أين ذهب عقل الدولة المصرية؟

مصطفى كامل السيد
مصطفى كامل السيد

آخر تحديث: الإثنين 29 نوفمبر 2010 - 10:18 ص بتوقيت القاهرة

سوف تقرأ عزيزى القارئ هذه السطور عندما تكون النتائج الأولية لانتخابات مجلس الشعب قد ظهرت، ولكنى لن أحدثك عنها، وليس لأنى أكتب هذه المقالة قبل يومين من إجرائها، ولا أعرف ما ستكون عليه، ولكن النتيجة معروفة مقدما، وهى لا تقتضى مشاركة الناخبين، فمن يحكموننا قد برعوا فى إجراء هذه المسرحية، ويوحون لجمهورها أن ختامها غير محسوم، ولكن جمهور هذه المسرحية جمهور يقظ، وهو لا ينخدع بمثل هذا الادعاء..

والواقع أن مشهد الانتخابات فى الأيام الأخيرة لحملتها بالغة القصر هو أقرب إلى مباراة فى كرة القدم يخوضها فريقان، يتظاهر أحد الفريقين بالتماسك، بينما يصر أعضاء الفريق الثانى على الابتعاد عن اللعب الجماعى. وهم يفرحون عندما يلحق الأذى ببعض أعضاء فريقهم، وهم سعداء عندما يخرج حكم المباراة عن حياده، ويأمر هذا البعض من فريقهم بالخروج من المباراة بلا سبب، وحتى عندما يبدو أن هذا البعض هو على وشك إحراز بعض الأهداف، فإنه يبادر على الفور بأن يأمرهم بالخروج من الملعب، بل إنه لا يريد أيضا أن ينضم لاعبون آخرون للفريق الأول رغم أن الاتحاد الدولى لكرة القدم يسمح لهم بدخول المباراة،

بل إنه يعاملهم تماما كما يعلم بعض أعضاء الفريق المنافس، مصرا على استبعادهم من اللعب، وعندما يكتشف أنه رغم كل سلوكه الغريب، فمازال لدى بعض أعضاء هذا الفريق المنافس القدرة على التصويب الناجح، فإنه يلجأ فى هذه الحالة إلى تغيير قواعد اللعب. فيحاول استبعادهم جميعا فى وسط المباراة، غير آبه بأن الاتحاد الدولى الفيفا قد يقرر إلغاء المباراة بسبب تصرفاته تلك.

كيف تصرف جهاز الدولة أمام أحداث العمرانية؟
هناك أمر أهم وأخطر من هذه المباراة الغريبة التى تخالف كل القواعد المرعية فى كرة القدم، وفى الانتخابات ذات مصداقية على مستقبل هذا الوطن، والذى يرتبط أشد الارتباط بما تقوم به دولته لحمايته والحفاظ على تماسكه. ولعلك قد تملكك القلق، بل الخوف الشديد على وحدة مجتمعنا واستمرار العلاقات الطيبة بين مواطنيه وأنت تتابع أنباء ما جرى فى العمرانية وفى شارع الهرم. ولعلك لاحظت مثلى أن حكومة الدكتور أحمد نظيف لم تجتمع لتدارس ما حدث وتدارك أسبابه، ولم تجتمع أمانة الحزب الوطنى لتحدد موقفها من هذه الأحداث.

 

طبعا رئيس الدولة لم يكن موجودا فى مصر عندما جرت هذه الأحداث. وهو استكمل زيارته لبعض دول الخليج التى لا أعرف سببا ملحا لها، بعد سفر الملك عبدالله ملك السعودية لإجراء جراحة فى الولايات المتحدة. وكان قد قيل إن الرئيس كان يعتزم زيارته للاطمئنان عليه.

لم يقطع الرئيس زيارته تلك، ولا يبدو أن أيا من كبار المسئولين الحكوميين أو الحزبيين رأى داعيا للاجتماع أو لاستئذان الرئيس فى الاجتماع. ألا يجعلك ذلك تشعر بأن تقدير هؤلاء القادة الحكوميين والسياسيين لمسئوليتهم عما يجرى من أحداث جسام فى هذا الوطن لا يتفق إطلاقا مع خطورة هذه الأحداث. بل قد ترى مثلى أنه حتى ولو كان الرئيس موجودا على أرض الوطن لما بادر هو بعقد مثل هذا الاجتماع.

ولكن ما هو السبب فى ذلك. أستبعد ما جنح إليه البعض من أن الحزب الوطنى الحاكم يستفيد من هذه الأحداث التى تصرف ذهن المواطنين عن صعوبات حياتهم.

والتى تعود فى جانب كبير منها إلى إخفاق هذا الحزب وحكومته فى توفير فرص الحياة الكريمة لأغلب المواطنين، والسبب الذى أقترحه هو أن هؤلاء القادة لا يرون بالفعل خطورة هذه الأحداث. ولا آثارها المدمرة لاستقرار هذا الوطن. وقد يعود جانب من أسباب هذا الإخفاق إلى غياب أى تربية سياسية لهم. فهم فى غالبيتهم إما خبراء فى بعض المسائل التى تتعلق ببعض أعمال وزاراتهم، أو هم على الأقل يحملون شهادات جامعية منها درجة الدكتوراه فى هذه الموضوعات، ولكنهم يتفادون ما لا يدخل فى هذه الاختصاصات باعتبار أن تلك هى شئون سياسية،

والشئون السياسية هى حكر على الرئيس وابنه والسيد صفوت الشريف. وعندما يتعلق الأمر باستقرار النظام، فالكلمة الأولى هى لوزارة الداخلية. ونظرا لأن الأمر فى تصور قيادات محافظة الجيزة كان يمكن أن يؤدى إلى مواجهات بين مسلمين وأقباط فقد تركوا الأمر فى يد قوات الشرطة. ولم يراجعهم أحد فى هذا التفسير والتصرف. وتوحى قراءة الصحف التى تنطق عادة برؤى الحزب الحاكم أن هذا هو ما انتهت إليه قياداته.
أين الحكمة فى هذا التفسير وذلك التصرف الذى دعا آلافا من المواطنين إلى التوجه إلى مبنى محافظة الجيزة وقذفها بالحجارة، وما امتدت إليه أيديهم. ألا نرى جميعا أن خط الاحتقان والصدامات الطائفية هو فى تصاعد مستمر، وأن الأمر يتحول بالفعل إلى ما يشبه الرفض من جانب مهم من المواطنين لأجهزة الدولة، لا يرون فيها حارسا أمينا لمصالحهم، ولا ضامنا لحرياتهم الأساسية.

ماذا لو كان هناك عقل جماعى للدولة؟
لو كان هناك عقل للدولة فى هذا الموقف لتنبه على الفور لخطورته، ولسعى سريعا لوأد الفتنة قبل أن تستفحل. ولخرج بالاستنتاج الصحيح فى هذه الظروف بأن تلك قضية لا تترك لجهاز أمن لم يتلق تعليما سياسيا، ولا يجيد سوى ملاحقة المواطنين الذين يتصور أنهم خطر على استقرار الحكم.

أتصور أن المهمة الأولى لهذا العقل. والذى هو عقل جماعى لدولة ناضجة مسئولة، كانت هى نصح رئيس الدولة بأن يتوجه مباشرة وعلى الفور بخطاب لكل المواطنين بأن بناء الكنائس، مثل بناء المساجد هو بناء لدور العبادة تكفله الدولة لجميع المواطنين دون أى تمييز بينهم على أساس العقيدة، وأن ذلك يتفق مع تعاليم الإسلام الصحيح، وأن التقاعس عن السماح للمسيحيين ببناء دور العبادة الخاصة بهم هو تقاعس عن احترام التزامات أولية للدولة تجاه مواطنيها، كما أنه خروج على تعاليم الإسلام الصحيح وأقوال رسوله الكريم.
فى هذا الموقف، وفى مواقف أخرى مماثلة يدفع المجتمع ثمنا غاليا لغياب مثل هذا العقل الجماعى للدولة الذى يرى مصلحتها العامة وليس الحسابات الضيقة لبعض من يحكمونها. وقد غاب هذا العقل أيضا عن إدارة العملية الانتخابية. تسمح الدولة لبعض المرشحين بخوض الانتخابات، ولكن لا تسمح لهم بالقيام بالدعاية الانتخابية.

وعندما يشتكون وغيرهم للقضاء لا تنفذ أحكام القضاء، فيأمر القضاء بإلغاء الانتخابات فى العديد من الدوائر، وتصر قيادات الدولة رغم ذلك على إجراء الانتخابات، وتكون النتيجة بعد وقت قصير هى حكم القضاء ببطلان انتخابات مجلس الشعب الجديد. وتزداد الهوة بين المجلس النيابى والمواطنين الذين يفترض أن يمثلهم. أين هو العقل فى كل هذه التصرفات؟.

قد يتصور البعض أن العقل الجماعى الرشيد للدولة المصرية سيعود مع الانتخابات الرئاسية المقبلة. ولكن إذا كان المرشح المؤكد فوزه فى هذه الانتخابات هو من نفس القيادات التى تحكم مصر الآن، فسنكون أمام فترة طويلة من غياب هذا العقل. بكل ما ينطوى عليه ذلك من أخطار على استقرار الوطن، والعيش الكريم لمواطنيه.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved