برّه الصندوق.. عن معضلة الاقتصاد نتحدث

شريف داود
شريف داود

آخر تحديث: السبت 29 ديسمبر 2012 - 8:25 ص بتوقيت القاهرة

يمكن القول بأن الاقتصاد سيكون محرك الأحداث فى مصر الفترة القادمة، فمن المنتظر أن تؤثر التطورات الناتجة عن الأزمة الاقتصادية المتصاعدة التى تعيشها مصر على المسار السياسى الهش الذى يتم هندسته حالياً.

 

•••

 

يعانى النظام الاقتصادى المصرى من أزمة هيكلية تتمثل فى كونه اقتصاداً ريعياً يعتمد بالأساس على أنشطة غير منتجة - تتأثر بعدم الاستقرار داخلياً أو خارجياً، بالإضافة إلى التقلبات الحادة فى أسعار المواد الخام الأولية والغذاء بسبب التطورات السياسية والاقتصادية عالمياً أو المضاربات فى الأسواق العالمية ) فى هذا السياق ينبغى أيضاً الأخذ فى الاعتبار أن مصر مستورد صاف للغذاء،  نستورد نحو 60% من احتياجاتنا الغذائية وهو ما يرتبط أيضاً بشكل أو بآخر مع أسعار الطاقة عالمياً- ( لتوليد الدخل وتدوير عجلة الاقتصاد مثل عائدات قناة السويس، والسياحة، وتحويلات العاملين المصريين فى الخارج، والاستثمارات الأجنبية المباشرة، وتصدير الثروات المعدنية مثل البترول والغاز الطبيعى.

 

وعليه فقد عانى الاقتصاد المصرى من تراجع معدلات النمو ـ منذ عام 2008ـ نتيجة لتضافر عدة عوامل مثل الأزمة المالية العالمية وما أدت إليه من انخفاض الدخل الناتج عن تلك الأنشطة الريعية المشار إليها بعاليه، وذلك بالتزامن مع سوء توزيع الدخل وغياب العدالة الاجتماعية، وخاصة منذ تبنى النظام السابق ـ منذ عام 2004ـ لتوجه نيو ليبرالى أدى لتقليص دور الدولة فى الاقتصاد لصالح رجال الأعمال، وتبنى سياسات استهلاكية مع الاعتماد على الاستثمارات الأجنبية بهدف رفع معدلات النمو، بالإضافة إلى ما شاب أداء تلك الحكومة من فسادٍ ممنهج وغياب للشفافية، وهو ما ألقى بالمزيد من الأعباء على الطبقات الفقيرة أتت بالتزامن مع انسداد الأفق السياسى والقمع الأمنى لتؤدى فى النهاية إلى اندلاع الثورة فى يناير2011.

 

•••

 

وأدى سوء إدارة المجلس العسكرى للمرحلة الانتقالية فى أعقاب الثورة إلى تطور الأوضاع للأسوأ سياسياً واقتصادياً، حيث استمر استنزاف احتياطيات النقد الأجنبى لصالح تمويل عجز الموازنة وتثبيت سعر صرف الجنيه أمام الدولار، والإبقاء على انحيازات الدولة الاقتصادية من خلال رفض إقرار الضرائب التصاعدية، والحدين الأدنى والأقصى للأجور، وتمرير مرسوم بقانون للتصالح مع رجال الأعمال والمستثمرين المتعثرين، كما تعامل المجلس بعداء واضح مع الاحتجاجات العمالية باعتبارها «مظاهرات فئوية»  تتسبب فى تعطيل «عجلة الإنتاج»،  ولم يسمح بإنشاء نقابات مستقلة تمكنه من التفاوض مع قيادات العمال وحل مشاكلهم.

 

•••

 

على جانب آخر، تنطلق رؤى الإخوان الاقتصادية من نفس الأرضية النيو ـ ليبرالية (مع السعى لتقليل معدلات الفساد بما يكفل توفير موارد إضافية للدولة)، على أن تتكفل شبكات التوزيع الإخوانية بتوزيع تلك الفوائض ، وخاصة فى المناطق الريفية، واستبدال الاستثمارات الغربية باستثمارات من الخليج والصين وتركيا وغيرها.

 

وهناك تحفظات بشأن تلك الرؤية أبرزها:

 

• يواجه الفكر النيو ـ ليبرالى فشلاً حقيقياً على الصعيد الدولى يتمثل فى الأزمة المالية العالمية.

 

• لا يوجد ما يضمن قدرة الإخوان على إصلاح الجهاز الإدارى للدولة وزيادة كفاءته بغرض تقليل معدلات الفساد.

 

• يستند هذا النمط الاقتصادى لنفس المنطق الريعى معتمداً على مصادر خارجية للدخل وهو ما سينتهى به إلى عدم رفع مستوى المعيشة للفقراء وتحقيق التنمية بشكل مستدام.

 

• لا توجد ضمانات بالحصول على استثمارات حقيقية من دول الخليج أو تركيا أو غيرها ناهيك عن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى الأكثر تأثراً بالأزمة المالية.

 

 • ستلقى الاستدانة من الخارج بعبء إضافى ـ يتمثل فى خدمة الدين ـ على الاقتصاد المصرى المأزوم أساساً.

 

وقررت الحكومة قبول قرض صندوق النقد الدولى دون إجراء أى حوار مجتمعى حوله أو دراسة البدائل المقترحة أو إعلان لمشروطياته، رغم المؤشرات على اشتراط الصندوق اتخاذ الحكومة إجراءات لخفض عجز الموازنة، وهو ما يتطلب رفع الدعم عن الطاقة والمحروقات، تخفيض الإنفاق الحكومى وقيمة الجنيه، وزيادة الضرائب، الأمر الذى يعنى ببساطة زيادة معدلات التضخم، وارتفاع الأسعار وانخفاض الدخول الحقيقية للعديد من المواطنين.

 

وعليه، يمكن النظر إلى التأثيرات الكارثية لتلك الإجراءات على الاقتصاد المصرى من زاويتين:

 

الأولى: يمر الاقتصاد المصرى بطور انكماش وكساد، وهو ما يتطلب تبنى الحكومة لخطط لإنعاش الاقتصاد تتطلب ـ على الأقل ـ إبقاء معدلات الإنفاق الحكومى على ما هى عليه.

 

الثانية: قد تؤدى مثل تلك القرارات لموجة من الاحتجاجات الاجتماعية العنيفة ـ مدفوعة بحالة الاحتقان السياسى الموجودة حاليا ًـ،  وهو ما بدا فى إعلان الرئيس تجميد العمل بقرارات فرض عدد من الضرائب على بعض السلع خلال أقل من 24 ساعة على صدورها.

 

حلول مقترحة:

 

 مبدئياً بات من شبه المؤكد ضرورة اتخاذ إجراءات ذات تكلفة اجتماعية وسياسية لا يمكن تجاهلها، فى هذا السياق يمكن طرح عدد من الأفكار التى قد تصلح كمادة للحوار والتباحث بشأنها، لعل وعسى أن نصل إلى حلول للأزمة المستعصية الحالية:

 

• السعى لتحويل الاقتصاد المصرى إلى اقتصاد منتج بالإنفاق على مشروعات البنية التحتية، وتخصيص نسبة 10% من أى قروض تحصل عليها الدولة لتمويل مشروعات ذات طبيعة إنتاجية، وتذليل العقبات وإيجاد حوافز للاستثمار فى المشروعات الصناعية والزراعية على حساب المشروعات الخدمية.

 

• البدء فى حوار مجتمعى جاد لتبنى خيارات مكلفة اجتماعياً مثل إعادة هيكلة الدعم الخاص بالطاقة للخروج بتوصيات ملزمة بجدول زمنى واضح للنهج الاقتصادى للدولة، والوصول لتوافق بشأن إعادة هيكلة شاملة لوزارة الداخلية لضمان تهيئة الوضع الأمنى اللازم لتحقيق انتعاش اقتصادى.

 

 • حصر ودمج الاقتصاد غير الرسمى فى الموازنة العامة للدولة، وقيام الدولة بتشجيع تأسيس نقابات مستقلة للعاملين فى الاقتصاد غير الرسمى كمدخل للتعامل مع هذا الملف المعقد.

 

• تبنى إجراءات سريعة لتحقيق العدالة الاجتماعية من دون تحميل الموازنة العامة بأعباء إضافية، مثل تطبيق مبدأ وحدة الموازنة، إعادة هيكلة الأجور فى الحكومة والقطاع الخاص لتطبيق الحدين الأدنى والأقصى للأجور مع توزيع الفوائض على الفئات الأفقر، وتطبيق الضرائب التصاعدية، وتبنى سياسات اقتصادية تهدف لرفع معدلات التشغيل بدلاً من التركيز على تحقيق معدلات نمو عالية لا تنعكس على الجميع.

 

• إعطاء حوافز مالية للراغبين فى ترك العمل بالحكومة تمكنهم من إقامة مشروعات صغيرة منتجة تتولى الدولة الإشراف عليها وتسويق منتجاتها، والبدء فى برامج تأهيل مهنى لبعض الموظفين ـ بالاستعانة بالمانحين الدوليين ـ مع إلحاقهم بوظائف عمالية وصناعية بعد انتهائهم من تلك البرامج.

 

 • الاستفادة من الأفكار غير التقليدية والاستثمار فى مجالات الطاقة المتجددة وتكنولوجيا المعلومات بما يسهم فى دعم الاقتصاد الوطنى، وحل مشكلة البطالة، ورفع مستوى القاعدة التكنولوجية فى مصر.

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved