مقلاع داوود

سيد قاسم المصري
سيد قاسم المصري

آخر تحديث: الخميس 29 نوفمبر 2012 - 8:00 ص بتوقيت القاهرة

تحتل قصة داود وجالوت مكانا بارزا فى الديانة اليهودية والموروث الثقافى والتاريخى لليهود وهى تمثل انتصار الحق متمثلا فى الإنسان الصغير الضعيف (داوود) على الباطل يمثله جالوت القوى الغاشم الظالم.. وقد حكى القرآن الكريم أطرافا من هذه القصة فى سورة البقرة، ويحلو لإسرائيل أن تصور نفسها بأنها الفئة القليلة التى تتصدى للفئة الكثيرة الباغية، وطوال العقود الماضية ومنذ نشأتها نجحت إسرائيل فى أن تقدم نفسها للعالم على أنها الفئة القليلة المضطهدة والمحاطة ببحر من العداء العربى المصر على محوها من الوجود وإلقائها فى البحر، ففى عام النكبة، عام 1948، كانت الأبواق الصهيونية تفخر بالدولة الوليدة الناشئة التى استطاعت أن تهزم الجيوش العربية السبعة التى غزتها يوم مولدها، وبعد «النكسة» عام 1967، كان الخط الإعلامى الإسرائيلى يقدمها للعالم على أنها داود الذى هزم جالوت الجبار.

 

•••

 

وكم كان الملك عبدالعزيز بن سعود حكيما عندما قال لزملائه الحكام العرب فى عام 1948 لا ترسلوا جيوشكم.. أرسلوا المال والسلاح ودعوا العصابات تحارب العصابات، وقد تحققت وصية الملك عبدالعزيز ولكن بعد أن أتم الزمن دورته حتى وصلنا إلى عام 2012 وتنظر إسرائيل حولها فلا تجد الجيوش المجيشة.. تنظر إسرائيل فتجد أن نظيرها فى ساحة القتال ليست أصغر الكيانات العربية فحسب بل أصغر جزء مما تبقى فى فلسطين.. غزة التى أصبحت نظيرا لها تتفاوض معها على شروط وقف القتال.. وتنتقل وزيرة خارجية أمريكا إلى القاهرة للإشراف على عملية التفاوض وتملى حماس شروطها وتحصل على معظمها.. فما الذى حدث وكيف أصبحت غزة الصغيرة المحاصرة المنهكة هى داود الجديد الذى نال من جالوت الإسرائيلى ذى الرءوس النووية والقبة الحديدية ــ التى أعادت إسرائيل تسميتها بمقلاع داود؟ فما الذى جعل إسرائيل تحجم عن الغزو البرى بعد أن حشدت القوات واستدعت الاحتياطى؟ وما الذى جعلها تمكن حماس من تحقيق نتيجة دفعت بها إلى مصاف الدول النظيرة؟ وهل تغرى إسرائيل نفسها بأن إيصال حماس إلى دائرة الضوء العالمى هو تكريس للانقسام الفلسطينى؟ ومن ناحية أخرى هل سيعلو صوت خيار المقاومة المنبعث من غزة على خيار التفاوض الباهت المقيم فى رام الله؟ وقد يكون الوقت مبكرا للإجابة عن كل هذه الأسئلة ولكن المستيقن الآن أن هناك عناصر جديدة طرأت على الموقف على رأسها التغيرات التى طرأت على العالم العربى وزوال الكنز الاستراتيجى لإسرائيل، وحرص والولايات المتحدة على رعاية تيار الإخوان المسلمين والدفع به ليكون التيار الإسلامى السائد بين مختلف التيارات الأخرى خاصة، وقد نجح فى الامتحان الأخير واستخدم نفوذه لدى حماس التى هى رافد من روافده فى اتجاه أثار إعجاب الولايات المتحدة ومديحها، والمتغير الثانى هو الخطأ السياسى الكبير الذى وقع فيه نتنياهو نفسه بإعلانه صراحة تأييد المرشح الجمهورى ميت رومنى فى الانتخابات الأمريكية.. فإذا أضيف ذلك إلى المودة المفقودة بينه وبين اوباما منذ زمن طويل فإن السؤال المطروح فى إسرائيل هو هل نتنياهو هو الزعيم المناسب لإسرائيل فى هذه المرحلة.. فالرأى العام الإسرائيلى يريد من زعامته أن تكون على أعلى درجات المودة والحميمة الشخصية مع الرئيس الأمريكي.

 

•••

 

وأما المتغير الثالث والأهم فهو مفاجأة صواريخ جراد ووصولها إلى هرتسيليا وضواحى تل أبيب والقدس وإصابة أهداف وقتلى وجرحى إسرائيليين وفشل إسرائيل فى القضاء على منصات الإطلاق التى كان معظمها تحت الأرض والمتغيرات كثيرة وليس أقلها عودة القضية الفلسطينية إلى الصدارة وتوالى زيارات المسئولين العرب لغزة.. ثم موقف الجامعة العربية وأمينها العام الذى طالب بإعادة النظر فى جميع المبادرات العربية وإعلان فشل أسلوب الرباعية الدولية والتركيز على لب المشكلة، وهو الاحتلال الإسرائيلى للأراضى العربية الذى أصبح الآن هو أطول احتلال لأراضى الغير عرفه التاريخ الحديث.

 

وهذا يقودنا إلى التحرك الفلسطينى المرتقب فى الجمعية العامة للأمم المتحدة لمنح فلسطين صفة المراقب كدولة غير عضو بالأمم المتحدة وهو الأمر الذى سيعطى اعترافا دوليا بالأراضى الفلسطينية كأراضى دولة محتلة من قبل دولة أخرى وليست أراضى متنازعا عليها.. وقد يقول قائل ولكن فلسطين تتمتع حاليا بوضع المراقب وتشارك فى اجتماعات الجمعية العامة فما الجديد؟ ثم ما أسباب هذه الضجة وهذا القلق الأمريكى والإسرائيلى الذى وصل إلى حد التهديد الأمريكى بقطع المعونات عن فلسطين إذا هى أصرت على المضى فى هذا الطريق؟

 

•••

 

وبالنسبة لتطور وضع فلسطين فى الأمم المتحدة فهى قصة تستحق أن تروي، فعندما منحت منظمة التحرير الفلسطينية (PLO) وضع المراقب فى الأمم المتحدة جلس وفدها خلف لافتة كتب عليها PLO، وعندما قبلت المنظمة قرار مجلس الأمن رقم 242 وعدلت ميثاقها، تم تغيير اللافتة من منظمة التحرير الفلسطينية إلى «فلسطين»، لكنها ظلت تجلس فى مكانها مع المنظمات الحاصلة على وضع المراقب وبعد توقيع اتفاق أوسلو تحركت فلسطين داخل قاعة الجمعية العامة لتجلس مع الدول ولكن بعد آخر دولة وليس وسط الدول حسب الترتيب الأبجدى المعمول به فى الأمم المتحدة باعتبار أن وضعها الرسمى لم يتغير والآن ــ وبعد رفض مجلس الأمن قبول عضوية فلسطين فى الأمم المتحدة بسب الفيتو الأمريكي، فقد قررت السلطة الوطنية الفلسطينية مطالبة الجمعية العامة بمنحها وضع الدولة غير العضو بالأمم المتحدة، وسيتقدم محمود عباس بهذا الطلب رسميا فى 29 نوفمبر الحالى والتوقعات تشير على وجود الأغلبية اللازمة لإقرار هذه القرار أى ستصبح فلسطين دولة باعتراف الأمم المتحدة لها وضع المراقب مثل سويسرا وألمانيا حتى عهد قريب.

 

•••

 

أما الذى يزعج إسرائيل وأمريكا فهو أن دولة فلسطين المعترف بها من الأمم المتحدة تستطيع التوقيع على النظام الأساسى للمحكمة الجنائية الدولية وتصبح عضوا بها مما يمكنها تحريك الدعوى ضد الكثير من الزعماء الإسرائيليين والقادة العسكريين لأنه وفقا لميثاق روما المنشأ للمحكمة فإن الذى يحق له تحريك الدعوى ــ بخلاف مجلس الأمن ــ هى الدولة التى وقعت الجريمة فى أراضيها أو الدولة التى ينتمى المتهم إلى جنسيتها.. (نجحت إسرائيل وأمريكا فى حذف دولة الضحية من قائمة الدول التى يحق لها تحريك الدعوى).. إذن ففلسطيــــــــــــن الدولة تستطيع تحريك الدعوى من خلال أنها الدولة التى وقعت الجريمة فى أراضيها.

 

إننى أحيى الرئيس محمود عباس لصموده للضغوط حتى الآن واحى تأييد حماس له وأرجو ألا نكون قد أعطينا تعهدات للولايات المتحدة بعدم استخدام حق اللجوء إلى المحكمة.. أقول ذلك لأننى أعلم أن الولايات المتحدة سبق أن حصلت على تعهدات من كثير من الدول ــ من بينها مصر فى حالة انضمامها إلى المحكمة بعدم تحريك الدعوى ضد المواطنين الأمريكيين فى حالة حدوث أى فعل من جانبهم يندرج تحت الجرائم التى تختص بها المحكمة.. فلننتظر لنرى وإن غدا لناظره قريب.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved