فرص وتحديات أمام حكومة العراق الجديدة

رخا أحمد حسن
رخا أحمد حسن

آخر تحديث: الثلاثاء 29 نوفمبر 2022 - 8:00 م بتوقيت القاهرة

تشكلت الحكومة العراقية الجديدة بعد نحو عام من إجراء الانتخابات فى 10 أكتوبر 2021. وقد شهد هذا العام العديد من التجاذبات والمناكفات والصراع بين الكتل والقوى السياسية والأحزاب الفائزين فى الانتخابات، وهل يكون تشكيل حكومة وطنية يقودها التيار الصدرى الذى يقوده مقتدى الصدر أم تكون حكومة محاصصة بين الأطياف السياسية والعقائدية والعرقية كما جرى العمل به فى السنوات الأخيرة وكما يريد التيار التنسيقى الشيعى بقيادة نورى المالكى. وإزاء حالة الانسداد السياسى، استقال جميع أعضاء التيار الصدرى من البرلمان وانتقلوا إلى المعارضة من الشارع بالمظاهرات والاعتصامات والاصطدام مع القوات الأمنية وأنصار التيار التنسيقى. قد استطاع التيار التنسيقى أن يحصل على أغلبية برلمانية مريحة من الشيعة والسنة، وأن يتفقوا على تشكيل حكومة جديدة برئاسة محمد شياع السودانى، الذى قبله على مضض التيار الصدرى بعد اعتراض شديد عليه لإدراك مقتدى الصدر أن قرار استقالة نواب تياره من البرلمان (73 نائبا) بعد أن كانوا أكبر كتلة فائزة فى الانتخابات أفقده السند القانونى الشرعى، وجعل تأثير الاعتصامات والمظاهرات مضرا بالأمن والاستقرار ومعطلا لتشكيل الحكومة دون أن يحقق ذلك فائدة للتيار الصدرى.
قد شكلت الحكومة على أساس المحاصصة التى يجرى العمل بها بتخصيص 12 وزارة للشيعة، و6 وزارات للسنة العرب، و3 وزارات للكرد، ووزارتين تقسم على الأقليات. وجرى العمل بالنسبة للكرد على أنه إذا تولى أحد الحزبين الرئيسيين فى كردستان منصب رئيس العراق ووزارة سيادية، فيكون من نصيب الحزب الثانى وزارتان اتحاديتان إلى جانب تولى رئاسة حكومة إقليم كردستان، ويعمل بهذا الاتفاق منذ 2005. ولكن حدث خلاف بين الحزب الديمقراطى الكردستانى الذى يتولى رئاسة حكومة الإقليم وتمسك بحقه فى تولى وزارتين من الوزارات الثلاث المخصصة للكرد، وليكون للاتحاد الوطنى الكردستانى الذى يتولى اثنان من قياداته رئاسة جمهورية العراق ووزارة الخارجية. وهو ما رفضه الاتحاد الوطنى بحجة أن الحزب الديمقراطى هو الذى رشح رئيس الجمهورية رغم أنه ينتمى للاتحاد الوطنى. وترضية للحزبين، تم فصل وزارة البيئة عن وزارة البلديات وجعل من حق الكرد 4 وزارات اثنان لكل حزب، ولكن ظل الموضوع معلقا وتشكلت الحكومة وبقى منصبى الوزيرين شاغرين.
كما ورثت الحكومة الجديدة عدة قضايا متنازع عليها بين الحكومة المركزية فى بغداد وحكومة الكرد فى أربيل، وهى تتعلق بالمناطق المتنازع عليها بينهما فى كركوك ونينوى وصلاح الدين، وعائدات البترول الذى يتم استخراجه فى كردستان العراق، ومساهمة الحكومة المركزية فى بغداد فى ميزانية إقليم كردستان. وهذه موضوعات يرى قادة الإقليم أنها مهمة وعاجلة وقد بدأت المباحثات بشأنها بين حكومة الإقليم والحكومة المركزية فى بغداد.
• • •
يلاحظ أنه متاح أمام الحكومة الجديدة فرص لم تتوافر للحكومات السابقة، منها وجود وفرة مالية تقدر بنحو 85 مليار دولار أمريكى تحققت من ارتفاع أسعار البترول بسبب الحرب الأوكرانية، فبعد أن كانت الحكومة السابقة تقدر سعر برميل البترول بنحو 45 دولار أمريكى فى 2021 وعجز فى الموازنة بنحو 20%، تحقق هذا الفائض ولم تتمكن حكومة الكاظمى السابقة من الإنفاق الكبير منه لأنها ظلت حكومة تصريف أعمال منذ 8 أكتوبر 2021 إلى أن شكلت الحكومة الجديدة فى 27 أكتوبر 2022 وتقتصر صلاحياتها على صرف الرواتب والأجور والمصاريف الأساسية الجارية. كما زاد إنتاج البترول العراقى ليصبح نحو 4,2 مليون برميل يوميا ليحتل العراق المركز الخامس عالميا بعد الولايات المتحدة وروسيا والسعودية وكندا. وتساعد هذه الوفرة المالية على تحقيق منجزات مطلوبة وعاجلة وفق خطط مدروسة. هذا إلى جانب تمتع الحكومة بأغلبية برلمانية مريحة، مع حالة من الهدوء النسبى الحالى فى الصراع بين الكتل والقوى السياسية العراقية لإعطاء فرصة للحكومة الجديدة، خاصة أن رئيسها محمد السودانى ليس من بين المعارضة العراقية لنظام صدام حسين الذين كانوا يعيشون فى الخارج، حيث لم يخرج من العراق رغم أن النظام السابق قتل ستة أفراد من أسرته بمن فيهم والده. كما أنه لا يحمل جنسية أجنبية، إذ إن جميع رؤساء الحكومات السابقين منذ عام 2003 يحملون جنسيات أجنبية، ما عدا نورى المالكى الذى كان لاجئا فى سوريا. وهذا يجعل السودانى مرحبا به شعبيا ومن معظم القوى العراقية التى تعارض التدخل الأجنبى فى شئون العراق. وهو يريد إعادة هيكلة الدولة العراقية إدراكا منه، وكما قال، بأن الشعب فقد الثقة فى النظام السياسى فى العراق، مع أنه هو نفسه من النظام، ويقود حزب «تيار الفراتين» الذى فاز بثلاثة مقاعد فى الانتخابات الأخيرة. وقد أظهر خلال الأسابيع الخمسة من عمر حكومته أنه يعمل بإيقاع سريع ليحقق إنجازات يكسب من خلالها ثقة الشعب، وتجعله قادرا على مواجهة ما قد ينشأ من خلافات أو خصومة مع إحدى القوى السياسية إذا مست إجراءات مكافحة الفساد أو إعادة الهيكلة أحد قياداتها أو أنصارها.
وقد حدد السودانى النقاط الرئيسية لمسار حكومته، وأشار إلى أنه بقدر ما توجد أمام حكومته فرص نجاح، فإن هناك تحديات. وأن من ضمن عوامل النجاح دعم المجتمع الإقليمى والدولى لحكومته إلى جانب العوامل الأخرى، وأن السياسة الخارجية سيكون أساسها المصالح المشتركة، وأهمية توحيد الخطاب السياسى الداخلى ليكون خطاب دولة موحدة، وحدد لحكومته الموضوعات التالية:
ــ معالجة خط الفقر نظرا لوجود شريحة كبيرة من المواطنين العراقيين تحتاج أوضاعها المعيشية إلى معالجات سريعة لا يمكن للمواطن الفقير الانتظار طويلا لتحقيقها، واتخاذ قرارات لدعم هؤلاء الفقراء.
ــ إتاحة فرص عمل، والتى صدرت بشأنها قرارات منذ عام 2019 ولم تنفذ لأسباب مختلفة، ويتعين معالجتها والانتهاء منها حتى لا تتراكم.
ــ اعتبار قطاع الخدمات أولوية عاجلة، وإنجاز المشروعات المتعثرة والمؤجلة، والتى تحتاج إلى نحو 30 مليار دولار أمريكى.
ــ البدء فى الإصلاحات الاقتصادية، والتى تتطلب إنشاء صندوق العراق للتنمية، وتشجيع القطاع الخاص على التنفيذ المباشر للمشروعات.
ــ مكافحة الفساد، التى تحتاج إلى قرارات وإرادة فى التنفيذ، ومصارحة واستمرارية التعامل معها بحيث لا تكون فورة ثم تهدأ أو تنتهى.
بدأ رئيس الوزراء باتخاذ قرارات بإلغاء تعيينات قامت بها حكومة الكاظمى السابقة لعدد كبير من المسئولين فى درجات خاصة ومناصب أمنية وحكومية رفيعة، من بينها رئيس جهاز المخابرات، ورئيس جهاز الأمن، وعشرات الوظائف الأخرى. واستند فى ذلك إلى قرار للمحكمة الاتحادية العراقية صدر فى 2022 يفيد بأن حكومة تصريف الأعمال ليس لديها صلاحية إصدار مثل هذه القرارات بالتعيينات التى هى من صلاحيات حكومة دائمة. وشملت قرارات الإعفاء من المناصب وكيلين لوزارة الخارجية، وقائد الفرقة الخاصة بحماية المنطقة الخضراء، وبعض المحافظين ومديرين عامين.
قد ألحق السودانى أوامر الإعفاء من المناصب بأوامر أخرى باعتقال بعضهم، واعتبر بعض المراقبين ذلك دليل على قوة الحكومة الجديدة. وكانت السلطات القضائية قد أصدرت أوامر بإلقاء القبض على 731 شخصا لم ينفذ منها إلا 396 أمرا فقط. وكان من بين المطلوبين 8 وزراء سابقين ومن فى درجتهم و53 من أصحاب المناصب العليا.
كما اتخذ رئيس الوزراء جملة من الأوامر شملت إلغاء المخصصات الخاصة بمكتبه، وسحب الحماية الرئاسية لكل رؤساء الجمهورية السابقين، ورؤساء الحكومات والوزراء من بعد عام 2003 حتى مصطفى الكاظمى. وإلغاء مخصصات مكاتب رئيس الجمهورية، ورئيس البرلمان، ورئيس مجلس الوزراء. وقطع نحو مليونين ونصف مليون دينار من رواتب أعضاء حكومته. وإلغاء مخصصات الضيافة والعلاج وتأجير الطائرات الخاصة للرئاسات الثلاثة. ومنع منح أعضاء البرلمان سيارات جديدة، وكذلك الدرجات الخاصة من رؤساء الهيئات، ووكلاء الوزارات، والسفراء. وقرر إلغاء 20 سفارة عراقية فى الخارج لعدم وجود جاليات عراقية فى الدول المعتمدين لديها، خاصة وأن الرأى العام كان ينظر إلى فتح سفارات فى الخارج وتعيين دبلوماسيين أقارب وأصهار الوزراء وكبار المسئولين من مظاهر الفساد، لما تحمله من نفقات كبيرة لميزانية الدولة.
تعتبر هذه القرارات بمثابة أول اختبار قوى لطبيعة العلاقة بين رئيس الوزراء وداعميه من زعماء الكتل والأحزاب السياسية والائتلافات التى شملت القرارات قيادات وأعضاء بارزين وأنصار لها. وقد اعتمد السودانى على دعم الجماهير الذى يمكن أن يساعده فى اتخاذ المزيد من القرارات التى لن يكن من اليسير على كبار المسئولين رفضها لعدم إثارة غضب الجماهير لاستيائها من الأداء السيئ للطبقة السياسية.
• • •
من بين التحديات عودة تنظيم داعش للقيام بعمليات إرهابية، آخرها فى كركوك وديالى، قتل فيها 4 جنود من الجيش العراقى فى كركوك ونهبوا أسلحة الجنود وهواتفهم وأجهزة النداء العسكرى وفروا هاربين. وقتلوا فى ديالى قائدا لقوات الحشد الشعبى بتفجير عبوة ناسفة بجانب الطريق. ويتحرك التنظيم فى المناطق النائية فى المساحات ما بين قوات الجيش العراقى وقوات البشمرجة التابعة لحكومة إقليم كردستان. وهذه العمليات أصبحت تمثل تهديدا فعليا للأمن والاستقرار فى تلك المناطق.
كما تتردد انتقادات للوجود الأمريكى فى العراق، ولفت الانتباه إلى كثرة لقاءات السفيرة الأمريكية فى العراق مع رئيس الحكومة الجديدة والوزراء، وما قالته السفيرة الأمريكية فى العراق وأكده وزير الخارجية الأمريكى بلينكن من أن القوات الأمريكية لن تخرج من العراق، وأن واشنطن تدعم الحكومة العراقية وتتعاون معها. هذا فى الوقت الذى زار فيه رئيس فيلق القدس الإيرانى إسماعيل قاآنى، بغداد، والتقى برئيس الوزراء، وقيادات التيار التنسيقى وقيادات دينية سنية عراقية لبحث كيفية تهدئة الأوضاع فى إقليم كردستان العراق والتحذير من استمرار تحريض أكراد إيرانيين من داخل العراق على التظاهر وإشعال الغضب فى إيران. وصرح قاآنى بعد ذلك بأنه إذا لم يسيطر الجيش العراقى على حدوده الشمالية مع إيران، فإنهم سيقومون بعمليات عسكرية ضد الأكراد. وفعلا استمرت العمليات العسكرية الإيرانية على عدة مواقع فى إقليم كردستان العراق الذى يتعرض أيضا لاعتداءات تركية بدعوى وجود أكراد أتراك من حزب العمال الكردستانى التركى الذى تصنفه أنقره تنظيما إرهابيا.
كما أن حالة هدوء التيار الصدرى حاليا، هل يمكن أن تستمر طويلا وإعطاء المزيد من الوقت للحكومة الجديدة لتحقيق مطالب الشعب ومكافحة الفساد كما يطالب التيار دائما، أم أنه، إذا سارت خلافات وصدامات بين رئيس الوزراء وقيادات من التيار التنسيقى المؤيد له، قد يتدخل مقتدى الصدر لصالح رئيس الوزراء؟ وهل تلجأ بعض قيادات التيار التنسيقى إلى استخدام وعد الحكومة الجديدة بإجراء انتخابات مبكرة بعد عام من توليها السلطة وتبدأ بمطالبتها بالإعداد للانتخابات التى وعدت بها؟
قد بدأ رئيس الوزراء الجديد بالعمل على تنشيط العلاقات فى كافة المجالات مع دول الجوار وبحث تنفيذ الاتفاقيات التى وقعتها الحكومة السابقة فزار كل من الأردن والكويت لهذا الغرض، وأكد أنه سيكمل جولاته بزيارة الدول الشقيقة والصديقة الأخرى دعما لمصالح العراق المشتركة معها.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved