التحديات المقبلة لسياسة مصر الخارجية

مصطفى كامل السيد
مصطفى كامل السيد

آخر تحديث: الإثنين 29 أكتوبر 2012 - 10:06 ص بتوقيت القاهرة

لا أميل كثيرا للكتابة عن السياسة الخارجية لمصر ولا لأى دولة أخرى، فلست متخصصا فيها، وبعض زملائى من أساتذة العلوم السياسية هم بارعون فى تناولها، وأجد نفسى متفقا مع ما يأتى على هذه الصفحة من جانب أقدرهم، ومع ذلك أجد نفسى فى الفترة الأخيرة مهموما بقضاياها بقدر اهتمامى بأحوال مصر الداخلية، وذلك لأسباب عديدة منها تخبط الأداء فى هذا المجال،

 

ومنها ما لمسته فى زيارة أخيرة للهند ضمن وفد للمجلس المصرى للشئون الخارجية، تحاور حول سياسة مصر الخارجية مع مسئولين هنود على أعلى المستويات، فى الحكومة وفى معاهد أبحاث بارزة تهتم بسياسات الدفاع وبقضايا التنمية، وفى مقدمتها المجلس الهندى لشئون العالمية الذى نشأ فى سنة 1943 قبل الاستقلال، وساهم فى وضع معالم سياسة الهند المستقلة.

 

 

وضع حجر أساس مبناه الحالى فى سنة 1954 جواهار لال نهرو أول رئيس لوزراء الهند بعد الاستقلال، وقد تبينت الفارق الواضح بين اعتماد صانعى السياسة الخارجية الهندية على مراكز الفكر هذه، وبين تجاهل صانع السياسة الخارجية فى مصر بعد الانتخابات الرئاسية لكل خبراء السياسة الخارجية المصريين أفرادا أو مؤسسات، بل لقد لمست ذلك قبل سفرى مباشرة عندما كاشفت أحد أعضاء الهيئة الاستشارية للرئيس أنه من العبث أن نذهب فى هذه الزيارة الهامة للهند لكى نتحدث عن سياسة مصر فى كافة المجالات ولا نلتقى بمسئول رسمى واحد يشرح لنا رؤية الرئاسة أو الحكومة، وأفترض أنها يعملان بالتناسق حول هذه الأمور. وقد تحدثت فى هذه الحوارات عن الأمور التى أعرف عنها بحكم اهتماماتى العلمية مثل طرح رؤية لقضايا الاقتصاد الدولى التى تهم البلدان النامية، وطبيعة النظام العالمى وأخيرا ثورات الربيع العربى، وسعدت كثيرا أنه لم يطلب منى أن أتحدث عن السياسة الخارجية المصرية، فلم يكن هناك ما أستطيع الاستناد إليه من رؤية رسمية شاملة لهذه السياسة تخرج عن باب التمنيات الطيبة والدعوات الحميدة، ولذلك هنأت بشدة زميلى الذى تولى الحديث عن هذا الموضوع، وقلت له أنه نجح نجاحا هائلا، حيث لم تكن هناك، ولا توجد حتى هذه اللحظة، وثيقة رسمية يعتد بها تشرح أبعاد هذه السياسة.

 

ولكن دواعى قلقى تتجاوز بكثير هذه الاعتبارات الشخصية، وإنما تنبع من اعتقادى العميق بأننا سنواجه فى السنوات القليلة المقبلة بتحديات صعبة فى مجال سياستنا الخارجية، ولا أظن أن تجربة إدارة السياسة الخارجية لمصر بعد الانتخابات الرئاسية توحى بأننا قادرون على مواجهة هذه التحديات.

 

 

 

وعلى كثرة هذه التحديات فى المحيطين العالمى والإقليمى والتى تتنوع ما بين ضرورة التعامل مع دول الخليج التى نعتمد عليها كمستورد للعمالة المصرية ومصدر لعملات صعبة نادرة ولاستثمارات مهمة ومعونات تشتد حاجتنا لها فى هذا الظرف الاقتصادى الدقيق الذى نواجهه الآن، وفى ظل عدم حماسها لثورات الربيع العربى بما فيها الثورة المصرية، ومن ضرورة الاتفاق على نظام جديد لنهر النيل يأخذ فى الاعتبار مصالحنا المشروعة، إلا أن أخطر التحديات تأتى من جانب كل من الولايات المتحدة وإسرائيل، فضلا عن عدم كفاءة الفريق المسئول فى رئاسة الجمهورية عن إدارة علاقات مصر الخارجية.

 

 

 

●●●

 

أول هذه التحديات بلا شك هو ما يأتى من جانب الولايات المتحدة الأمريكية، فأيا كان المرشح الفائز فى انتخابات نوفمبر بعد أسبوع، فإنه سيقع بلا شك تحت ضغوط من الكونجرس الأمريكى، الذى لا يتحمس كثيرا لوجود رئيس إسلامى التوجه على قمة الدولة المصرية، وسوف تأتى قضية تطبيع العلاقات مع إسرائيل فى مقدمة اهتمامات الكونجرس فيما يتعلق بمصر، وإذا كان الرئيس مرسى قد نجح حتى الآن فى تجنب الالتقاء بمسئولين إسرائيليين، وتوقفت الاتصالات بين مسئولين مصريين ومسئولين إسرائيليين إلا المسئولين الأمنيين، فلا يبدو أن أصدقاء إسرائيل سوف يصبرون على ذلك طويلا، ولن تقنعهم صياغة خطاب اعتماد السفير المصرى لدى إسرائيل والمكتوب بلغة وزارة الخارجية فى العهد الملكى، أو مشاركة قيادات من حزب الحرية والعدالة فى لقاءات غير رسمية مع شخصيات إسرائيلية رسمية فيما يعرف بمحادثات الطريق الثانى. لقد أعرب رئيس الوزراء الإسرائيلى عن رغبته فى زيارة القاهرة، والقاهرة ملزمة بحكم المعاهدة التى وقعتها مع تل أبيب بتطبيع العلاقات، ولا يتفق مع ذلك من وجهة النظر الأمريكية تجنب المسئولين المصريين لقاءات علنية وتبادل الزيارات مع المسئولين الإسرائيليين، والأمريكيون مشهورون برؤيتهم العملية للأمور، وهم يتصورون أنهم طالما أنهم يقدمون معونة عسكرية لمصر ويساندون حكومتها فى المؤسسات المالية الدولية، فهم يتوقعون مقابلا، ولا اقل فى رأيهم من تجاوب الحكومة المصرية مع رؤيتهم لما يعتبرونه مهما فى السياسة الخارجية.

 

 

 

وقد كشفت المبارزة الكلامية بين مرشحى الرئاسة الأمريكية الأسبوع الماضى عن القضايا التى يعتزمات إثارتها مع الحكومة المصرية، وهى فضلا عن الالتزام بمعاهدة السلام، ومقاومة الجماعات المسلحة فى سيناء التى تشكل من وجهة نظرهم، تهديدا لأمن إسرائيل، فهما أيضا مهتمان بأوضاع حقوق الإنسان فى مصر، وخصوصا حقوق الأقليات وأوضاع النساء، والحق يقال إن حكومة الدكتور مرسى تغاضت تماما عن هاتين المسألتين، كم سيدة اختارها د. مرسى أو رئيس وزرائه فى حكومته، وكم مسيحيا اختاراهما لشغل منصب وزارى، ألا يبدو مبارك أكثر حساسية لهذين الملفين من الرئيس مرسى وحكومته. لقد كان مبارك هو أول من عين محافظا مسيحيا، وتراجعت حكومة مرسى عن اختيار حتى نائب محافظ من بين الأقباط، علما بأنه كان من المعروف أن عيون العالم كله مصوبة نحو اختيارات الرئيس الإسلامى لحكومته بحثا عن وضع النساء والأقباط فيهما، ولم ينجح الرئيس مرسى حتى الآن فى هذا الاختبار، ليس أساسا لإرضاء هذه العيون الأجنبية المتطلعة إليه، ولكن لأن مصر ما بعد ثورة يناير يجب أن تكون نموذجا بارزا لاحترام الحق فى المواطنة، الذى يعنى عدم التمييز والمساواة الكاملة فى الحقوق بين كافة المواطنين.

 

 

 

●●●

 

ولا شك أن أحد أهم أسباب شدة الضغوط الأمريكية المتوقعة فى ظل أى إدارة أمريكية قادمة هو الاحتمال الكبير أن يخرج بنيامين نتانياهو فائزا فى انتخابات الكنيست القادمة فى إسرائيل، ومن ثم يحتفظ بمنصبه رئيسا لوزراء إسرائيل، لكى يواصل سياساته العنصرية المتطرفة فى التوسيع الرسمى للكيان الصهيونى بتكثيف حركة بناء المستوطنات على أراضى الضفة الغربية وباستمرار ملاحقة الفلسطينيين فى غزة ومتابعة حصارهم طالما بقيت حماس على رأس الحكومة هناك. وسوف يبذل قصارى جهده لإثارة العقبات أمام حكومة الدكتور مرسى.هو مهتم بألا تكون سيناء مصدرا لتهديد أمن إسرائيل، ولكنه يعارض أى تعديل فى الملحق الأمنى للمعاهدة المصرية الإسرائيلية، وهو لن يكون قانعا باللغة الودية فى خطابات الرئيس مرسى للمسئولين الإسرائيليين، وسوف يطالب بالتطبيع الكامل للعلاقات مع إسرائيل، وسوف يراقب جيدا اتصالات الحكومة المصرية بحكومة حماس التى يعتبرها حكومة إرهابية، كما لن يغفل العين عن أى تطورات مقبلة فى العلاقات المصرية الإيرانية، وسوف يستخدم أصدقاءه الكثيرين فى واشنطن لممارسة الضغوط على الحكومة المصرية.

 

 

 

●●●

 

ليس من المستحيل على إدارة مصرية ماهرة التصدى لهذه التحديات، يمكن التقليل منها بكل تأكيد بسد الأبواب المفتوحة التى تنفذ منها الرياح السامة. سجل حكومة الرئيس مرسى فى احترام حقوق التعبير وحقوق غير المسلمين عموما بل وبعض المسلمين الشيعة يترك كما يقولون المجال للكثير الكثير من التمنى، مرة أخرى ليس انصياعا لضغوط خارجية، ولكن ترجمة لشعارات الثورة بما فيها من دعوة للحرية وللكرامة الإنسانية، والتقدم فى هذا المجال من شأنه وقف بعض هذه الضغوط، كما يمكن مثلا رهن أى خطوة على طريق التطبيع بخطوات مماثلة تقدم عليها إسرائيل نحو احترام الحقوق المشروعة للفلسطينين ووقف الاستيطان وكل سياساتها العدوانية، ولكن مثل هذا النجاح يقتضى إدارة ماهرة لعلاقات مصر الخارجية، تختلف عن أسلوب إدارة السياسة الخارجية الحالى الذى يتسم بالتخبط بين ماهو معلن وما يجرى من وراء ستار، أو يطرح مبادرات مثل مبادرة الرباعية الشهيرة التى أعلنت دون إعداد كاف ولا تفكير متعمق، ولذلك لم تزل لا تبارح مكانها الأول. ولا تتوافر هذه الإدارة فى مستشارى الرئيس الذين لم تعرف عنهم أى خبرة فى هذا المجال، ولن يحصل عليها الرئيس بتجاهل التشاور مع أجهزة الدولة المصرية صاحبة التقاليد فى السياسة الخارجية، والاستعاضة عنها بنصائح بعض أعضاء مكتب الإرشاد لجماعة الإخوان المسلمين

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved