الشيخوخة ليست سببا للموت

العالم يفكر
العالم يفكر

آخر تحديث: الإثنين 30 يناير 2023 - 8:35 م بتوقيت القاهرة

نشرت مؤسسة الفكر العربى مقالا للكاتب حسن الشريف، تناول فيه ما توصلت إليه الأوساط الطبية من أن الشيخوخة ليست سببا للموت، كما ذكر بعض العلاجات المهمة لإطالة أمد العمر... نعرض من المقال ما يلى.
سعى الإنسان مبكّرا لاكتشاف «إكسير الحياة والشباب»، إلّا أنّ الجهد مؤخَّرا فى دراسة مرض الشيخوخة ومظاهرها أصبح فى مراحل متقدّمة فى مختبرات وعيادات مختصّة بمرض الشيخوخة وعلاجه، منتشرة فى العديد من الدول.
يشير سنكلير، صاحب نظريّة المعلومات لمرض الشيخوخة، فى أبحاثه إلى أنّ هنالك أشياء يُمكن القيام بها حاليّا لضمان استمرار دائرة الحفاظ على الحياة بعملها، وبالتالى إطالة العمر والحيويّة، وأشياء أخرى نتعرّف إليها مع مزيدٍ من التجارب. وربّما أوّل خطوة فى هذا المجال إقرار الأوساط الطبيّة والعلميّة بأنّ «الشيخوخة» فى ذاتها ليست سببا للموت، لكنّ تأثيراتها على هَرَمِ الخلايا الحيّة تدفع إلى طغيان أمراض متعدّدة نعتبرها سببا للموت. وعمليّة الشيخوخة تبدأ مبكّرا فى عمر الكائن الحي، بل هى تبدأ عند الإنسان فى عمر العشرينيات وتزداد أكثر مع التقدّم فى العمر.
ما يقوم به خبراء مُعالجة «مرض الشيخوخة» يأخذون بالاعتبار أن يتضمّن علاجهم، ليس الشيخوخة البيولوجيّة فقط، ولكن أيضا الحفاظ على الصحّة والسلامة الفكريّة والعاطفيّة، وإطالة الحيويّة مع إطالة العمر. وهُم بذلك يبحثون ليس عن الجينات الوراثيّة المتعلّقة بالشيخوخة الجسديّة فقط، ولكنْ أيضا «الجينات الوراثيّة» المتعلّقة بدوام الحيويّة والصحّة الجسديّة والفكريّة والعاطفيّة.
وفى أبحاثهم عن علاجٍ لمرض الشيخوخة، بَرزت بشكل أساسى العوامل المؤثِّرة على «دائرة الحفاظ على الحياة»، وتبيَّن لهم أنّ تحفيز هذه الدائرة يكمن فى كلّ ما قد يتسبّب بالأذى للجسم بشكلٍ محدود ويضغط على مختلف الأعضاء والخلايا فيه، وبالتالى كلّ العوامل التى تستحثّ دائرة الحفاظ على الحياة، حتّى على مستوى الخليّة. وتحفيز عوامل الضغط والإرهاق بشكلٍ مُحتمل يؤدّى مثل هذه المهمّة، تماما مثل اللّقاحات ضدّ الأمراض المُعدية.
• • •
إلى فترة قريبة جدّا كان كلّ الأطبّاء وخبراء عِلم الحياة يعتبرون الشيخوخة البيولوجيّة قدرا لا مفرّ منه. لكنّ أيّا من هؤلاء لم يفكّر لماذا نهرم؟، وبالتالى هل بالإمكان معالجة الشيخوخة والهرم؟
اليوم يُمكن القول إنّ بعض هذه العلاجات متوافرة لنا حاليّا، والمزيد منها سيتوفَّر فى العقود القليلة المُقبلة. بل إنّه يُمكن أن نبدأ بمُمارسة بعض من هذه العلاجات التى تطال الجينات الوراثيّة للشيخوخة فورا.
من هذه العلاجات المُهمّة، أولا قائمة الغذاء، ربّما أوّل ما يتبادر إلى الذّهن ما يُعرف بقائمة الطعام لإطالة العمر، والتى تتضمّن بشكل أساسى الخضار والبقول والفاكهة والتقليل من اللّحوم والألبان والسكّر. وبالطبع ليس هنالك من قائمة غذاء مثاليّة، لكنّ هذا التوجُّه العامّ هو الأساس فى ذلك. يضاف إلى ذلك بالطبع أكل الطعام الطازج وتجنُّب الطعام المعلّب.
ثانيا: الصوم: والفكرة هنا الإقلال من كميّة الطعام بكلّ الصيغ والأشكال والكميّات، وبالطبع من دون أن يعنى ذلك سوء التغذية أو الموت جوعا. فالمقصود هو إبقاء الجسم فى حالة الشعور بالحاجة للطعام فى حالات وأوقات عديدة، ثمّ عدم الاستجابة الكاملة لمثل هذا الشعور إلّا بمقدار، والتوقُّف عن الطعام قبل الشعور بالشبع، بل مع الشعور أنّك تستطيع أن تأكل المزيد، أى أن نأكل بما يسمح لنا أن نبقى أصحّاء فقط. فمثل هذا «الجوع» يُحرّك «دائرة الحفاظ على الحياة» على مستوى الخليّة وفى الجسم ككلّ، ويوجِّه «جينات إطالة الحياة» لتقوم بما يجب أن تقوم به، وتحفّز الدفاعات على مستوى الخليّة لإبقاء الجسم الحىّ قادرا على الاستمرار فى الظروف الصعبة.
ثالثا: السيطرة على الأحماض الأمينيّة: تُبيِّن الدراسات أنّ الطعام المُثقل بالمكوّنات الحيوانيّة يرتبط بشكلٍ عالٍ بأمراض القلب ومخاطر السرطان. والوجبات الصحيّة هى تلك التى تجمع بين أنواع الخضار والبقولات والمغذّيات الغنيّة بالألياف، مع نسبٍ ضئيلة من اللّحوم والأسماك. وعلى الرّغم من أنّ الحوامض الأمينيّة ضروريّة للوظائف الحياتيّة، إلّا أنّ تنوُّع المأكولات النباتيّة يفى بالحاجة لمثل هذه الحوامض، لأنّ النقص المحدود فيها يحفِّز دائرة الحفاظ على الحياة أيضا، وبالتالى يُسهم فى إطالة العمر.
رابعا الرياضة: من المعروف بشكلٍ واسع أنّ التمارين الرياضيّة على أنواعها تُسهم فى تحريك الجسم والحفاظ على حيويّته. فهى تحرّك الرئتَيْن والقلب بشكلٍ صحّى. لكنّ هذه التمارين تُحرِّك الوظائف البيولوجيّة على مستوى الخليّة أيضا.
خامسا: على الجبهة الباردة وقضايا أخرى: ومن الوسائل لتحفيز دائرة الحفاظ على الحياة تعريض الجسم لحالاتٍ شديدة من البرودة والحرارة. فهذه الحالات تُحرِّك وتيرة التنفُّس وحركة الدمّ فى الجسم. وخلالها تتسارع نبضات القلب أو تنخفض. فالتوازن العضوى فى عمل الجسم هو اتّجاهٌ طبيعى فى الكائنات الحيّة وكلّ تغيّر فى هذا التوازن يُحفِّز دائرة الحفاظ على الحياة. والنقص فى الطّاقة بسبب البرد يدفع إلى تخفيض درجة حرارة الجسم؛ ويساعد البرد فى تحريك الدهون السمراء. وبالطبع يجب أن يكون التعرّض للبرد الشديد، والحرارة الشديدة لفترة محدودة، لا يؤدّى إلى ضررٍ دائم فى الجسم الحى، وأن يتكرّر على فترات مُتباعدة نسبيّا.
كما أن التدخين من العادات التى تضرّ بدائرة الحفاظ على الحياة، لأنّها تُسهم فى تحطيم الكثير من الخلايا الوراثيّة فى هذه الدائرة. ويؤدّى إلى ذلك أيضا استنشاق غير المدخّنين لدخّان التدخين. ومن ذلك أيضا استنشاق الهواء الملوّث فى المُدن المكتظّة بالسيّارات والمصانع وغيرها من ملوّثات الهواء، وكذلك غبار الموادّ البلاستيكيّة التى كثرت فى المدّة الأخيرة لانتشار النفايات البلاستيكيّة وسوء مُعالجتها. يُضاف إلى ذلك استنشاق الموادّ الكيميائيّة المُستخدَمة فى مكافحة الحشرات والتعرُّض الطويل لأشعّة س. وغيرها من الإشعاعات، بما فى ذلك الأشعّة فوق البنفسجيّة وأشعّة جاما.
وقد تبيّن أنّ بعض الأدوية المُستخدَمة فى مُعالجة أمراض أخرى، قد تُسهم فى مُكافحة مرض الشيخوخة، مثل مركَّب راباميسين الذى يُعالِج التهابات الفطريّات فى الجسم؛ ومن هذه العقاقير المتفورمين المُستخدَم فى علاج أنواع من السكّرى، والذى يُسهم فى علاج بعض أنواع الدمنشيا (الخرف). ومن ذلك أيضا بعض الفيتامينات والمقوّيات. والكثير من هذه المركّبات هى حاليّا قيد الدراسة العياديّة على بعض المتطوّعين، وستكون فى الأسواق فى القريب.
• • •
إذا نحن فى اتّجاه حياة وحيويّة أطول؛ وستؤدّى البحوث والدراسات فى هذا المجال إلى توافر المزيد من العقاقير والمُمارسات التى ستُسهم فى إطالة العمر وحيويّته.

النص الأصلي

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved