الشرق الأوسط والرئيس بايدن المنتظر

رخا أحمد حسن
رخا أحمد حسن

آخر تحديث: الأحد 29 نوفمبر 2020 - 9:30 م بتوقيت القاهرة

لقد حظيت الانتخابات الرئاسية الأمريكية وما أسفرت عنه نتائجها بفوز جو بايدن بتفوق كبير على الرئيس ترامب، باهتمام عالمى غير مسبوق يرجع فى شق منه إلى أن الرئيس ترامب منذ توليه السلطة فى 20 يناير 2016 وحتى الآن وإلى أن تنتهى فترة رئاسته فى 19 يناير 2021، وهو يثير حالة من الارتباك الشديد على جميع المستويات داخل الولايات المتحدة وفى علاقاتها الدولية ومع كل المجموعات الإقليمية، وذلك دون اعتبار للحلفاء، أو الأصدقاء، التقليديين لأمريكا. وقد أحدث شعار ترامب أن «أمريكا أولا» وأن من يريد حمايتها له عليه أن يدفع التكاليف، وما اتخذه الرئيس ترامب من قرارات أحادية فى المجالات الاقتصادية والتجارية والأمنية والانسحاب من عدة منظمات واتفاقات دولية، اضطراب وخسائر كبيرة لكل الأطراف وعلى جميع المستويات. ورغم ذلك كله كان ثمة توقع وترقب من مؤيدى ترامب والمعجبين بسياساته وأسلوبه فى الإدارة أن يفوز فى الانتخابات ويحظى بفترة رئاسية ثانية.. وهو ما لم يحدث.
أما الشق الثانى وراء الاهتمام بالانتخابات الأمريكية فهو كان انتظار أغلبية كبيرة من الشعب الأمريكى ودول العالم على اختلاف اتجاهاتها أن يختار الشعب الأمريكى رئيسا آخر يعيد للسياسة الأمريكية هيبتها ومصداقيتها واحترامها للقانون الدولى ومصالح الحلفاء والأصدقاء، والابتعاد عن سياسة التحدى والمواجهة، واتباع سياسة المنافسة والتهدئة على أساس المصالح المشتركة، واحترام مبادئ التعددية وتقبل الآخر والتعايش بين الفرقاء. لذا فقد أحدث فوز جو بايدن فى انتخابات الرئاسة الأمريكية ارتياحا عاما وتطلعا إلى أن تعود السياسات الأمريكية إلى مسار أكثر رشدا وأكثر مراعاة للمصالح المشتركة مع الآخرين مع بداية تولى الرئيس الديمقراطى بايدن السلطة فى 20 يناير 2021.

***

وقد بدأت عملية تحليلات لكل تصريحات وكلمات بايدن أثناء حملته الانتخابية وعقب تأكده من فوزه، وتوقعات بما ستكون عليه سياساته داخليا ودوليا وإقليميا، وهل سيعيد استنساخ سياسات أوباما، خاصة وأن بايدن أمضى ثمانى سنوات نائبا له، أم أنه سيعمل على أن تكون له بصماته الخاصة فى إطار أساسيات الاستراتيجية الأمريكية فى مختلف مناطق العالم، حيث إنه من المرجح أن تكون رئاسته لفترة واحدة، ومن ثم يتعين عليه أن يتحرك بالتوازى على جميع المستويات والمناطق، ولذا يتوقع أن يعطى كل الصلاحيات للمؤسسات التنفيذية المختلفة وفقا لاختصاص كل منها، سواء وزارة الخارجية، أو وزارة الدفاع والمخابرات العامة، ومستشار الأمن القومى الأمريكى، وبنك الاحتياطى الفيدرالى الأمريكى (البنك المركزي)، وذلك من أجل إعادة صياغة السياسات الأمريكية داخليا وفى مختلف مناطق العالم. ويتحدث بعض الكتاب والمراقبين عن إعطاء أولوية معينة لمنطقة ما دون أخرى والقول إن منطقة الشرق الأوسط ستكون فى مرتبة متأخرة فى سلم الأولويات، ولكن الواقع العملى منذ سريان هذه المقولة فى عهد الرئيس أوباما حتى الآن يبين أن الشرق الأوسط سيبقى أحد مراكز الاهتمام الأمريكى فى إطار المصالح الاستراتيجية الأمريكية بحكم الموقع الاستراتيجى والموارد المتنوعة، والمنافسة على مناطق النفوذ مع كل من روسيا والصين، وضمان أمن إسرائيل المرتبط عضويا بالأمن الأمريكى والذى يتضح من أن أول قائد أجنبى يتصل به بايدن تليفونيا كان رئيس وزراء إسرائيل نتنياهو، كما يظهر الإعلام الأمريكى أن نحو 75% من اليهود الأمريكيين صوتوا لصالح جو بايدن.
وإذا كان من أولويات بايدن إعادة ترميم وتحسين العلاقات بين الولايات المتحدة وأوروبا وحلف الناتو والتى أصيبت بأعطاب عديدة فى فترة حكم الرئيس ترامب، فإن منطقة الشرق الأوسط ترتبط ارتباطا وثيقا بالدول الأوروبية من جميع النواحى الاقتصادية والتجارية والأمنية، ويتضح ذلك جليا فى عدة أمور فى مقدمتها الأزمات المستمرة على مدى نحو 9 سنوات فى سوريا وليبيا واليمن، وما نشأ عنها من موجات هجرة إلى الدول الأوروبية ولاجئين، وامتداد بعض الأعمال الإرهابية إلى عدة عواصم أوروبية. هذا إلى جانب الآثار السلبية على التجارة والاستثمار الأوروبى فى الشرق الأوسط، ومن ثم يتوقع أن ينشط الدور الأمريكى مع الدول الأوروبية والقوى الإقليمية من أجل التوصل إلى تسويات سلمية لهذه الأزمات العربية، ويلاحظ أنه حتى فى ظل إدارة ترامب فقد لمست مسعى روسيا القوى إلى عمل نقطة ارتكاز لها فى ليبيا ومن ثم نشط دورها فى الدفع نحو حل الأزمة الليبية بإشراف الأمم المتحدة، والتعاون مع مصر والقوى الإقليمية والأوروبية.
***
ويرتبط بذلك أيضا الأوضاع فى منطقة الخليج وحالة التوتر والمواجهة بين الولايات المتحدة وإيران منذ انسحاب إدارة ترامب من الاتفاق النووى مع إيران 2018، وحالة الاحتقان الشديد بين دول الخليج العربية وإيران، واستمرار الصراع بين إيران والولايات المتحدة على أرض العراق. ولا شك فى أن ما أبداه الرئيس المنتخب بايدن من استعداد للعودة إلى الاتفاق النووى مع إيران إذا التزمت التزاما كاملا بتنفيذ جميع بنود الاتفاق، يعد بادرة إيجابية حتى وإن تفاوتت ردود الفعل عليها فى إيران ما بين اعتبارها فرصة لا يجب حرقها على حد قول وزير خارجية إيران محمد جواد ظريف وأنه ينبغى النظر بجدية فى رفع العقوبات الاقتصادية والمالية عن إيران والتى أرهقت الشعب الإيرانى، وما بين قول رئيس البرلمان الإيرانى والمتوقع ترشحه للانتخابات الرئاسية الإيرانية فى 18 يونيو 2021 وهو محمد باقر قاليباف، من أنه لا يجب إظهار صورة ضعف وإنما لابد من المعنى فى التنمية الاقتصادية ودعم قوة إيران، ودون إفراط فى التوقعات من الإدارة الديمقراطية الأمريكية الجديدة. وتطرح سيناريوهات منها أن تخفف إدارة بايدن العقوبات الاقتصادية على إيران تدريجيا مقابل عودتها إلى الالتزام الكامل ببنود الاتفاق، مع احتمال بدء التفاوض على تعديل بعض بنود الاتفاق وعلى برنامج الصواريخ الباليستية الإيرانية. ولكن هل تعود واشنطن أولا إلى الاتفاق النووى ويمكن أن تتفاوض مع الدول الأخرى المشاركة فيه من داخله على تعديل بعض بنوده بحكم عضويتها كما تطالب إيران، أم يكون رفع العقوبات الاقتصادية مقابل موافقة إيران على التفاوض. هذا ما سيتضح بعد تولى بايدن السلطة، خاصة وأن مستشار الأمن القومى الذى اختاره بايدن، شارك فى التوصل إلى الاتفاق النووى مع إيران فى عهد أوباما.
وأن تحقيق أى تقارب أمريكى إيرانى وتخفيف حالة التصعيد والتوتر بينهما ستكون له آثار إيجابية على منطقة الخليج، والأزمة اليمنية، والأزمة السورية، وتخفيف الضغوط على لبنان وتخفيف المطالبة باستبعاد أو تحجيم حزب الله فى السلطة اللبنانية.
***
وبالنسبة للقضية الفلسطينية فإن ما قاله بايدن عن العودة إلى حل الدولتين وهو ما يعنى إقامة دولة فلسطينية على حدود 4 يونيو 1967، ولن يؤدى إلى التراجع عن الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية إليها، ولكن قد تتخذ عدة خطوات من جانب بايدن بإعادة الاتصال بالسلطة الفلسطينية وإعادة فتح مكتب منظمة التحرير الفلسطينية فى واشنطن، واستئناف المساعدات المالية الموقوفة عن الفلسطينيين، والعودة إلى الوكالة الدولية لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، وربما فتح قنصلية أمريكية خاصة بالفلسطينيين فى الأراضى الفلسطينية المحتلة عوضا عن القنصلية الأمريكية فى القدس التى تشغلها الآن السفارة الأمريكية، والعمل على العودة إلى المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية. ولكن على أى أساس ستكون هذه العودة، هل وفقا للمبادرة الفلسطينية الأخيرة بأن تكون وفق جدول أعمال محدد على أساس القرارات والمرجعيات الدولية، وإطار زمنى محدد حتى لا تكون مفاوضات لا نهائية من أجل المفاوضات، ويعود الأمر كما سبق إلى إدارة القضية الفلسطينية وليس العمل على حلها وخاصة القضايا الرئيسية وهى اللاجئون والقدس والمستوطنات، والحدود، والأمن. وهل ستكون المفاوضات فى إطار مؤتمر دولى والرباعية الدولية كما يريد الفلسطينيون، أم تكون إسرائيلية فلسطينية برعاية أمريكية.
وتهتم الإدارات الديمقراطية الأمريكية دائما بقضايا الحريات العامة الأساسية من التعددية السياسية، وحرية التعبير بجميع صوره، وحرية الإعلام، وحقوق الإنسان خاصة حقوق الأفراد والأقليات وتعطيها مكانة فى سياستها الخارجية وعلاقاتها مع الدول فى مختلف مناطق العالم. وصحيح أن هذه القضايا تتابعها السفارات والخارجية الأمريكية وتصدر تقريرا سنويا بشأنها فى كل العهود سواء الجمهورية أو الديمقراطية، ولكن الرئيس ترامب قد جعلها فى ذيل قائمة الأولويات إلا فى حالات معينة، أما بايدن فسيجعلها أولوية متقدمة ويستخدمها ضمن أدوات سياسته الخارجية فى المرحلة القادمة وإن ظلت فى إطار واقعى يوازن بين المصالح الاستراتيجية الأمريكية وممارسة الضغوط بشأن هذه القضايا الإنسانية كلما دعت الحاجة.
***
وستبقى مصر بدورها فى عملية السلام ومكافحة الإرهاب، وباعتبارها أكبر دولة عربية وما لها من تأثير فعال فى القضايا الإقليمية العربية والأفريقية، رقما مهما فى السياسة الأمريكية بما بين البلدين من علاقات اقتصادية وتجارية وعسكرية وأمنية وعلمية وتكنولوجية، مع وجود مساحة من الاختلاف حول بعض القضايا الثنائية والإقليمية، بحكم اختلاف أولويات كل من الدولتين، ولكن يبقى التعاون هو السائد فى إطار المصالح المشتركة والأمن والاستقرار فى المنطقة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved