في تقدم دولة ما على دول أخرى في مجال ما أو حرب ما، إذا لم يتمكن من الوصول إلى هذا أيضاً فمن الممكن أن يتكلم عن قصة شخصية له لها علاقة بالخبر مثل لماذا شده هذا الخبر أو لماذا هو مهتم بأجهزة الكمبيوتر فائقة السرعة ومن الممكن أن يتطرق إلى كيف سيؤثر هذا الخبر على الإنسانية أو على القارئ في المدى البعيد أو القريب، لذلك فإن ليس من المستغرب أو الصحف الغربية تستخدم دائماً مصطلح القصة عندما تقصد الخبر، من أبرع من كتبوا عن الإكتشافات العلمية بأسلوب روائي رائع الكاتب الأمريكي ريتشارد بريستون (Richard Preston) فمثلاً كان له مقال في مجلة النيويوركر الشهيرة عن صراع المعامل الطبية مع مرض الإيبولا، عندما تقرأ هذا المقال لن تستطيع أن تتوقف قبل أن تنتهي منه كاملاً وهو يقع في خمس عشرة صفحة كاملة ولكنك لن تشعر بأي ملل بل ستحس أنك تتابع رواية بوليسية (أو أدب رعب في بعض الأحيان) وأنت تقرأه، هذا الصحفي (الحاصل على درجته العلمية في الأدب وليس العلم بالمناسبة) حاصل على عدة جوائز عن مقالاته العلمية بل إن أحد الكويكبات بالقرب من المريخ مسمى على إسمه من ناسا تكريماً له، ويوجد أيضاً مقال رائع لمالكوم جلادويل (Malcolm Gladwell) بنفس المجلة وهو مقال شيق بالرغم من أنه يتكلم عن مرض السرطان... نحن تكلمنا عن الصحافة العلمية في مقال سابق فلن نعيد ما قلنا هنا... هذا عن الصحافة العلمية فماذا عن الجامعة؟

بالنسبة للأستاذ في الجامعة أمام تلاميذه فليس أفضل من الأسلوب القصصي للحفاظ على تركيز عال للطلاب وجعلهم يحبون المادة العلمية، ليس أسهل من وضع قوانين على الشاشة أو السبورة وقراءة بعض المعلومات من كتاب ولكن الطلبة سينامون أو سينشغلون بشئ آخر ولن ينتبه للمحاضرة إلا من يحبون العلم وهؤلاء سيقرأون في كل الأحوال، الأستاذ يجب أن يجذب الآخرين إلى حديقة العلم وهذا ليس سهلاً ولكن عندنا من الأستاذة في مصر من يقدرون على ذلك بمهارة شديدة وفي الخارج يوجد مثلاً ريتشارد فاينمان الحاصل على جائزة نوبل في الفيزياء سنة 1965 ومع ذلك فهو محاضر لا يشق له غبار فقد كانت القاعة تمتلئ بالطلاب وفي بعض الأحيان بالأساتذة حتى وهو يلقيها لطلبة السنة الأولى، رحل فاينمان عند دنيانا في النصف الثاني من ثمانينات القرن الماضي، أعتقد أن التدريس بهذه الطريقة يجب أن يكون من مكونات دورات إعداد المعلم الجامعي بل والمدرسي أيضاً.

بالنسبة للباحث مع فريقه البحثي فإن الأسلوب القصصي سيجعل الفريق البحثي يحس بمناخ غير رسمي وهذا يساعد على تبادل الأفكار والإعتراضات بدون خوف، الباحث أيضاً يتم دعوته لإلقاء محاضرات في مؤتمرات أو خلافه والأسلوب القصصي كما قلنا يسهل إنتقال المعلومة ويجعل الجمهور منتبه.

الأسلوب القصي مهم أيضاً عندما يتحدث العلماء مع صانعي القرار ولكن هذا موضوع يحتاج مقالاً آخر

والآن هلا تعلمنا كيف نحكي؟

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved