عطر كليوباترا

حسين عبدالبصير
حسين عبدالبصير

آخر تحديث: الأحد 29 سبتمبر 2019 - 9:20 م بتوقيت القاهرة

أعلن عدد من علماء الآثار أنهم اكتشفوا عطرًا من خلال حفائر البعثة الأثرية لجامعة هاواى الأمريكية فى مدينة منديس الأثرية فى منطقة تمى الأمديد فى محافظة الدقهلية، وأنهم نجحوا فى إعادة تركيبه فى معامل جامعة أمريكية. وقاموا بتصنيع العطر من خلاصات نباتات وأعشاب أحضروها من نفس المناطق التى جاءت منها مواد صناعة العطور فى مصر القديمة. ومن الغريب أنهم ادعوا أن هذا العطر قد استخدمته الملكة البطلمية الشهيرة الملكة كليوباترا السابعة!
ومن المعروف أن قوام العطور فى العالم القديم كان أكثر كثافة بكثير مما يُستخدم الآن؛ إذ كان يشبه إلى حد كبير قوام الكريمات الحالية. ومن الجدير بالذكر أن هناك معرضًا أثريًا فى العاصمة الأمريكية واشنطن دى سى افتتحته الجمعية الجغرافية الأمريكية بعنوان «ملكات مصر»، وتشمل معروضاته قارورات هذا العطر المعاد إنتاجه. وطبعًا يرجع ذلك الادعاء بأن كليوباترا قد استخدمت هذا العطر إلى أن الأمر يعد مثيرًا أن يشم الإنسان العطر الذى استخدمته هذه الملكة الجميلة الساحرة كليوباترا والذى تعطرت به وأن أحدًا لم يشم هذ العطر منذ أكثر من ألفى سنة. ودون شك فإن كليوباترا كانت على دراية كبيرة بالعطور، وكانت تُستخدم العطور الأكثر قيمة وشهرة فى العالم فى عهدها الشهير تاريخيًا وحضاريًا.
وهذا الكلام ليس له أساس من الصحة وينافى الحقيقة العلمية لأسباب عدة. فكيف عرف هؤلاء العلماء أن الملكة كليوباترا استخدمت هذا العطر؟ فلا توجد حقيقة وحيدة تربط هذا العطر المكتشف فى هذا الجزء من الدلتا بهذه الملكة الساحرة. وهذا الجزء من الدلتا وأعنى مدينة منديس، فى موقع تمى الأمديد، عاصمة الأسرة التاسعة والعشرين الفرعونية، كان بعيدًا جدًا عن بلاط الملكة كليوباترا فى مدينة الإسكندرية على شاطئ البحر المتوسط.
ومن المعروف أن كليوباترا كانت نهايتها بعد معركة أكتيوم البحرية التى كانت بعيدة تمامًا عن هذا الموقع الذى تم فيه اكتشاف بقايا العطر من قبل هذه البعثة. ومن المعروف أن مدينة الإسكندرية كانت عاصمة الملكة كليوباترا وكان بها العديد من رجال العطور ومصانع العطور التى كانت تتعامل مع البلاط الملكى مباشرة فى الإسكندرية.
ولا يوجد أى دليل أثرى واحد يوضح ارتباط كليوباترا بالمكان ولا ارتباط هذا العطر بها. والحقيقة إن البعض يحاول أن يحقق شهرة من وراء أى اكتشاف يقوم به وينسبه لأية شخصية تاريخية مشهورة مثل كليوباترا السابعة الملكة البطلمية الشهيرة أو إلى الإسكندر الأكبر الفاتح العظيم فى العالم الكلاسيكى. وبالفعل قد تم تقديم العديد من الأعمال الرصينة التى تناولت حياة كليوباترا بشكل صحيح.
ومن المعروف أن المصريين القدماء استخدموا العطور. وعثرنا على العديد منها وكذلك على الورود مثل الورود التى وجدت فى مقبرة الفرعون الذهبى توت عنخ آمون والتى تركت فوق تابوت أرملته الشابة عنخ إس إن آمون. إذن فمعرفة العطور أمر ليس غريبًا على المصريين القدماء، لكن ربط هذا العطر تحديدًا بكليوباترا السابعة الساحرة الجميلة هو الأمر الغريب والمخالف للعلم والمنطق.
واتباع المنهجى العلمى فى نشر الأخبار عن الاكتشافات الأثرية الحديثة ضرورة، وذكر الحقيقة العلمية لا الإثارة هو المطلوب من علماء الآثار. وكليوباترا بريئة من هذا العطر المنديسى.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved