فنزويلا: الكارثة التى سبقت الانتفاضة

مواقع عربية
مواقع عربية

آخر تحديث: الأربعاء 30 يناير 2019 - 12:10 ص بتوقيت القاهرة

نشر موقع درج مقالا للكاتب «فيكتوريوس بيان شمس» عن التطورات الأخيرة فى فنزويلا وهل ستنجو فنزويلا من مأزقها.
لفتت التطورات الأخيرة فى جمهورية فنزويلا أنظار العالم إليها، بعدما أعلن رئيس الجمعية الوطنية الفنزويلية خوان جوايدو نفسه، رئيسا للجمهورية، معتبرا نيكولاس مادورو، خليفة الرئيس السابق هوغو تشافيز، الذى توفى عام 2013، رئيسا غير شرعى للبلاد، سارعت على الفور دول فى القارة واعترفت به، كالولايات المتحدة الأمريكية، وكندا، وكولومبيا، والأرجنتين، والبرازيل، التى استلم السلطة فيها اليمينى المتطرف بولسونارو، فى أوائل ديسمبر 2019 خلفا للرئيس ميشال تامر. وللمفارقة، كان بولسونارو تلقى ثانى برقية تهنئة على فوزه فى الانتخابات الرئاسية البرازيلية من نيكولاس مادورو، بعد برقية الرئيس الأمريكى دونالد ترامب مباشرة.
المزاج الشعبى فى أمريكا اللاتينية عموما، بدأ يتحول فى الآونة الأخيرة معبرا عن نفسه بالاحتجاجات العارمة، كما هى الحال فى نيكاراجوا حاليا، تحت حكم «الساندينيستا» بقيادة دانيال أورتيجا، والتى تشهد منذ أشهر احتجاجات شعبية واسعة، وبوليفيا بقيادة ايفو موراليس، والتى بدأت تصدر المهاجرين واللاجئين إلى دول الجوار، تحت ضغط الأوضاع الاقتصادية الخانقة.
وكما كان عليه الوضع فى البرازيل أواخر فترة حكم الرئيسة ديلما روسيف، قبل أن يقوم البرلمان بعزلها وتعيين نائبها ميشال تامر، وكريستينا كريشنر فى الأرجنتين. عبر المزاج الشعبى عن نفسه بإيصال قوى اليمين فى أمريكا اللاتينية إلى السلطة، بعد فشل هذا اليسار فى إدارة شئون بلاده، وتورطه فى الكثير من قضايا الفساد. برز ميل حثيث للاستئثار والاستفراد بالسلطة بشكل مطلق على قاعدة: «أنا؛ أو لا أحد»، وإلغاء أى معارضة، وإدارة البلاد عبر المراسيم الرئاسية، وانعدام حرية الرأى والتعبير، والاعتماد على أجهزة الأمن التى بدأت تتكاثر وتتعدد اختصاصاتها بشكل ملحوظ منذ فترة حكم الرئيس تشافيز، وصولا إلى خلفه مادورو. والأخير تميز عن سلفه بالاعتماد على الميليشيات المدنية المسلحة، التى مارست عمليات القتل، لكل من تجرأ على الاحتجاج ضده.
الرئيس نيكولاس مادورو
كانت النتيجة انهيار الاقتصاد بشكل غير مسبوق، إذ وصلت الديون الخارجية إلى نحو 150 مليار دولار، وانخفض الاحتياطى النقدى إلى 9 مليارات دولار، فيما بلغ العجز بداية عام 2018 نحو 20 فى المائة، وقد تنبأ صندوق النقد الدولى بوصول معدل التضخم مع نهاية عام 2018 إلى أكثر من مليون فى المائة، ليصبح دخل الفرد شهريا نحو دولار أمريكى واحد، وهو ما حصل بالفعل. هكذا احتلت فنزويلا المرتبة 23 فى ترتيب الدول الأعلى تضخما عبر التاريخ. هذا فى حين تملك فنزويلا ثروات طبيعية هائلة من الغاز الطبيعى، والماس، والحديد، والذهب، والأراضى الزراعية الواسعة، إضافة إلى احتياطى نفطى يتجاوز 350 مليون برميل، فيما يتراوح حجم صادراتها من النفط بين 2 و3 ملايين برميل يوميا، وهى السلعة التى تحتل 95 فى المائة، من صادرات البلاد تقريبا.
دفعت هذه الأوضاع الاقتصادية والأمنية المتردية قسما كبيرا من الشعب الفنزويلى إلى التشرد فى دول الجوار، إذ استقبلت كولومبيا وحدها نحو 850 ألف لاجئ. تقدر أعداد اللاجئين الفنزويليين حاليا فى دول القارة بنحو مليونى لاجئ، مع ارتفاع ملحوظ فى معدلات العنف والجريمة، وتدهور مستوى التعليم الذى تحول فى مؤسسات التعليم الرسمى، إلى تعليم أيديولوجى صرف، كان ذلك كله يحصل تحت شعارات معاداة الإمبريالية، وهى معركة وهمية خطابية معلنة من طرف واحد.
عام 2015، وبينما كان الشعب الفنزويلى ينتظر موعد الانتخابات النيابية للتخلص من المجلس القائم، والذى كان نظام تشافيز ومن بعده مادورو يسيطران عليه، كانت المعارضة الفنزويلية تتوقع الحصول على 90 مقعدا من أصل 167. فوجئت المعارضة بحصولها على 112 مقعدا على الرغم من عمليات التزوير، أى الأغلبية المطلقة بالضبط، والتى تمكنها والحال هذه، من تغيير المحكمة الدستورية العليا بكامل أعضائها، وتغيير المجلس الانتخابى، والأهم من كل هذا، أنه بات بإمكانها محاسبة رئيس الجمهورية ومحاكمته أو عزله.
فى اليوم التالى، قامت المحكمة الدستورية العليا بإلغاء 3 مقاعد معارضة، فازوا بها فى محافظة «أمازوناس» بذريعة أنهم تلقوا رشاوى واشتروا الأصوات، وهؤلاء يمثلون السكان الأصليين (الهنود الحمر)، هكذا خسرت المعارضة الأغلبية المطلقة، وأصبح بإمكان المحكمة الدستورية العليا إبطال أى قرار يتخذونه وتعطيله. لكن هذه النتيجة أرعبت الرئيس مادورو ونظامه، فما كان منه، إلا أن طالب «المجلس الانتخابى»، والذى يسيطر فيه على أربعة مقاعد من أصل خمسة، بالدعوة إلى انتخاب «مجلس برلمانى تأسيسى» يتكون من 545 عضوا، بهدف تغيير الدستور، وهو ما حدث فى إبريل 2017، لكن من دون أن يحل المجلس المنتخب ديمقراطيا، والذى يرأسه خوان جوايدو، مع أنه تعامل معه وكأنه غير موجود.
فى المقابل، بدأت بعض أصوات المقربين من مادورو تتعالى مطالبة بحله، وإيقاف رواتب أعضائه وامتيازاتهم، ورفع الحصانة عنهم، وهذا لم يحدث أبدا. هكذا أصبح لفنزويلا مجلسين نيابيين، الأول شرعى، لكن قراراته معطلة بحكم سلطة الأمر الواقع، والثانى غير دستورى، ولم يحقق الشروط الانتخابية المطلوبة، إذ شارك فى هذه الانتخابات أقل من 3 ملايين ناخب فنزويلى من أصل 19.5 مليون مواطن يحق لهم التصويت. ناهيك بأن الكثير من الدول والكيانات لم تعترف بشرعيته، كالولايات المتحدة الأمريكية، وكولومبيا، والأرجنتين، والبرازيل، والإكوادور، والبيرو، وكندا والسوق الأوروبية المشتركة، وهو ما يفسر جانبا من مواقف هذه الدول اليوم مع الخطوة التى قام بها رئيس البرلمان الشرعى خوان جوايدو فى إعلان نفسه رئيسا مؤقتا للبلاد. ويفسر أيضا السبب الذى دفع بعض هذه الدول إلى فرض عقوبات وتجميد حسابات بعض أعضاء الحكومة وأبرز رموز النظام، كمادورو نفسه، ووزير دفاعه، ورئيس مجلسه التأسيسى غير الشرعى. لكن النظام تعامل مع تشكيل مجلسه التأسيسى باعتباره نصرا مؤزرا، وبدأ أعضاء البرلمان الشرعى الذى يرأسه جوايدو، والمحسوبون على سلطة مادورو يقاطعون جلساته فى محاولة لتهميشه. كانت هذه فرصة ذهبية للمعارضة لتشكل محكمة دستورية عليا، اضطر أعضاؤها للهرب إلى كولومبيا وطلب اللجوء هناك خوفا على حياتهم.
جوان جوايدو
المؤشر المخيف الآخر بالنسبة إلى مادورو ونظامه، تمثل بفوز المعارضة فى انتخابات حكام الولايات فى نهاية عام 2017، إذ نجح هؤلاء فى أهم الولايات وأكبرها، كـ «بوليفار» و”سوليا»، لكن الحكومة اشترطت على الفائزين أداء القسم أمام المجلس التأسيسى غير الشرعى قبل توليهم مناصبهم رسميا، وليس أمام البرلمان. رفض هؤلاء شروط الحكومة التى استغلت الفرصة ودعت إلى انتخابات جديدة، تمت فبركتها لضمان نجاح الموالين لمادورو.
عام 2018، أوعز مادورو لمجلسه التأسيسى للإسراع بتنظيم انتخابات رئاسية، مع أن ولايته الدستورية الشرعية بدأت بتاريخ 12/04/2013 وتنتهى بتاريخ 10/01/2019، فيما تنص المادة (233) من الدستور على تولى رئيس البرلمان الشرعى رئاسة الجمهورية، فى حال عدم قدرة الرئيس على ممارسة مهماته بسبب الموت أو المرض أو الإعاقة، أو شغور موقعه. أما فى حال التغيب الموقت، فبإمكان النائب الأول الذى يعينه الرئيس، أن يتولى مهماته، لحين عودته إلى موقعه.
لم تعترف المدعية العامة الفنزويلية لوسيا أورتيجا دياس بهذه الانتخابات، واعتبرتها غير شرعية، ليقوم مادورو بتعيين حاكم ولاية «أنسواتيغى» السابق طارق وليم صعب، وأمين ما يعرف بـ «ديوان المظالم» فى ما بعد، بديلا منها، وهو رجل سيئ السمعة. حدث هذا من دون إبلاغها رسميا بتنحيتها، ما اضطرها إلى مغادرة البلاد إلى كولومبيا خوفا على حياتها. بعد وصولها، قامت برفع دعوى قضائية ضد مادورو أمام المحكمة الدستورية العليا التى كان لجأ أعضاؤها إلى كولومبيا، ليصدروا حكما غيابيا عليه بالسجن 18 عاما، أواخر عام 2018، على خلفية تورطه بقضايا فساد ضخمة مع شركة التعهدات البرازيلية العملاقة Odebrecht، إبان فترة حكم الرئيسة اليسارية السابقة ديلما روسيف.
تعاملت المعارضة بقيادة غوايدو فى 23 يناير 2019، على اعتبار أن البلاد دخلت مرحلة الفراغ الرئاسى، لأن المجلس التأسيسى غير شرعى، وهذا يعنى أن الانتخابات الرئاسية التى نظمها عام 2018، أيضا غير شرعية، على قاعدة: «ما بنى على باطل، فهو باطل». هكذا، أصبحت فنزويلا أمام ازدواجية السلطات، التنفيذية، والتشريعية، والقضائية. إضافة إلى اعتراف دولى بطرفى الصراع.
هل ستنجو فنزويلا من مأزقها؟
تتركز أنظار العالم على الجيش الفنزويلى باعتباره المؤسسة الأكثر تنظيما على غرار كل الدول المحكومة بأنظمة ديكتاتورية ــ شمولية تلغى الديمقراطية بمجرد وصولها إلى السلطة، بما لا يترك مجالا لوجود أى بديل سياسى، وعلى أساس أن بإمكانه حسم الصراع. لكن هذا الجيش شهد الكثير من التململ ومحاولات التمرد فى السنوات الماضية، وهو ما يعنى أنه عرضة للتفكك والتشرذم، مع بقاء احتمال تدخله قائما. ويبقى احتمال التدخل الخارجى أيضا قائما، سواء من دول أخرى كالولايات المتحدة الأميركية التى تعتبر أمريكا الجنوبية بكاملها مجالها الحيوى، أو بعض دول القارة الأخرى، التى لها تاريخ فى التدخل بشؤون الدول المجاورة، أو حتى مع إمكان تشكيل تحالف إقليمى يحسم الصراع، مع صعوبة التنبؤ بشكله وتوقيته وآلياته (وهذا كله غير مطروح حتى الآن)، واستبعاد أى تدخل مباشر وواضح من خارج القارة. عدا ذلك، فإن الصراع سيكون مريرا وطويلا، وستحتاج فنزويلا إلى سنوات، وربما عقود طويلة من الزمن، لإصلاح الاهتراء الحاصل فى المجتمع والسياسة والاقتصاد وترميمه.
النص الأصلى
https://bit.ly/2RoRI3l

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved