عيش حرية كرامة عدالة اجتماعية

جورج إسحق
جورج إسحق

آخر تحديث: الإثنين 30 يناير 2023 - 8:35 م بتوقيت القاهرة

قبل قيام ثورة 25 يناير سبقتها حركات احتجاجية منذ سنة 2004 كحركة كفاية، ثم 6 إبريل، ثم حركة التغيير، وهذه الحركات كلها مجالات للاحتجاج على سوء الأحوال فى أثناء حكم مبارك.
عندما صرّح الرئيس السابق مبارك بالعبارة المشهورة «خليهم يتسلوا» ظهر مجلس الشعب الموازى، وكل هذه الأفكار كانت مقدمة لأن حدثا جللا سوف يقع فى مصر.
كانت الأحداث التى عجلت بذلك قانون الطوارئ الذى استمر فترة طويلة، وبموجبه احتجز نحو 17 ألف شخص، وكذلك مقتل الشاب خالد محمد سعيد وحريق كنيسة القديسين فى الإسكندرية. إلى جانب نتائج انتخابات مجلس الشعب التى كان التزوير واضحا فيها.. كل هذه العوامل جعلت الشباب يشعرون بالقسوة فى هذه الأحداث. وقررت القوى المعارضة أن 25 يناير، الذى يوافق عيد الشرطة، هو يوم القيام بتظاهرات لفضح هذا النظام.
• • •
انتشرت أول مظاهرة وكانت أمام دار القضاء العالى، تجمعت فيها القوى المعارضة وانتهت إلى أنه يجب التوجه إلى ميدان التحرير، وانتقلت الاحتجاجات إلى السويس.
قامت الحكومة المصرية بقمع الاحتجاجات عن طريق قطع الإنترنت وكل وسائل الاتصالات، مما دفع العديد من القوى السياسية والمعارضة للمشاركة فى جمعة الغضب يوم 28 يناير، حيث حصل احتكاك بين قوات الشرطة مع المتظاهرين والتعامل معهم بالأسلحة النارية والقنابل المسيلة للدموع. وتم اقتحام السجون وهروب عدد كبير من النزلاء، كما وقع هجوم على أقسام الشرطة مما تسبب فى حالة انفلات أمنى.
قام الرئيس مبارك بإعلان حالة الطوارئ ونزول قوات الجيش لتأمين منشآت ومرافق الدولة، وتم إعلان حالة حظر التجول. كما أصدر عدة قرارات منها إقالة وزارة أحمد نظيف، وتعيين أحمد شفيق رئيسا للوزراء، وتعيين عمر سليمان نائبا للرئيس.
حاولت القوى المضادة إفشال التجمع فى ميدان التحرير بموقعة الجمل ولكن جماهير التحرير تصدت لها ومنعتها من تحقيق هدفها.
وفى السادسة مساء الجمعة 11 فبراير أعلن نائب الرئيس عمر سليمان تخلى الرئيس عن منصبه، وكلّف المجلس الأعلى للقوات المسلحة بقيادة محمد حسين طنطاوى بإدارة شئون البلاد، وهنا رفعت الثورة شعارها الخالد وهو «عيش حرية كرامة عدالة اجتماعية».
• • •
أطلقت على الثورة أسماء كثيرة مثل ثورة الغضب أو ثورة الشباب أو ثورة اللوتس أو الثورة البيضاء. اشتعلت الثورة فى الإسكندرية والمنصورة أيضا. فى 28 يناير، أعلنت المنصورة عن مقتل 13 من الثوار، وفى 9 فبراير مات 18 متظاهرا آخر.. كما امتدت الثورة إلى السويس والأقصر وشبين الكوم والعريش والإسماعيلية.
نتيجة هذه الأحداث استشهد 384 شخصا ووصل عدد المصابين إلى 6467 ولكن مكاتب الصحة أرسلت بيانا آخر يفيد بأن عدد المتوفين فى الأحداث فى جميع مستشفيات مصر بلغ 840 شهيدا، وكان أكثر الأعداد فى الإسكندرية والقاهرة. وبدأت التحقيقات مع أعداد من المتعاملين السابقين مع الرئيس مبارك.
شهدنا 18 يوما فى ميدان التحرير تمثلت فيها الجينات الحضارية المصرية بأعلى صورة. وسوف تظل تفاعلاتها حية مهما طال يأس البعض أو أراد البعض أن يعيد عقارب الساعة إلى الوراء فما زال الحوار مستمرا ومفتوحا.. فقد نجحت ثورة يناير فى خلخلة البنية السياسية المصرية والحراك الذى حدث فى ظل لحظة معرفية، وتقنية «التواصل الاجتماعى» يسرت للطليعة الوطنية الشبابية أن تؤمن تغييرا غير مسبوق، حراكا فى مواجهة عقوبة الاستبداد السياسى والدينى والثقافى.
ومن ثم لا بد أن تكون مهمتنا الأولى هى تجديد الجمهورية من خلال حل تناقضات تاريخية، والاستجابة المبدعة للتحولات، وتغيير فى السياسة الاجتماعية والاقتصادية ودمج الكتلة الشبابية التى تمثل 50% من السكان تحت سن 25 سنة.
كذلك تحقيق العدل على كل المستويات وتحديث المؤسسات ومواكبة العصر، وبناء دولة المواطنة وأن تكون السلطة منفتحة وليست مغلقة، وإطلاق الحرية للمجتمع والقناعة بأنه لن يتم التحول الديمقراطى والتقدم بمصر إلا على قاعدة الشراكة الوطنية دون إقصاء.
ولا خوف على هذه الثورة لأن فرنسا لم تستوعب ما قام فيها سنة 1793 إلا بعد أربع سنوات.
• • •
ثورة 25 يناير هى رد فعل شعبى على تراكم المشكلات والأزمات المترتبة على سياسات نظام خرق المجتمع، وخرب اقتصاده لمصلحة شبكة مصالح نهبت البلاد وانتشر فيها الفساد من أعلى إلى أسفل.
يجب أن نكون أكثر تنظيما لأن الناس فى 25 يناير لم تكن مستعدة لخطة اليوم التالى الذى أدى إلى ارتباك واضطراب فى مساره، وإذا كان الالتباس السائد اليوم يدفع إلى التشكيك فى إمكان تحقيق أهداف الثورة ويؤدى إلى تشاؤم كثير ممن لامست أحلامهم السماء يوم 11 فبراير 2011، فهذا لأنها مازالت فى مرحلة مبكرة من مسارها الطويل ضمن حركة التاريخ التى تفيد بأن هذه الأهداف سوف تتحقق حتى إذا بدا لنا اليوم بأنه مستحيل.
هذا كل ما حصدناه من ثورة 25 يناير المجيدة التى لن يستطيع أحد طمس معالمها أو إنكارها.. ومصر باقية والشعب باقٍ والكل إلى زوال وتبقى كلمة الحق هى الباقية لبناء دولة ديمقراطية مدنية حديثة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved