لا مخرج.. وهم مغادرة الولايات المتحدة أفغانستان

مواقع عالمية
مواقع عالمية

آخر تحديث: الثلاثاء 29 ديسمبر 2020 - 8:05 م بتوقيت القاهرة

نشر موقع Eurasia Review مقالا للكاتب دومينيك تيرنى، تحدث فيه عن استحالة مغادرة أمريكا أفغانستان لصعوبة تحديد عدد الجنود على وجه الدقة، حتى إن حدث ذلك فإن الأمر مشروط بامتناع طالبان عن حمل السلاح وهو أمر مشكوك فيه، بالإضافة إلى وجود مصالح أمريكية فى أفغانستان... نعرض منه ما يلى:
يعرف الجنود الأمريكيون الصغار أن بلادهم ــ الولايات المتحدة ــ فى حالة حرب فى آسيا الوسطى منذ أن التحقوا بالجيش. ومنذ غزو أفغانستان فى عام 2001، تكبدت أمريكا مئات المليارات من الدولارات وخسرت آلاف الجنود؛ لذلك أشارت واشنطن إلى أن أمريكا ستغادر أفغانستان. فغرد الرئيس دونالد ترامب فى أكتوبر على تويتر بأنه يجب على جميع الجنود الأمريكيين مغادرة أفغانستان «بحلول عيد الميلاد». كما أعلن البنتاجون أن عدد القوات سينخفض من نحو 4500 إلى 2500 بحلول أوائل عام 2021. وقال مستشار الأمن القومى روبرت أوبراين: «يجب على الأمريكيين العودة إلى ديارهم». من جانبه، كتب القائم بأعمال وزير الدفاع كريستوفر ميللر: «لسنا شعبا فى حرب دائمة ــ إنها نقيض كل ما نقف من أجله والذى حارب أجدادنا من أجله. يجب أن تنتهى كل الحروب».
التوق إلى العودة إلى الوطن هو دافع الحزبين. فخلال حملة عام 2020، وعد جو بايدن بـ«إنهاء الحروب الأبدية فى أفغانستان والشرق الأوسط، والتى كلفتنا دماء وأموالا لا توصف». ولكن كما هو الحال مع العديد من النزاعات فى التاريخ، فإن فكرة أن الحرب ستنتهى بحلول عيد الميلاد هى وهم. وبحلول عيد الميلاد، المقصود عيد الميلاد عام 2025، لن تغادر الولايات المتحدة أفغانستان. لأن الولايات المتحدة ستجد أنه من الصعب أو المستحيل قلب صفحة حرب أفغانستان!
***
إذا كانت واشنطن تسعى للعودة إلى الوطن من أفغانستان، فعليها أولا تحديد عدد الجنود الأمريكيين المنتشرين هناك. فى نوفمبر، قدر جيم جولبى ــ المستشار الخاص السابق لنائبى الرئيس جو بايدن ومايك بنس ــ عدد القوات بـ «نحو 5500». فى أكتوبر، قال أوبراين: «اعتبارا من اليوم، هناك أقل من 5000». وذكرت صحيفة نيويورك تايمز أن العدد الحالى هو 4500. الرقم انخفض لأنه يعتمد على ما إذا كنت تحسب الوحدات السرية والأفراد المتمركزين مؤقتا فى البلد. مشكلة أخرى هى أن الأعداد الرسمية ليست دقيقة دائما. ففى عام 2017، كشف البنتاجون أن عدد القوات فى أفغانستان لم يكن 8400 ــ كما زعم سابقا ــ ولكن فى الواقع 11 ألفا. تم استخدام الحيل المحاسبية لخلق مظهر قوة أصغر وتجنب خفض عدد القوات. وبالمثل، اعترف جيم جيفرى، المبعوث الخاص السابق لسوريا، بأنه خدع ترامب بشأن العدد الحقيقى للجنود الأمريكيين فى سوريا للحفاظ على قوة أكبر مما يريده البيت الأبيض. وقال: «كنا دائما نخدع قيادتنا حتى لا نوضح عدد القوات التى كانت لدينا هناك». واختتم جيفرى حديثه قائلا: «أى انسحاب سورى؟ لم يكن هناك انسحاب من سوريا أبدا».
ولنفترض أننا حصلنا على بيانات دقيقة لعدد القوات، فما زال من غير الواضح متى ستغادر المجموعة النهائية من الجنود الأمريكيين. فبموجب شروط اتفاق فبراير 2020 بين طالبان والولايات المتحدة، من المفترض أن تسحب واشنطن قواتها بحلول مايو 2021. لكن هذا مشروط بوفاء طالبان بوعودها، بما فى ذلك منع الهجمات الإرهابية والدخول فى محادثات مع الحكومة الأفغانية. على العموم، إن استخدام شروط للخروج يعنى بطبيعته التزاما أطول. كما أن هناك شكا كبيرا حول ما إذا كانت طالبان ملتزمة حقا بعملية السلام أم أنها تحاول ببساطة إخراج الأمريكيين كخطوة انطلاق نحو تحقيق النصر.
كما أنه إذا قررت الولايات المتحدة سحب ما تبقى من قواتها البرية، فإن عملية الانسحاب الفعلية ــ المعروفة فى الجيش بالرجوع إلى الوراء أو التقهقر ــ ستكون معقدة وستستغرق وقتا طويلا قد يمتد لأسابيع أو لأشهر، خاصة فى بلد مثل أفغانستان، حيث لا يوجد ميناء قريب أضف إلى ذلك إمكانية تعرض الجنود للرصاص أثناء مغادرتهم. وحتى الانسحاب الكامل لا يكتمل بشكل فعلى. فكحد أدنى، ستحتفظ واشنطن بقوة أمنية لحماية السفارة الأمريكية والمواقع الاستراتيجية الأخرى.
وتحت أى ظرف من الظروف، ستظل أفغانستان هدفا للطائرات بدون طيار ــ السلاح المميز للحرب الأبدية. جورج بوش شن 57 غارة بطائرات بدون طيار. زاد باراك أوباما من عدد الهجمات عشرة أضعاف إلى 563. وفى الحقيقة، إذا غادر الجنود الأمريكيون، فإن الضربات الجوية فى أفغانستان يمكن أن تسبب عددا أكبر من القتلى المدنيين الأفغان لأن قلة القوات تعنى استخبارات أقل حول الأهداف.
***
وعدت حملة بايدن «بإعادة الغالبية العظمى من الجنود إلى الوطن من أفغانستان وتركيز المهمة ــ بشكل ضيق ــ على القاعدة وداعش». لكن هذا لا يعنى المغادرة، وستظل المهمة المحدودة تتطلب موارد كبيرة. كما يمكن أن يحافظ بايدن على وجود غير محدد فى أفغانستان لأنه لا يوجد ضغط جماهيرى حقيقى أو ضغط من الكونجرس لإنهاء الحرب. من جانبه، وجد استطلاع أجراه معهد بروكينجز فى أواخر عام 2019 أن عددا كبيرا من الأمريكيين يفضلون إبقاء القوات عند المستويات الحالية، بدلا من زيادة العدد أو خفضه. كما سأل أحد الاستطلاعات التى أجريت هذا الخريف الناس عما إذا كانت الولايات المتحدة قد حققت أهدافها فى أفغانستان: 41 بالمائة «ليس لديهم رأى»!
الولايات المتحدة لن تترك أفغانستان بمعنى أنها لن توقف نفوذها فى البلاد. فالمساعدات الخارجية لطالما كانت هى مفتاح بقاء النظام فى أفغانستان. اليوم، لا تزال الحكومة فى كابول تعتمد على مليارات الدولارات من المساعدات. القيمة الحقيقية للجنود الأمريكيين بالنسبة لكابول ليست فى ساحة المعركة: بضعة آلاف من القوات الأمريكية لا يمكنهم تحديد مسار الحرب التى خاضها ما يقدر بـ300 ألف من قوات النظام و150 ألفا من قوات طالبان. القيمة الحقيقية للجنود الأمريكيين هى أن وجودهم يضمن استمرار الكونجرس فى التوقيع على شيكات المساعدات الأجنبية.
بالطبع، عندما يتحدث الأمريكيون عن مغادرة أفغانستان، فإنهم يقصدون مغادرة الجنود الأمريكيين. لكن تدخل الولايات المتحدة جزء من مهمة أوسع للناتو والحلفاء. فيشارك حاليا نحو 7 آلاف جندى دولى فى أفغانستان، ويقومون بشكل أساسى بتدريب قوات النظام، وليس من الواضح عدد الجنود الذين سيبقون إذا قرر الجنود الأمريكيون الخروج.
ومن الممكن أن تغادر القوات الأمريكية أفغانستان ثم تعود. ففى عام 2003، كان بوش متحمسا للإطاحة بصدام حسين ومن ثم المغادرة فى أسرع وقت ممكن، لكنه انتهى به الأمر إلى إرسال تعزيزات إلى العراق كجزء من استراتيجية «زيادة القوات». وبالمثل، سحب أوباما القوات القتالية الأمريكية من العراق فى عام 2011، قبل إعادة الجنود بعد زيادة تهديدات داعش. يمكن لبايدن أيضا زيادة مشاركته فى أفغانستان، إذا كان البديل هو سقوط كابول.
***
فى النهاية، قد تغادر أمريكا أفغانستان، لكن أفغانستان لن تغادر أمريكا. فالجنود يعيدون الحرب معهم إلى وطنهم. وعلى الولايات المتحدة أن تعيش مع إرث الحرب لعقود من الزمن.
فى أفغانستان، تحارب أمريكا دون أمل فى النصر. إنها تحارب من أجل خسارة أقل بدلا من خسارة أكبر. ومع ذلك، فإن الحل ليس مجرد سحب القوات والفرار. الأمر يتطلب تركيزا هادئا على حماية المصالح الأساسية. فللولايات المتحدة مصالح على المحك ــ حتى وإن كانت محدودة ــ فى أفغانستان، مثل محاربة الجماعات المتطرفة؛ منع المنافسة الإقليمية الكبرى من قبل الهند وباكستان ودول أخرى؛ حماية المؤسسات الأفغانية والحقوق التى اكتسبتها المرأة الأفغانية بشق الأنفس؛ ومساعدة 2.7 مليون لاجئ أفغانى (السكان النازحون فى المرتبة الثانية بعد سوريا). هذه المصالح تبرر استمرار الاستثمار الأمريكى المتواضع، بما فى ذلك التزام طويل الأمد بالمساعدة ودور مركزى فى محادثات السلام لضمان حصول الأطراف الرئيسية على مقعد على الطاولة.
خوض حرب من أجل تقليل الخسارة هو عمل كئيب. وفى المرة القادمة التى تفكر فيها أمريكا فى حمل السيف، يجب عليها أن تضع استراتيجية لا تودى بها فى مستنقع!

إعداد: ياسمين عبداللطيف زرد
النص الأصلى

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved