أزمة بوليفيا بين رئيس في المنفى ومعارضة محاصرة

رخا أحمد حسن
رخا أحمد حسن

آخر تحديث: الجمعة 29 نوفمبر 2019 - 10:10 م بتوقيت القاهرة

وصلت الأزمة التى تمر بها بوليفيا إلى مستويات عالية من الاحتقان والاشتباكات بين أنصار الرئيس المستقيل إيفو موراليس، والمعارضة وقوات الأمن والجيش. ويقود حزب التيار الاشتراكى الذى يحظى بأغلبية الثلثين فى البرلمان، ويعبر عن السكان الأصليين الذى ينتمى إليهم الرئيس المستقيل موراليس والذين يمثلون أكثر من 85% من سكان بوليفيا، المظاهرات والاحتجاجات ضد المعارضة ويرفضون استقالة موراليس حيث يرون أن القوات المسلحة دفعته إلى الاستقالة وطلبه اللجوء السياسى إلى المكسيك.

ومنذ إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية فى 21 أكتوبر 2019 رفضت المعارضة ــ والتى تتكون أساسا من السكان ذوى الأصول الأوروبية ــ وقادة الجيش والقوات الأمنية نتائج الانتخابات وإعلان فوز الرئيس إيفو موراليس واتهموه بالتدخل فى الانتخابات والقيام بتزويرها. بينما رأى أنصار موراليس أنه قد تكون حدثت بعض التجاوزات فى بعض اللجان ولكنها لا تغير النتيجة النهائية لصالح موراليس. ولكن المعارضة تمسكت بموقفها وبأن على موراليس الاستقالة، وقد استجاب وأعلن استقالته وتبعه نائبه ورئيس البرلمان والنائب الأول لرئيس البرلمان وعدد من الوزراء من بينهم وزير الداخلية. وهو ما أحدث فراغا سياسيا مفاجئا أدى إلى عقد جلسة طارئة للبرلمان لاختيار النائبة الثانية لرئيس البرلمان «جان آنييز» رئيسا مؤقتا وتشكيل حكومة انتقالية أعلنت أنها ستحدد موعدا لإجراء انتخابات رئاسية، ولكن ذلك يتطلب إعادة تشكيل المحكمة العليا للانتخابات وموافقة البرلمان على تشكيلها. ولكنهم يواجهون مشكلة رئيسية وهى أن الأغلبية العظمى فى البرلمان يسيطر عليها أنصار موراليس من حزب التيار الاشتراكى، والذين لا يعترفون باختيار الرئيسة المؤقتة «جان آنييز» لأن جلسة البرلمان التى اختارتها لم يتوافر لها النصاب القانونى وفقا للدستور ومن ثم فلابد أن تستقيل فورا وتحدد موعدا لإجراء انتخابات رئاسية جديدة فى خلال مدة لا تتجاوز 90 يوما.

***
وتتمثل خطورة الأزمة فى بوليفيا فى أن أنصار موراليس هم أغلبية الشعب من السكان الأصليين ويشعرون بالاعتزاز منذ أن انتخبوا إيفو موراليس رئيسا لبوليفيا فى عام 2006 ثم أعادوا انتخابه عدة مرات لأنها المرة الأولى منذ استقلال بوليفيا التى يتولى فيها الحكم أحد أبناء السكان الأصليين والذى تدرج فى حياته عبر مسيرة طويلة من عامل فى مزارع الكوكا (وهى نبات تصنع منه الأدوية، كما يصنع منه الكوكايين) إلى رئيس نقابة عمال مزارع الكوكا ثم رئيس اتحاد نقابات عمال مزارع الكوكا وهى أكثر من 6 نقابات. وقد استطاع أن يحقق الكثير للسكان الأصليين طوال فترة رئاسته مقتديا بكوبا وفنزويلا فى عهد الرئيس السابق هوجو شافيز.

وقد استطاع أنصار موراليس من السكان الأصليين فرض ما يشبه الحصار على العاصمة لاباز وعدد من المدن الكبيرة بقطع الطرق ومنع إمدادات الوقود والمواد الغذائية. وساعدهم فى ذلك كثيرا أولا أنهم الأغلبية وثانيا الطبيعة الجغرافية الجبلية لمعظم أراضى بوليفيا ومحدودية عدد الطرق الرئيسية التى تربط بين العاصمة والمدن الكبيرة الأخرى ومناطق الإنتاج. وإزاء هذا الوضع اضطرت قوات الأمن والجيش إلى الاستخدام المفرط للقوة فى محاولة لفتح بعض الطرق والتى يعاد إغلاقها من جديد وهو ما أدى إلى أزمات حادة فى نقص الوقود وتكدس السيارات أمام محطات البنزين لمسافة عدة كيلومترات وخلو المحلات من المواد الغذائية، وإعلان الحكومة المؤقتة أنها ستلجأ إلى استيراد الوقود والمواد الغذائية من بيرو وشيلى، وهو ما ردت عليه نقابات النقل بأنها ستمنع توزيع المواد الأجنبية المستوردة فى الأسواق المحلية.

ويطالب أنصار موراليس بعودته من منفاه فى المكسيك ليترشح من جديد لانتخابات رئاسية يحدد موعدها فى أقرب وقت. وأعلن موراليس أنه يرغب ومستعد للعودة إلى بلده وإنه يقبل عدم الترشح مرة أخرى فى الانتخابات الرئاسية ولكن مع توفير أمنه وسلامته.

***
وإزاء هذا الوضع المتأزم عرضت الأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبى، التعاون مع الكنيسة الكاثوليكية البوليفية من أجل التوصل إلى حوار بين الطرفين المتصارعين لإيجاد حل للأزمة قبل أن يخرج الموقف عن السيطرة ويتحول إلى ما يشبه الأزمة فى فنزويلا، بل قد يتطور إلى حرب أهلية، وذلك لإدراكهم أن الحكومة المؤقتة وإن كانت تسيطر على القوات الأمنية والجيش، إلا أن أنصار موراليس يمثلون الأغلبية الساحقة وقوة لا يستهان بها. لذا فقد ناشدوا كل الأطراف بوقف حالة المواجهة والعنف المفرط من جانب القوات الأمنية والجيش لأنه يزيد الأزمة اشتعالا.

ولكن الحكومة لم ترد على هذه المبادرات، وبقى أغلبية أنصار موراليس متمسكون بمطلبهم باستقالة الرئيسة المؤقتة، وعودة موراليس، والإسراع بتحديد موعد للانتخاب الرئاسية. إلا أن شريحة منهم بدأت تتجاوب مع مطالب التهدئة واللجوء إلى الحوار للعمل على إيجاد تسوية للأزمة تضم جميع الأطراف.

وقد تباينت مواقف الدول الأعضاء فى منظمة الدول الأمريكية التى عقدت اجتماعا طارئا بشأن أزمة بوليفيا فى مقرها الرئيسى فى واشنطن يوم 13 /11 /2019 حيث أبدت واشنطن ارتياحها للإجراءات السياسية التى أدت إلى استقالة الرئيس موراليس، ورفض المندوب الأمريكى فى المنظمة اعتبار أن ما حدث هو انقلاب، بينما أعلنت الخارجية المكسيكية أن ما حدث فى بوليفيا كان انقلابا على الشرعية الدستورية وامتنعت 15 دولة لاتينية عن وصف ما حدث بأنه انقلاب ومن بينها البرازيل. ودعا رئيس فنزويلا «مادورو» جيش بوليفيا إلى إعادة الرئيس موراليس إلى السلطة لأنه القائد الأعلى وفقا للنظام الدستورى وتصويت الشعب (فى الانتخابات الأخيرة) وقال أن موراليس أجبر على الاستقالة بمسدس مصوب إلى رأسه «وكان مهددا بالموت».

***
إن ما حدث فى بوليفيا متصل بتحرك التيارات اليمينية فى أمريكا اللاتينية بقوة للعودة إلى السلطة واستبعاد التيارات اليسارية وهو ما حدث فى البرازيل ويحدث فى فنزويلا وشيلى وغيرها وذلك بدعم من الولايات المتحدة خاصة وإن الحكومات اليسارية قد ناصبت السياسة الأمريكية العداء طوال فترة حكم الرئيس بوش الابن وأوباما، وتعاطفت بل أيد معظمها إيران فى موقفها ضد الولايات المتحدة الأمريكية.

ولكن يبقى للأزمة فى بوليفيا خصوصيتها والتى تتمثل فى رفض الأغلبية ما جرى من إجراءات لدفع الرئيس موراليس إلى الاستقالة وطلبه اللجوء إلى المكسيك تأمينا لحياته وسلامته، وإذا لم يجرى حوار بين الحكومة المؤقتة وأنصار موراليس بمساعدة الوسطاء وبصفة خاصة الكنيسة الكاثوليكية البوليفية التى تحظى بثقة كبيرة بين غالبية السكان، فمن غير المتوقع استقرار الأوضاع فى المستقبل المنظور دون التوصل إلى حل يرضى هذه الأغلبية، مما يهدد بتحول الأزمة إلى حرب أهلية لا تحتملها الأوضاع الاقتصادية المتأزمة فى البلاد.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved