انفصـــال (نـــادر وسيمـــــين) الإيراني يكشف أوجاعنــا

خالد محمود
خالد محمود

آخر تحديث: السبت 29 أكتوبر 2011 - 6:35 م بتوقيت القاهرة

قليلة هى السينما التى تعكس بحق أوضاع مجتمعاتها، وتنصب لها فخا فنيا ليكون بمثابة إما رصاصة رحمة على مكان وبشر، وإما نظرة اتهام صريحة لواقع سياسى واقتصادى، أو مرآة تكشف المستور رغم ما يحيطها من رقابة لا حدود لها، وإما صورة حلم يجعل حامله يتخطى كل مآسى الزمن وقهر الحكام وتقاليد أصولية مميتة.

 

قبل أن أشاهد الفيلم الإيرانى «انفصال نادر وسيمين» الفائز بالدب الذهبى لأعرق مهرجانات العالم ــ برلين السينمائى ــ سمعت كثيرا عن موهبة مخرجه، وكيف أنه استطاع أن يطرح قصته الملتهبة والمتشابكة مع الشارع والمدينة والبلد ككل وسط نظام تعود أن يقمع مبدعيه ومازال، بحجة أنهم تمردوا أو انتقدوا وسخروا من أنفسهم كمواطنين.. من نظامهم كوطن.. من واقعهم.

 

جاء المخرج أصغر فرهادى ليلخص المشهد الإيرانى فى أشخاص هم نتاج نزاع واحد وهو الكفاح من أجل البقاء، فى مقدمة هؤلاء الأشخاص يأتى نادر (موادى بيمان) وسيمين (ليلى حاتمى) وهما زوجان ينتميان للطبقة الوسطى، نراهما فى المشهد الأول داخل مبنى حكومى يتقدمان معا بطلب للطلاق بالتراضى، فكلاهما أحب الآخر وأنجبا فتاة هى الآن فى فترة المراهقة، لكن يبدو أن تشابك مشاكل الواقع قد ألقت بظلالها على واقعهما وحياتهما الصغيرة..لم يعد أى منهما يشعر براحة فى ممارسة طقوس حياته اليومية بشكل طبيعى، فـ«سيمين» الزوجة تريد أن تهجر البلد لتعيش بعيدا مع أمها مصطحبة معها ابنتها تيرمين (سيرينا فرهادى) لشعورها وإيمانها بأن بيتها اليوم لم يكن ملائما لتربية الفتاة كما تريد.

بينما نرى الزوج الذى ملأته مواصفات الطيبة..فزوجته أيضا تراه كذلك، لا يريد الرحيل من وطنه الأصغر لأنه يريد أن يبقى ليرعى والده المصاب بألزهايمر وأشياء أخرى، أراد ألا يترك جذوره يعصف بها الزمن.

 

 ويصل بنا المخرج إلى ذروة الأزمة الإنسانية عبر حوار تتوارى فيه المشاعر بين لحظة وأخرى، وإيقاع لاهث أيضا مثل ساعات اليوم، والحقيقة أنك تشعر بأن نادر وسيمين يجلسان فى حجرة منزلك ويتجولان من حولك، فهما يتحدثان بلغة أقرب ما تكون للغة واقعية ومؤثرة دون لغو أوثرثرة أو حتى فذلكة..أيضا الصورة السينمائية أخذت بيدك لتضعك كجزء من الحدث أو كشاهد عيان على أثره.

 

فى الشق الثانى من الحدوتة نرى الزوجين وهما يبحثان عن من يعتنى بالأب يغرقان فى عالم آخر لأزمة أسرة جديدة..فهناك امرأة مكافحة زوجة تأتى لترعى الأب، لكنها تتأخر يوما بسبب احضار طفلتها من المدرسة، وفى تلك اللحظة يتعرض الأب العجوز لأزمة صحية، وبالتالى يثور ابنه الذى ينقذه فى اخر لحظة، ويضطر لطرد تلك المرأة التى لم تراع والده، بل يدفعها دفعا للخروج من المنزل وسط اعتذاراتها، لكنه يصر على طردها وعندما يدفعها على السلم تتعرض لأزمة وهى أنها تفقد طفلها الذى كانت حامل به، وهنا نرى زوجها يثور على ما حدث ويذهب إلى المحكمة ليطلب بحقها وهو منهار تماما، ولكن كان هذا الانهيار نموذجيا! حيث كان الأداء أكثر من رائع وكشف عن ممثل يملك قدرات هائلة، ولم يكن حسين شهاب مجرد سارق شاطر للكاميرا، لكن أيضا حقق رغبة مخرجه من طرحه للأزمة، فنحن فى غرفة المحقق الضيقة، والزوج الجانى يجلس مدافعا عن نفسه بأنه لم يكن يقصد ذلك، بينما إيقاع الزوج الذى فقد طفله الجنين يزداد سخونة وانفعالا، وترجوه زوجته أن يهدأ؛ لأنها تريد أن تواصل حياتها أيا كانت الخسائر.. وفى الوسط تقف الابنة التى هى فى الحقيقة ابنة المخرج أصغر فرهادى لتدلى بشهادتها وسط دموع وتساؤلات حو المستقبل.

 

وطوال 123 دقيقة تظل مشاعرنا وأفكارنا خاضعة لتطورات الأحداث السريعة التى لم نشعر بها، وخلال القصة يتنقل فيها وجداننا من شخص لآخر، بل تعاطفنا مع الجميع، فهم جزء من مجتمع يحاول عقلاءه من المواطنين متوسطى الحال إنقاذه من التصدع رغم وجود شرخ فى جدار علاقة الأفراد بعضها البعض.

 

أبدع المخرج أصغر فرهادى مثل أبطال قصته فى جعل المساحة المتاحة للتنفس ضيقة حتى يستنشق المشاهد الأزمة ويعرف أنها تشكل جزءا من واقع لم يكن ببعيد عنه، وربما تجىء الحبكة السينمائية المؤثرة والمحرضة على التفكير منذ البداية للنهاية بموسيقاها وزوايا تصويرها القريبة وراء فوز الفيلم بجائزة مهرجان برلين الكبرى، وأيضا بجائزة لجنة التحكيم بمهرجان أبو ظبى السينمائى الدولى، وما أدراك ما جائزة لجنة التحكيم..ولم ننس أن المخرج فاز أيضا عن فيلمه «عن إلى» بجائزة الدب الفضى لأفضل إخراج فى مهرجان برلين عام 2006 وشهد عرضه الأول فى الشرق الأوسط خلا مهرجان أبو ظبى أيضا.

 

 

 

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved