مثلث مصر ــــــ إيران ــــ تركيا
محمد المنشاوي
آخر تحديث:
الجمعة 29 نوفمبر 2013 - 8:00 ص
بتوقيت القاهرة
إيران وتركيا ومصر هى الدول الأهم على الاطلاق فى منطقة الشرق الأوسط. إلا أن الدول الثلاث تتمتع بتعقيد غريب لعلاقاتها، وتفضيل غير مبرر لسياساتها الخارجية. وهذا التعقيد والتفضيل ليس وليد اليوم ولا وليد ربيع العرب الديمقراطى، بل وليد عقود من تجاهل المصالح الوطنية العليا للدول الثلاث فى فترات مختلفة من تاريخها خدمة لمصالح ضيقة لنخبها الحاكمة.
•••
لا تدرك هذه الدول الثلاث ما يعنيه تعاونها وتحالفها من آثار كبيرة لخريطة الشرق الأوسط الإستيراتيجية، فى حين يؤمن منظرو الاستراتيجية الدولية بمحورية هذه الدول الثلاث فى كل خطط ومشاريع الحرب والسلام فى المنطقة، فهى الوحيدة التى تتوافر لديها عناصر القوة الحقيقية. كل دولة منها تتمتع بوجود كتلة سكانية كبيرة تزيد على ثمانين مليون من البشر أغلبهم من الشباب، إضافة لوجود جيش كبير جيد التسليح وجيد التدريب، وحضارة قديمة يفخر بها أبناء هذه الدول فى صور عديدة، إضافة لقدر معقول من عناصر القوة الناعمة الثقافية والأدبية واللغوية والدينية. موقع هذه الدول وتحكمها فى ممرات مائية استراتيجية بالغة الأهمية للعالم أجمع، قناة السويس ومضيق هرمز وخليج البوسفور، يزيد من أهميتها الخاصة للعالم كله. لذا وجدنا كل الإمبراطوريات على مر التاريخ تسعى إلى الحفاظ على علاقة خاصة معها أو السيطرة عليها. فى الوقت نفسه يسمح النطاق الجغرافى لكل دولة منها بممارسة نفوذ إقليمى إن توافرت القيادة السياسية التى تدرك أهمية وقدرات دولها. ولا يريد منظرو الاستراتيجيات الدولية تخيل وجود علاقات تحالف أو تعاون كبير بين هذه الدول الثلاث لما لذلك من آثار سلبية على الجميع باستثناء شعوب هذه الدول، وشعوب المنطقة.
•••
شهد الأسبوع الماضى حدثين هامين فيما يتعلق بعلاقات الدول الثلاث. أولهما جاء مع تفاقم الأزمة التى نشأت بين مصر وتركيا مع عزل الجيش للرئيس المنتخب ديمقراطيا محمد مرسى وقمع مناصريه. وبادرت الحكومة المصرية المؤقتة بطرد السفير التركى ردا على تصريحات رئيس الوزراء التركى، وخفضت تمثيلها الدبلوماسى فى أنقرة التى ردت بخطوة مماثلة. وهكذا سمحت الدولتان لاعتبارات حزبية وإيديولوجية ضيقة ومؤقتة للتاثير على علاقات هامة ومصالح مشتركة للطرفين، رغم إدعاء الحكومتين أن بلادهما ليس لديها مشاكل مع الشعب الآخر الشقيق.
الحدث الثانى تمثل فى توصل إيران لاتفاق مبدئى مع الدول الست الكبرى فى جنيف بشأن برنامج إيران النووى. الاتفاق الذى نال ترحيبا من مختلف دول العالم، قوبل برفض إسرائيلى وسعودى. قال رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو إن الاتفاق بين الدول الست وإيران، ليس اتفاقا تاريخيا بل خطأ تاريخيا. وانتقدت السعودية الاتفاق على لسان رئيس لجنة الشئون الخارجية فى مجلس الشورى السعودية الذى قال فى تصريحات نقلتها وكالة رويترز، إن النوم سيجافى سكان المنطقة بعد هذا الاتفاق فى إشارة الى حالة عدم الارتياح الشديد التى تسود دول الخليج بسبب التقارب بين الغرب وايران.
•••
ترغب القوى الكبرى فى بقاء الدول الثلاث ضعيفة مشتتة غير متعاونة عن طريق تورطها فى قضايا إقليمية، أو عن طريق توظيف بعض اللاعبين المحليين والإقليميين لتعطيل مسيرة هذه الدول بصورة مباشرة وغير مباشرة.
فى الحالة الايرانية لم تتردد وكالة المخابرات الأمريكية سى آى إيه فى التنسيق مع المخابرات البريطانية إم 16 للإطاحة برئيس الوزراء الايرانى المنتخب محمد مصدق عام 1953 بعد قيامه بتأميم النفط.
ومنذ نهاية سبعينيات القرن الماضى، ومع نجاح الثورة الإيرانية بزعامة آيه الله الخومينى فى إقامة دولة إسلامية يلعب فيها رجال الدين الدور الأهم فى عملية الحكم، ناصبت الولايات المتحدة والغرب ومصر والسعودية وغيرها إيران العداء حتى يومنا هذا.
أما تركيا، وهى الدولة الإسلامية الوحيدة التى تتمتع بعضوية كاملة فى حلف شمال الأطلنطى المعروف باسم «الناتو»، فقد سعت للدوران فى فلك الغرب بعدما انتهت أحلام الدولة الامبراطورية العثمانية.
واختارت تركيا أن تقترب من الحليف الأمريكى منذ منتصف القرن الماضى، وجمعتها علاقات خاصة مع إسرائيل، وسعت دوما للانضمام للاتحاد الأوروبى دون نجاح. إلا أنه ومع نجاح حزب العدالة والتنمية التركى، ذى المرجعية الإسلامية، برئاسة رجب طيب أردوغان عام 2002 فى الوصول للحكم، يرى البعض أن هناك إحياء معاصر «للدولة العثمانية»، ويطلق البعض على حكام تركيا «العثمانيون الجدد». وخلال السنوات الأخيرة تدهورت علاقات تركيا بإسرائيل من ناحية، وعادت بقوة تنفتح على العالم العربى من ناحية أخرى، وهو ما يقلق السعودية وحكام مصر. كما أنها تعارض التشدد الأمريكى مع إيران.
أما مصر، فرغم عدم تحقق أحلام الرئيس السابق أنور السادات فى أن تحل مصر محل إسرائيل كأهم حليف فى الشرق الأوسط، إلا أن سنوات حكم الرئيس مبارك أثبتت أن مصر دولة حليفة يمكن لواشنطن أن تطمئن لها وعليها. وضمن ذلك لواشنطن قيام واستمرار تعاون أمنى وعسكرى واستخباراتى على أعلى المستويات. وكان التزام مصر بمعاهدة السلام مع إسرائيل، وتشجيعها الدول العربية الأخرى على الدخول فى عملية السلام، دورا كبيرا فى تأكيد هذه القيمة الاستراتيجية. وكانت حرب الخليج الثانية إبان غزو العراق للكويت عام 1990 تجسيدا حيا لما يمكن لمصر وجيشها القيام به لخدمة مصالح واشنطن حال اقتضت الضرورة. ومثل العداء المصرى لإيران أحد منطلقات العلاقات الخاصة مع واشنطن.
•••
خريطة الشرق الأوسط الجديد التى يتم رسمها الآن تعتمد على وجود شروخ فى علاقات الدول الإقليمية الكبرى الثلاث. إلا أن الشهر القادم سيشهد زيارة الرئيس الايرانى حسن روحانى لتركيا فيما يعد شهادة على تحسن العلاقات بين الدولتين. فهل نحلم أن يجمع مصر بالدولتين الهامتين علاقات تعاون استراتيجى تهتم بالمصالح العليا للدول الثلاث ولشعوبها يوما ما. أم أن مصر ستظل منجذبة لعلاقات خاصة مع دولتين تمثل مصالحهما المشتركة النقيض لمصالحنا الوطنية وأقصد هنا السعودية وإسرائيل.