الفرار الصعب

خالد سيد أحمد
خالد سيد أحمد

آخر تحديث: الجمعة 29 نوفمبر 2019 - 10:10 م بتوقيت القاهرة

إذا كان ما نشرته صحيفة «وول ستريت جورنال» الأمريكية عن عرض وزير الخارجية القطرى الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثانى، قطع علاقة بلاده مع جماعة الإخوان، مقابل تطبيع العلاقات مع الرياض صحيحًا، فإننا بذلك نكون أمام تطور لافت وحاسم ستكون له تداعياته الكبيرة على الجماعة التى احتضنتها قطر، ووفرت لعناصرها ملاذا آمنا منذ فرارهم من مصر فى ٢٠١٣.

تقول الصحيفة الأمريكية إنه خلال شهر سبتمبر 2019، قام الوزير القطرى بزيارة سرية إلى الرياض، التقى خلالها عددا من كبار المسئولين السعوديين، بهدف إنهاء الخلاف القائم بين البلدين منذ أكثر من عامين.

ونقلت الصحيفة عن مصدر عربى مسئول قوله إن وزير خارجية قطر عرض على السعوديين استعداد الدوحة قطع العلاقات مع جماعة الإخوان المسلمين فى سبيل إنهاء الخلاف بين البلدين وإعادة العلاقات بينهما.

وأضافت الصحيفة: «قال الوزير القطرى لهم – للسعوديين ــ بكل وضوح، مستعدون لقطع العلاقات مع جماعة الإخوان المسلمين، مقابل عودة العلاقات». وتابعت: «لم ترد السعودية على العرض القطرى حتى الآن، وتدرس الاقتراح القطرى».

بالتأكيد تنتاب السعودية الكثير من الشكوك تجاه الدوحة، التى تبرع دائما فى عدم الالتزام بتعهداتها والالتفاف عليها، مثلما حدث فى عهد الملك السعودى الراحل عبدالله بن عبدالعزيز، عندما أطلق فى عام 2014، مبادرة بشأن التزام جميع دول مجلس التعاون الخليجى بسياسة المجلس الداعمة لمصر، والمساهمة فى أمنها واستقرارها، ورغم موافقة القاهرة على المبادرة، إلا أن الدوحة لم تف بوعودها، وعادت إلى استخدام منصاتها الإعلامية وخصوصا قناة الجزيرة ضد مصر والسعودية.

لكن فى الوضع الراهن، يمكننا القول إن قطر لم يعد أمامها مساحة للمناورة، خصوصا بعدما أنهكتها المقاطعة العربية من جانب ثلاث دول خليجية هى السعودية والإمارات والبحرين، بالإضافة إلى مصر، وهو القرار الذى صدر فى الرابع من يونيو عام 2017، وتضمن قطع العلاقات مع قطر وإغلاق المنافذ الحدودية معها، إلى جانب وقف مشاركتها العسكرية ضمن قوات التحالف المشاركة فى عمليات دعم الشرعية فى اليمن.

واتهمت الدول الأربع الدوحة بدعم الإرهاب وتمويله، والتحريض ضد نظم الحكم والمساس بسيادة هذه الدول، واحتضان جماعات إرهابية، منها جماعة الإخوان المسلمين وداعش والقاعدة، والترويج لأدبيات ومخططات تلك الجماعات عبر وسائل إعلامها بشكل دائم.

على أية حال، فإن العرض القطرى بقطع العلاقات مع الإخوان، يضع الجماعة فى مأزق حقيقى، خصوصا بعد تجفيف منابعها المالية وقطع أذرعها الاقتصادية، التى تعتبر الشريان الرئيسى لها وساعدتها على البقاء والانتشار طيلة العقود الماضية داخل مصر.

الأمر المؤكد الآن أنه لا توجد دولة، قد تكون مستعدة لأن تمنح الإخوان «ملاذا آمنا» سوى تركيا وقطر، لكن الدوحة ــ وفقا لما ذكرته الصحيفة الأمريكية ــ ستصبح محطة مؤقتة قد تضيق عليهم فى أى وقت، خصوصا إذا ما جرت الدماء فى شرايين المصالحة بين الدوحة ودول الخليج، وسيكون التخلص من عناصر الإخوان أو على الأقل تقليل وجودهم على الاراضى القطرية، أول المطالب التى يتعين عليها الالتزام بها لإنهاء المقاطعة الخليجية والعربية لها.

أمام كل هذا لن يبقى أمام عناصر الجماعة من خيار سوى البقاء فى تركيا أو العودة إلى مصر، وإنهاء هذا الفرار الصعب، لكن العودة إلى مصر لها شروط واضحة لا تقبل الجدال أو النقاش أو الالتفاف عليها، وأهمها وقف خطابات التحريض المتواصلة ضد الدولة المصرية، والاعتراف بثورة 30 يونيو وشرعيتها القائمة الآن، والتوقف عن ترديد نغمة «الانقلاب»، وإدانة حقيقية للعمليات الإرهابية التى تتم فى جميع ربوع الوطن، ونزع الكراهية والعداء الشديدين اللذين زرعتهما فى نفوس شبابها ضد الدولة ومؤسساتها، وعدم خلط الدين بالسياسة.. فهل الجماعة مستعدة لذلك؟ أغلب الظن لا، وفى المقابل لن يقبل النظام فى مصر بعودتها مرة أخرى ما لم تتخذ مثل هذه المواقف.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved